استضاف منتدى الثلثاء الثقافي بالقطيف في أمسية علمية ومعرفية الباحث الأكاديمي والميداني في الحواسيب والخوارزميات والرياضيات التطبيقية محمد حسين هويدي ، في رحلة إستكشافية عن نشأة الكون والكائنات وأهم النظريات الكونية، في ندوة تحت عنوان "فلسفة الكون" وذلك مساء أمس الأول الثلثاء (25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015).
وكعادة المنتدى أسبوعيا في إقامة فعاليات مصاحبة، فقد تم تكريم المصور حسين آل سلطان إثر فوزه بالمركز الأول في مسايقة مركز مصوري الخليج، حيث تحدث مختصرا عن تجربته في التصوير وعن مسابقة تصوير المدن التي فاز فيها. كما شاركت الفنانة دلال الجارودي بكلمة عن تجربتها في الفن التشكيلي حيث تحدثت عن أهمية الفن وحول تركيزها على ابراز ورسم ورقة الأشجار في لوحاتها والتي شبهتها بحياة الإنسان، واستعرضت تجاربها في المعارض الفنية السابقة التي أقامتها في كل من القطيف وجدة، كما عرضت مجموعة من الأعمال الفنية المميزة في معرض المنتدى.
افتتح مدير الندوة حسن الخاطر اللقاء بمقدمة حول مركزية الأرض والإنسان في الكون، مشيرا إلى صغر حجم الأرض في الكون والتي اعتبرها بمثابة غبرة كونية تدور مع ذرات غبار أخرى حول فرن نووي اسمه الشمس، وأن الكون تعمره مليارات المجرات الأخرى حيث تعتبر مجرة درب التبانة واحدة من أكثر من مليار مجرة في هذا الكون. وعرف المحاضر بأنه نال شهادة البكالوريوس في علوم الحاسب الآلي من جامعة تلسا بالولايات المتحدة الأمريكية، ودرجة الماجستير في الحاسوب وهندسة البرمجيات من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية، وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة بولدر في الولايات المتحدة، كما ساهم في بناء أضخم حاسوب في الشرق الأوسط وحصل على براءة اختراع لمعالجة البيانات الضخمة جدا، وهو كاتب أصدر أكثر من 30 مقالة في مختلف المجالات العلمية.
واستهل محمد هويدي الندوة بالحديث حول مرونة العلوم وتطورها بحيث تكون النظريات العلمية قابلة للنقاش والتجديد مع مرور الزمن، وأن الموضوعية والبحث هما مرتكزان أساسيان في مجال العلوم، مشددا على أن ما نعتقد به صحيحا وثابتا اليوم قد يكون خاطئا ومستهجنا في المستقبل. وانتقل بعد ذلك للحديث حول عظمة الكون ومدى كبر حجمه وتعقيده مقارنة بخلق الإنسان مستدلا بقوله تعالى: (لَخْلْقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاس....)، كما تناول النظريات التي كانت تقول بأن الكون ثابت لا يتمدد، ومن بينها اعتقاد اينشتاين الذي جاء متعارضا مع المعادلات التي توصل إليها والتي تؤكد توسع الكون، ثم جاء تأكيد ذلك من العالم اِدْوِن هابل في بدايات القرن العشرين ليفند هذه الرؤية ويثبت أن الكون آخذ في الاتساع. وناقش المحاضر الهيكل الكوني وعدم القدرة لحد الآن على توصيفه إن كان مغلقا أو مسطحا أو محدبا، بعكس هيكل الأرض التي تم التوصل إلى كون هيكلها مغلقا بعد أن كان الاعتقاد بأنه مسطح.
وتطرق المحاضر للحديث حول نظرية "الانفجار العظيم" التي تعتبر من أكثر النظريات المقبولة في الوسط العلمي على الرغم من وجود اعتراضات عليها، مضيفا أن هذا الانفجار يرجعه العلماء إلى حوالي 14 مليار سنة تقريبا حيث تكون من انفجار بؤرة متناهية الصغر (نقطة تفرد). وأوضح أن العلماء وجدوا حسابات غاية في الدقة المتناهية بعد هذا الحدث، وتكونت منه جسيمات أصغر من الذرة (وهي عبارة عن طاقة مهمة لبناء أنوية الذرات) من اندماج المادة والمادة المضادة وإلغاء كل منهما الآخر، والتي نتج عنها طاقة كبيرة – يوجد في الكون واحد من مليار من تلك الطاقة الأساسية -، وبعدها تكونت الشموس، بفضل الثابت الكوني، التي تحولت إلى أفران ضخمة تلد العناصر الجديدة ومن ثم الكواكب والاحياء. وبين المحاضر أن اندماج ذرات الهيدروجين والهليوم نتج عنه عناصر طبيعية متعددة، موضحا أن الأرض من الكواكب الحاضنة للتفاعلات الكيميائية حيث أدت هذه التفاعلات فيها إلى نتاجات حيوية وبيولوجية، تطورت تدريجيا من أشياء دقيقة وبسيطة إلى حياة أكثر تعقيدا تشمل الخلق والقدرة على التفكير ونشوء الحضارات.
وتحدث محمد آل هويدي مفصلا عن أهمية الأحماض الأمينية في الحياة، وأن تفاعل الذرات ساهم في تكوينها بحيث يوجد في الطبيعة حوالي 20-22 حمضا أمينيا. وحول الشفرة الوراثية للإنسان، أشار المحاضر إلى أنها تحتوي على 46 كروموزوم، وأن الخلية هي التي تصنع البروتينات البالغة الأهمية في حياة الإنسان. وأوضح أن الشفرة الوراثية تحتوي على 3،3 مليار حرف وهي أصعب وأعقد لغة عرفها الإنسان. وفي بعض الأحيان يفرز الجسم بروتينات مختلفة أو غير متوافقة مع جسمه مما يؤدي لظهور أمراض مختلفة، مثل السرطان، قد لا يتمكن من مقاومتها وعلاجها.
وفي القسم الأخير للندوة، تناول محمد هويدي عشر نظريات لمستقبل الكون، والتي منها الإنطواء (الإنسحاق الشديد) وهي عكس التمدد، الموت الحراري وهي عكس الانطواء وتعني التمدد اللانهائي إلى أن تتفتت جميع المكونات بما في ذلك الذرات، التمزق الكبير الذي يحدث بسبب التسارع الذي سيمزق الكون الى شظايا غير متفاعلة، بلع الثقوب السوداء لكل شيئ يحيطها، انتهاء الوقت الذي هو معرض للتوقف مستقبلا، الاصطدام بحاجز الوقت والمقصود به أن التوسع يتوقف، الارتداد الكبير حيث يرتد وينشئ كونا آخر، تغير القوانين الفيزيائية للكون، تعدد الأكوان وتزايدها، ووجود أكوان متعددة لا بداية ولا نهاية لها.
بعد المحاضرة، طرحت مجموعة من مداخلات وأسئلة الحضور حيث طرح عبد العزيز الحميدي تفسيرا حول الآية القرآنية "كل من عليها فان" وحول امكانية تطويع العالم النظريات لتخدم تصوراته. كما تساءل الأستاذ عبد الرسول الغريافي عن امكانية وجود حياة أخرى في الكون، وتساءلت الأستاذة سلوى السيف حول علاقة العناصر المصنعة مع تنامي الثقوب السوداء.
وطرح محمد المصلي اشكاليات حول نظريات نشوء الإنسان ومن بينها نظرية داروين وزمن هذا النشوء، وأشار الأستاذ حسن آل إسماعيل إلى أن العلم قائم على منهجية الشك أما المعتقد فهو ثابت لا يقبل الشك، فلماذا نربط بين العلم والمعتقد؟. وطرح الأستاذ علي الحرز بأن كثيرا من العلماء المسلمين يدّعون بأن الإسلام سبق الغرب في الإكتشافات العلمية، وهو ما ذهب إليه أيضا الأستاذ عدنان السادة في قوله بأن العلماء المسلمين ينبغي عليهم إبراز الاكتشافات التي يدعون بها.
ودعا بدر الشبيب إلى ضرورة الرجوع الى كتب التراث التي تتحدث عن الاكتشافات العلمية والاستفادة منها، وطرح الأستاذ حسن آل يعقوب موضوع تعدد الأكوان واختلافها. وتساءل الأستاذ علي السويد حول الآثار المترتبة على الإضرار بالبيئة من خلال تلاعب وتدخل الإنسان السلبي، كما طرحت الأستاذة نسيمة السادة تساؤلا حول تكون الذرات الأساسية في الكون، وعن الميزات الأساسية لعنصر الحديد. واعترض الأستاذ منصور سلاط حول تحول المحاضرة من علمية إلى دينية.