حمّل الفنان المصري محمد صبحي الجمهور العربي، الذي يقبل هذا الإسفاف في الأعمال الفنية العربية، مسئولية تدني مستوى هذه الأعمال لقبوله بكل ما يعرض على الشاشات العربية، واتهم هذا الجمهور بالمشاركة في تشويه الثقافة العربية، كما دعى الجمهور لمقاطعة الفن المبتذل والأعمال الفنية الهابطة التي لا تراعي قيم وأخلاق وذوق المجتمع. وقال صبحي إن ما يستفزه هو ذلك الإسفاف الذي يمارس تحت شعار حرية الإبداع، موضحاً «لا أستطيع أن أفرق بين حرية الإبداع والسفالة والخروج عن التقاليد والقيم».
جاءت تصريحات صبحي تلك خلال أمسية ثقافية استثنائية شهدها معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والثلاثين التي أقيمت في الفترة 4 - 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، تحدث صبحي خلالها عن واقع الثقافة العربية والتحديات التي تواجهها، في جلسة نقاشية أدارتها الإعلامية بروين حبيب.
حبيب استهلت الأمسية بتعريف مميز لصبحي قالت فيه «ضيفي اليوم علامة فارقة في المشهد الثقافي العربي، فهو صاحب تاريخ مشرف في الفن، اقترن اسمه بالإبداع والاحترام، لُقب بألقاب كثيرة ابتداءً بأبي الفقراء وصولاً إلى فارس الفن الهادف، والحالم دوماً بالعدالة الاجتماعية، ضيفي مصري بل عربي حد البهجة وحد الضحك وحد التمني، هو أحد رموز الحياة الثقافية الفنية، مؤلف، كاتب، مخرج، مسرحي، فنان مهموم بقضايا المجتمع، أعماله تراجم لفنان يحمل وجوهاً كثيرة، مربي أجيال، سياسي، كوميدي، وقد رفض منصب وزير الثقافة أربع مرات، هو فنان حالم بغدٍ أفضل، وخاصة حلمه الشخصي في القضاء على العشوائيات بمصر». حبيب وصفت صبحي بالفنان المهموم بالإنسان، وقالت «في كل عمل مسرحي له ثمة وجهة نظر، ثمة رأي ثمة رسالة، حتى ابتسامته فيها رسالة».
وأشارت إلى أن صبحي سيغوص في واقع الثقافة العربية، والتهم التي وجهت إلى بعض المثقفين بسقوطهم الثقافي بعد الثورات العربية، والتي أعادت إلى الأذهان السؤال عن دور المثقف العربي في التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي.
بعدها بدأ الفنان محمد صبحي حديثه، باعثاً تحية شكر وتقدير لحاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، واصفاً إياه بـ «الرجل الإنسان الفنان والمفكر، الذي نافسني ونافسته في عشقي للمسرح وعشقه للمسرح، وعندما يكون هناك حاكم له هذه الإطلالة الثقافية المتميزة، فلا نجد إلا أن نقول هنيئاً لشعب الشارقة والإمارات».
ثم انطلق للحديث حول موضوع الثقافة والمعرفة والتعليم مشيراً إلى خطأ ما يعتقده البعض من أن «المعرفة شيء والثقافة شيء آخر» موضحاً «للمعرفة روافدها الخاصة وللثقافة كذلك روافدها، فروافد المعرفة منها التعليم، والتنمية البشرية، والثقافة، والتكنولوجيا، والبحث العلمي. فكل هذه الأشياء تشكل معرفة، فهناك كثير من المثقفين غير متعلمين، وكثير من المتعلمين غير مثقفين، وأعني بذلك المثقف ثقافة سمعية.
أما روافد الثقافة في أي مجتمع فهي كما أشار صبحي «الدين، والتقاليد، والعادات، والموروثات الشعبية، والفنون الجميلة من موسيقى ومسرح وسينما، وجغرافيا المكان والمناخ، وتختلف الثقافة من شعب إلى آخر حسب غلبة أي رافد من هذه الروافد».
وعلق صبحي على مسرحية «عودة هولاكو» التي كتبها حاكم الشارقة، موضحاً «من خلال متابعتي لتجربة صاحب السمو حاكم الشارقة في الكتابة المسرحية والذي قدم من خلالها مجموعة من المسرحيات منها هولاكو، والنمرود، والإسكندر الأكبر، والقضية، لاحظت أن سموه دائماً ما يرجع إلى التاريخ ليقرأه ويسجل منه ملاحظته ليكتشف بعدها أن ما أشبه اليوم بالبارحة وأن التاريخ يعيد نفسه».
وركز الفنان في حديثه على مسرحية «القضية» التي كتبها حاكم الشارقة والتي وثقت لحضارة الأندلس التي استمرت 800 عام، وهي محافظة على شموخها بفضل علمائها الذين كانوا عاشقين للعلوم والفنون والموسيقى، وتناولت الظروف والأسباب التي أدت إلى سقوطها، متسائلاً إن كان العرب والمسلمون قد استفادوا من درس سقوط الأندلس»، موضحاً «سقطت الأندلس بعد أن مرت بعهود مختلفة، وإذا قرأنا التاريخ سنكتشف كيف لعب أعداء الحضارة وانتهزوا الفرصة لضرب حضارة الأندلس».
وقال «عندما نقرأ نصوص هذه المسرحية نجد أن التاريخ يعيد نفسه حقيقةً، فالفتن هي نفسها والتشكيك هو نفسه، والتعامل مع الأعداء لقتال بعضنا البعض مازال واقعاً ماثلاً، ما أشبه اليوم بالبارحة».
وأضاف مستدركاً «لكن الأندلس كانت تملك ثروة علمية وثقافية وفكرية كما كانت الثورة الفرنسية تماماً التي كانت من أكبر الثورات والتي سبقتها بخمسين عاماً ثورة فكرية قامت على يد الشعراء والأدباء والمفكرين». لذلك رأى صبحي أنه «إذا كانت لدينا إرادة حقيقية لاستعادة تلك الأمجاد التي فقدناها فعلينا بالتعليم فهو القضية الأساسية»، مشيراً إلى أن القضية الأساسية في تردي مستوى التعليم في الدول العربية لا يعود لأشخاص وإنما تكمن القضية في أن «تهمل الدولة أمور العلم وأمور الثقافة والفن»، مضيفاً «لابد لحكوماتنا أن تولي التعليم مزيداً من الاهتمام وأن ترصد له ميزانيات مقدرة، وأن تغيّر نظرتها إلى المعلم الذي هو الوسيلة الأساسية التي يُبنى بها الإنسان، فنحن أحوج ما نكون إلى بناء الإنسان من أي وقت مضى».
بعدها تطرق صبحي لواقع الفن العربي بالقول «أصبح لدينا اليوم قضية سالبة ومستفزة وهي حرية الإبداع» مشيراً إلى أن كثير من الخراب والإسفاف في المجال الفني يمارس تحت شعار حرية الإبداع، موضحاً «لا أستطيع أن أفرق بين حرية الإبداع والسفالة والخروج عن التقاليد والقيم. نعم أنا أدافع عن حرية الرأي ولكن يجب أن نراعي القيم والأخلاق، لا أن نمارس الإسفاف واللا أخلاق على أساس أنه حرية إبداع، وحين تعترض يتهمونك بأنك لا تؤمن بحرية الإبداع»، ومشيراً بأنه «بعد الثورات العربية أصبح مفهوم الحرية والديمقراطية مغلوطاً ليس من المثقفين وحسب ولكن أيضاً من الجهلة والأميين، فالحرية التي يتحدثون عنها هي في واقع الأمر فوضى».
صبحي أشار إلى أن أحد حلول الإرتقاء بالفن العربي يكمن في يد الجمهور إذ «على الجمهور أن يقاطع الفن الهابط. قاطعوا الفن السيئ، المبتذل» مضيفاً «الجمهور مشترك في جريمة الإسفاف وجريمة تشويه الثقافة العربية، وهو مسئول أيضا عنها».
وأشار محمد صبحي إلى دعوة أطلقها حاكم الشارقة للفنانين المصريين بضروة إنتاج أعمال فنية تليق بمكانة مصر على الخريطة الفنية، وعن استعداده لتقديم الدعم اللازم لإنجاز هذه الأعمال.
وأكد أنه لم يتعرض لأي مضايقات طيلة سنوات عمله، ولم تمارس عليه أي رقابة أو يحذف له نص أو تصادر له كلمة، وأشار إلى أن الواقع والظروف المحيطة هي التي تصنع المثقفين والعباقرة، فإذا لم يتوفر المناخ المناسب لن تبرز أي مواهب، مشيراً إلى أن كثيراً من المثقفين تواروا عن المشهد حين لم يجدوا صدى لآرائهم وأفكارهم.
وحول الحلول المناسبة للأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية قال «أؤمن في أن الحل لا يكمن في وحدة الهوية العربية وحسب، والوحدة التي أعنيها هنا ليست وحدة الكيانات فقط وإنما وحدة الفكرة والمصير المشترك» مشيراً إلى أن «في هذا الظرف نحتاج من الغرب العدل ومن أنفسنا العقل».