تحدت الشابة فاطمة الزهراء مستقيمي كل الصعاب ونظرات المجتمع إليها، واقتحمت بجدارة وشجاعة عالم الجزارة الذي يعتبر مجالا ذكوريا بامتياز.
بافتخار كبير تحكي فاطمة الزهراء (28 سنة) قصة عشق ليس كباقي القصص، إنه عشق حرفة لا يمتهنها إلا الرجال، ومع ذلك، تحدت فاطمة الزهراء كل شيء، وارتمت بين أحضان مهنة الجزارة، وكلها أمل أن توصلها إلى درجة عالية من الاحتراف ولما لا من أجل تكوين فتيات أخريات ليدخلن بدورهن هذا العالم.
فتحت فاطمة الزهراء مستقيمي قلبها لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، وروت تفاصيل بداياتها مع هذه المهنة وخبايا حبها لها، إلى درجة أنها لا تشعر بالراحة إلا في لحظات ممارستها للجزارة.
منذ ثمان سنوات خلت، بدأت حكاية فاطمة الزهراء تلوح في الأفق. ومنذ أن انقطعت عن الدراسة في سنتها الأولى ثانوي (أي أنها لم تحصل على شهادة البكالوريا)، التحقت بإحدى محلات بيع اللحوم البيضاء، تعرض السلعة بعناية فائقة، تقنع الزبائن بجودة المنتوج، وتشرف على عملية بيع لحم الدجاج والديك الرومي في مختلف الأشكال والصنوف. التحقت بمحل بيع اللحوم البيضاء في أحد أكبر المتاجر بمدينة سلا، حيث تقطن مع عائلتها الصغيرة، أبانت عن مهارة كبيرة في مجال التجارة رغم أنها لم تخضع لأي تكوين علمي مباشرة في المجال، إلا أنها وبفضل حبها واخلاصها لما تقوم به، كانت تبذل جهدا كبيرا في استقطاب الزبائن وذلك من خلال طريقة عرضها للمنتوج وطريقة كلامها مع من يقفون أمامها لاقتناء مختلف أصناف اللحوم البيضاء.
وبابتسامة عريضة، وسرور كبير بمشوارها المهني، صرحت فاطمة الزهراء كيف تحولت من مجال بيع اللحوم البيضاء إلى "جزارة" اللحوم الحمراء. تقول إنها وبحكم اشتغالها في الجناح الخاص باللحوم، ورغم تخصصها في بيع اللحوم البيضاء، كانت معجبة بمجال اشتغال زملائها في اللحوم الحمراء. لم يسعفها فضولها لمهنة جذبتها بشكل مثير للانتباه، إلى درجة أنها كانت تسترق نظرات لزملاء لها يشتغلون في مجال جزارة اللحوم الحمراء، تتابع مختلف عمليات السلخ والتقطيع ، وتقترح عليهم أن يفسحوا لها المجال للتجربة ولتقليد ما يقومون به. وهو الطلب الذي كان يبدو غريبا من فتاة في مقتبل العمر، كانت إلى وقت غير بعيد لا تقوى حتى على حمل سكين بين أناملها، فما بالك أن تباشر عملية تقطيع عجل أو خروف أو بقرة. في البداية كان طلب فاطمة الزهراء يقابل باستغراب كبير، بل وأحيانا بابتسامات التعجب التي تصل إلى السخرية. ومع ذلك، لم تبال فاطمة الزهراء مستقيمي وظلت تصر إلى أن فتح لها المجال ووجدت نفسها وسط جزارين مهنيين بارعين تعلمت منهم تقنيات الجزارة وتفننت في إتقان مهنة لم يحترفها إلا الرجال.
تتذكر جيدا اليوم الذي وجدت نفسها أمام أول امتحان، حرصت على تتبع تعليمات الجزارين الذين كانوا يشرفون على تأطيرها، وتنضبط لكل التفاصيل التي تقدم لها من قبل خبراء في الجزارة، وكلها يقين أنها ستتحدى الصعاب، وستصل إلى المبتغى، مادام طموحها كبير، وأملها في أن تصبح "جزارة" وتحقق حلم طالما راودها. لقد استفادت فاطمة الزهراء كثيرا من اللحظات التي كانت تحضر فيها مع أبيها أثناء ذبح أضحية عيد الأضحى، تتذكر كيف كانت تمتلكها الشجاعة عندما كان أبيها يباشر عملية ذبح خروف العيد، وتنطلق هي في السلخ كأنها خبيرة في المجال.
بفضل عزيمتها وإصرارها القوي، تمكنت الشابة فاطمة الزهراء من كسب احترام كبير من زملائها في مجزرة اللحوم الحمراء وأيضا من كسب عطف المسؤول عن المجزرة في المتجر، فلاقت تشجيعا كبيرا من قبل هذا الطاقم الذي أيقن أن للفتاة موهبة خاصة وأنه من الضروري مساعدتها لتحقيق حلمها في أن تكون جزارة وتلج عالما ذكوريا بامتياز.
بنبرة تفاؤلية كبيرة، تقول مستقيمي إنها تشعر براحة لا تضاهى عندما تبدأ عملية سلخ أو تقطيع اللحوم الحمراء. ربما زاوجت فاطمة الزهراء دقة الأنوثة بحب المهنة، فتفننت في تجويد عملها، إلى درجة أن عائلتها وأيضا جيرانها ومعارفها يعولون كثيرا عليها في تقطيع أضحية العيد. ففي هذه المناسبة، تظهر خبرتها وحنكتها، تقطع الخروف وفق حاجيات الأسر، تزيل العظام الخشنة، وتقطع الأجزاء الخاصة بالشواء وتلك التي تطهى في الطاجن، أو تلك التي يمكن إدخالها في الفرن. أنوثتها ساعدتها في التفنن في تقطيع الأضحية، وطريقة اشتغالها تلقى إقبالا منقطع النظير إلى درجة أن جيران أسرتها يفضلونها أن تقوم هي بهذه العملية وليس جزار الحي كما هو متعارف عليه لدى الاسر المغربية. وعيد الأضحى مناسبة بالنسبة إلى فاطمة الزهراء التي يسطع نجمها، وتصبح في الواجهة، فبمجرد ما تنتهي مراسيم ذبح أضحية عائلتها الصغير، لا تخلع عنها وزرتها البيضاء، وتحمل حقيبتها المملوءة بأدوات السلخ والتقطيع، من أجل تلبية طلبات الجيران والمعارف الذين يضعون أمامها أضاحيهم فتقوم هي بتفصيلها وتقطيعها بدقة عالية بعد أن راكمت التجربة لسنوات. تعترف أنه في البدء كان الأمر صعبا من الناحية التقنية، جسمها النحيف لم يكن يقدر مقاومة عمل جبار من قبيل تقطيع عجل بكامله. كانت العملية متعبة وتسترق منها أزيد من ساعة، لكن مع مرور الأعوام، ومع الإرادة القوية في التحدي وفرض الذات، لم تعد تقضي فاطمة الزهراء مستقيمي سوى دقائق معدودة في تقطيع عجل.
إنها مهنة شريفة مليون في المئة، هكذا تنظر الشابة فاطمة الزهراء مستقيمي، التي تقوي جسمها بممارسة رياضة فنون الحرب بشكل منتظم، لمهنة الجزارة التي عشقتها وتحدت كل الصعاب من أجلها، فلا تجد أي حرج في مزاولتها، بل تزداد ارتباطا بها وتفتخر أنها من بين النساء القلائل اللواتي ركبن سفينة التحدي وامتهنت حرفة لا يقوى عليها الرجال فما بالك بالعنصر اللطيف.
حلمها الكبير الذي كان ومازال يراودها أن تتمكن من فتح محل خاص بالجزارة وتعمل على تكوين فتيات خلفا لها بعد طول العمر، وكلها أمل في بلوغ هذا الأمل لأن المرأة المغربية في نظرها كائن كله حماس يقوى على المغامرة وعلى فرض الشخصية في عوالم الرجال، المهم تختم فاطمة مستقيمي أن "الحلال يشرف ويوصل إلى تحقيق الأمل الخالد".
سيدة نساء العالمين من الأولين إلى الآخرين
"فاطمة الزهراء" أطهر وأجمل وأروع إسم في الكون.
الله يوفقها
ويفتح لها باب رزق من كل ناحية يارب
كل التقدير والإعجاب
لما كنت في الصين عرفت ان لاشيء اسمه وظيفة رجال ووظيفة نساء كل الوظائف للجنسين