أسميناها «الدولة الدستورية الديمقراطية الأولى»، لأنها جاءت بعد مخاض عسير، في العلاقات بين الدولة وشعب البحرين، طال إلى عشرات العقود، وأنه كانت هناك حقبة سياسية قوامها سبعة وعشرون سنة، ألغت مقومات تلك الدولة الدستورية الديمقراطية، وأقامت بدلها «الدولة الأمنية» نسبةً إلى قانون أمن الدولة، وهي لم تبلغ الحُلُم السياسي بعد، إذ لم تتجاوز سني عمرها ما بين إعلان النية التي لاحت للناظرين أول مرة، من خلال الإعلان الرسمي في ديسمبر/ كانون الأول 1971، عن النية لإصدار دستور ديمقراطي للبلاد، اعتماداً فيما بدا، على ترويج استعداد الدولة، للانتقال السريع السلس إلى نظام الحكم الدستوري الديمقراطي، ليتجاوز مجتمع البحرين، أميراً وحكومة وشعباً، حقبة علاقة الحاكم والرعية، والولوج في نظام الدولة المدنية الحديثة، الدستورية الديمقراطية، وذلك تتويجاً للاستقلال وإعلان البحرين دولة مستقلة ذات سيادة.
فعمر تلك الدولة لم يتجاوز الثلاث سنوات وثمانية شهور، هي الفترة ما بين 16 ديسمبر 1971، إلى 26 أغسطس/ آب 1975، اليوم الذي أوقف فيه الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975، العمل ببعض مواد الدستور، بما ألغى السلطة التشريعية، المستقلة عن باقي سلطتي الدولة، تطبيقاً للمبدأ الدستوري للدولة المدنية الحديثة، القاضي بالفصل بين السلطات، وأوكل مهامها التشريعية الى الأمير ومجلس الوزراء.
انقضت من عمر تلك الدولة، سنتان من ديسمبر 1971 الى ديسمبر 1973، في الاستعدادات والترتيبات الإجرائية، وإصدار التشريعات القانونية، فبعد الشهر السادس من وعد الأمير، صدر بتاريخ 20 يونيو/ حزيران 1972، المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 1972، بإنشاء المجلس التأسيسي، ليتكون من 22 عضواً منتخباً، وتعيين بيت الحكم 24 عضواً (تعيين الأمير 10 أعضاء، ومجلس الوزراء بحد أقصى 14 وزيراً)، وبتكليف مجلس الوزراء (الحكومة) إعداد مسودة الدستور، الذي اشترك في إعدادها نخبة من المستشارين الدستوريين، من المواطنين بحكم مناصبهم الحكومية، ومن الخبراء الدوليين في القانون الدستوري، وبإشراف هيئة الأمم المتحدة.
كما حدد المرسوم بقانون المدد القانونية، أربعة شهور للحكومة لإعداد مسودة الدستور وستة شهور تليها للمجلس التأسيسي لإقرار المشروع النهائي للدستور، الواجب رفعه للأمير للتصديق عليه وإصداره.
وبعدها بتسعة وعشرين يوماً، بتاريخ 19 يوليو/ تموز 1972، صدر المرسوم بقانون رقم (13) بشأن أحكام الانتخاب للمجلس التأسيسي، حيث منع حق الانتخاب على أفراد القوات المسلحة والشرطة، من المواطنين البحرينيين آنذاك، (وبهذا تم تحاشي احتمال إضاعة وقت الجدل حول خلاف ذلك)، كما وحصر الانتخاب في الذكور من باقي المواطنين، بمن في ذلك المتجنسون ممن مضت على تجنيسهم عشر سنوات، بعد العمل بقانون الجنسية لسنة 1963، وقد حدد المرسوم بقانون، اليوم الأول من ديسمبر 1972 لإجراء الانتخابات للمجلس التأسيسي، وتم إعلان نتيجة الانتخابات في العاشر من ديسمبر 1972، ليصدر بعدها المرسوم بقانون رقم (19) لسنة 1972، بشأن دعوة المجلس التأسيسي للاجتماع بعد ستة أيام من عملية الانتخابات، بتاريخ 16 ديسمبر 1972، كما صدر المرسوم الأميري رقم (18) لسنة 1972، بتسمية 8 أعضاء معينين من قبل الأمير و12 وزيراً، بناتج 20 عضواً لتمثيل بيت الحكم و22 منتخبين شعبياً.
وانتهى المجلس التأسيسي، من مناقشة وإقرار مشروع الدستور النهائي، في 26 مايو/ أيار 1973، ثم صوت جميع الأعضاء المنتخبين والمعينين والوزراء، على مشروعه النهائي لإقراره، في الجلسة الختامية بتاريخ 9 يونيو 1973، وتم رفعه للأمير الذي أقره وصدق عليه بتاريخ 6 ديسمبر 1973، أي بعد 159 يوماً من رفعه الى الأمير، وذلك دون رده لإجراء أي تغيير عليه، رغم أن الدستور في مادته 109، ربط العمل بالدستور بتاريخ أول اجتماع للمجلس الوطني (البرلمان) وكشرط ألا يتأخر هذا الاجتماع عن 16 ديسمبر 1973، لذلك فقد صدر في 11 يوليو 1973، (أي بعد 32 يوماً فقط من رفع المجلس التأسيسي لمشروع الدستور الى الأمير، وقبل التصديق عليه وإصداره بـ 128 يوماً)، صدر المرسوم بقانون رقم (10) لسنة 1973، بشأن أحكام الانتخابات للمجلس الوطني (النواب)، وأبرزه وقف حق الانتخاب لأفراد القوات المسلحة والشرطة، بمثل ما كان لانتخابات المجلس التأسيسي، وكذلك تحديد يوم الجمعة 7 ديسمبر 1973 بشكل مسبق، لإجراء الانتخابات العامة للمجلس الوطني.
على أن تحدد «الانتخابات التكميلية بقرار من مجلس الوزراء، يُنشر قبل تاريخ الانتخابات التكميلية بعشرين يوماً على الأقل»، بمعنى أن القرار حتى وإن نُشِرَ في تاريخ 7 ديسمبر، يوم انتخابات المجلس الوطني، فلا يمكن إجراء الانتخابات التكميلية، إذا ما لَزَمَ الأمر، قبل مضي عشرين يوماً من الإعلان عنها، أي قبل تاريخ 27 ديسمبر 1973، وهي بذلك ستكون متأخرة عن يوم 16 ديسمبر 1973، الذي نص عليه الدستور، موعداً لاجتماع المجلس الوطني الأول، وهو كذلك المحدد لبدء سريان الدستور، لذلك لم يكن هناك مجال لإجراء أية انتخابات تكميلية، لذلك وجب استكمال عضوية المجلس الوطني دونها.
لذا نعتقد أنه كان واضحاً، الاستعجال في إقرار الدستور وانتخاب المجلس الوطني، دون أدنى أخذ ورد، بل وبتسهيل للقوى الشعبية السياسية للفوز في الانتخابات والسماح لها استحقاق الأغلبية في المجلس التأسيسي وكذلك الوطني، الذي حدد الدستور عدد أعضائه بثلاثين عضواً منتخبين، يرفع الى أربعين ابتداء من الفصل التشريعي الثاني، إضافة إلى الوزراء بحد أقصى 14 وزيراً، وذلك لأحد سببين، إما أن النية كانت مرسومة ضمن استراتيجية، حققتها إجراءات 26 أغسطس 1975 الحكومية، أو أنه كان هناك صراع بين أقطاب سياسيين، نتج عنه غلبة أحد الأقطاب، بما حققته ذات الإجراءات في 26 أغسطس 1975 أيضاً. ولنا حديث حول الدولة الدستورية الديمقراطية الثانية.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4827 - الثلثاء 24 نوفمبر 2015م الموافق 11 صفر 1437هـ
ولد البحرين
ديمقراطية متأخر ومتردية حسب الإحصائيات العالمية