تعتمد اليونسكو، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين على تأسيسها، مجموعة أدوات جديدة لمعالجة مسائل رئيسية مرتبطة بالعصر الرقمي، من قبيل حرمة الشئون الشخصية، وحرية التعبير، والتشدد، والخطابات التي تشيع الكراهية، والانتفاع بالمعلومات والمعارف، وغير ذلك.
تناولت اليونسكو، أثناء المناقشات التي دارت في الدورة الثامنة والثلاثين للمؤتمر العام، مسائل ملحة تثير اهتمام كل مواطن. فكل مواطن يتساءل: كيف أستعيد ذكريات أسرتي حين تصبح وسائل حفظ هذه الذكريات غير صالحة؟ وكيف أتأكد من أن بياناتي الشخصية تحظى بالحماية؟ وهل في مقدور حكومتي أن توفر لي خدمات كاملة من خلال الإنترنت؟ وهل يتمتع جميع الصحافيين بقدر كاف من الحماية؟ وكيف يمكن أن يكون للشباب حسّ نقدي يتيح لهم تصفح مواقع الويب دون الوقوع في شرك التشدد؟ وهل من الممكن جعل الإنترنت مجالاً عالمياً مفتوحاً وآمناً لكل فرد من الأفراد؟
إننا بصدد بناء مجتمعات المعرفة، حيث توشك الاتصالات والمعلومات أن تكون عناصر أساسية تندرج بالكامل في كافة أنشطتنا. إن مشكلة الفجوة الرقمية تتطور. ويجب أن تتكيف السياسات والأدوات مع الوقائع الجديدة للقرن الحادي والعشرين.
ناقشت اليونسكو هذه المسائل واعتمدت قرارات، بمشاركة الدول الأعضاء فيها البالغ عددها 195 دولة، سيكون لها آثار لدى الحكومات وعامة المواطنات والمواطنين في جميع أرجاء العالم.
وعقب عمليات التشاور العالمية التي دامت عامين وأسفرت عن عقد مؤتمر "الربط بين النقاط" وصدور إعلانه الختامي بشأن المسائل المتعلقة بالإنترنت، تستفيد اليونسكو الآن من دعم توافقي للعمل في المجالات الأربعة التالية:
- الانتفاع بالمعلومات والمعارف.
- حرية التعبير.
- حرمة الشئؤن الشخصية.
- الأبعاد الأخلاقية لمجتمع المعلومات.
كما اعتمد المؤتمر العام مبدأ عالمية الإنترنت من أجل أن تتلاءم أهداف التنمية التي تم تحديدها مع مجموعة من أربعة مبادئ ملخصة في المختصر الإنجليزي ROAM، والتي تؤكد أنه ينبغي للإنترنت أن تكون قائمة على حقوق الإنسان، ومفتوحة، ومتاحة للجميع، ومعززة بالمشاركة المتعددة الأطراف.
إن اليونسكو لن تعمل وحدها. وذلك لأن مهمتها تقتضي أن تشارك فيها جميع الأطراف مشاركة فعالة، بدءً من المواطنين على المستوى الفردي القادرين على البحث عن المعلومات وتلقيها ونشرها. واقتناعاً بأن التثقيف في مجال وسائل الإعلام والمعلومات يشكل كفاءة رئيسية في عصرنا من أجل تحديد المضمون المناسب والموثوق به، طلبت دول أعضاء كثيرة من اليونسكو أن تعزز عملها فيما يخص مكافحة الخطابات التي تشيع الكراهية، والتشدد والتطرف.
كما أكدت الحكومات على أن حرية التعبير وحرية الصحافة إنما تمثلان إحدى قواعد التنمية، بكافة أشكالها، وأعربت عن رضائها بإدراج هذه المسائل في برنامج التنمية حتى عام 2030. ووفقاً للقرارات التي اُتخذت في منظمات أخرى للأمم المتحدة، دعت الدول الأعضاء اليونسكو إلى تعزيز دورها التنسيقي في مجال سلامة الصحفيين ومسألة عدم الإفلات من العقاب.
ولما كانت المعلومات تمثل فائدة للجميع، اعتمدت اليونسكو أيضاً توصية بشأن صون التراث الوثائقي، بما في ذلك التراث الرقمي، وإتاحة الانتفاع به. أما المحفوظات والمكتبات العامة أو الخاصة فإنها تواجه أخطاراً عديدة تتمثل في الإهمال وفقدان مكانتها، وعدم صلاحيتها من الناحية التكنولوجية، والكوارث الطبيعية والنزاعات والهجمات الموجهة. وكل هذه المخاطر تهدد، بطريقة أو بأخرى، ذاكرة الإنسانية. ومن المأمول أن تبلغ هذه التوصية، بمرور الزمن، نفس مستوى الاعتراف الذي حظيت به وثائق أخرى لليونسكو تخص التراث والتي أثبتت صلاحيتها.
وابتداءً من عام 2016، ستحتفل جميع البلدان في 28 سبتمبر / أيلول بـ " اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات". ومن خلال إعلان هذا اليوم الدولي، ترغب اليونسكو في بث الوعي بأهمية الحق في الانتفاع بالمعلومات من أجل تحسين حياة المواطنين. ويمثل هذا اليوم حافزاً لتعزيز المبادرات التي من شأنها تعميم الانتفاع بالمعلومات لدى المجموعات السكانية وفي البلدان المتضررة من فجوات المعارف.
وتجدر الإشارة إلى أن المعاقين البالغ عددهم مليار شخص يشكلون إحدى المجموعات الأكثر تضرراً. ومن خلال اعتماد إعلان نيودلهي بشأن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الشاملة للمعوقين، أكدت اليونسكو على رغبتها في تعزيز انتفاع المعوقين بفرص العمل والتعليم والمشاركة في حياة المجتمع والمدينة، بأوسع معنى وبفضل التكنولوجيات الجديدة. إن فلسفة اليونسكو تتسم بالوضوح والبساطة؛ فهي تتمثل في أن الإدماج ليس عبئاً، بل وسيلة نجاح.
ستقوم اليونسكو بتحويل كل هذه المبادرات إلى أفعال محددة خلال الأعوام العشرة المقبلة. ووفقاً للبرنامج الطموح الوارد في أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ترى اليونسكو أنه ما من معلومات مستدامة على المستوى الاقتصادي والبيئي والاجتماعي إلا أن يُتاح لكل مواطن تنمية قدراته بالكامل في مجال الاتصالات والمعلومات.
قال رئيس لجنة الاتصال والمعلومات عبدالله الريس، في ختام كلمته أمام المؤتمر العام:"إن مهمتنا الخاصة ببناء السلام من خلال الحوار والاتصال والمعلومات إنما تشكل جهداً يتسم بالهشاشة وينبغي القيام به في كل الأوقات. فهي عمل أساسي يخص الإنسانية اليوم وفي المستقبل. وهذا هو مغزى العمل الذي تؤديه اليونسكو كل يوم".