تماماً كما العنف ضد المرأة صارخ في العالم، جاءت «الفكرة البرتقالية» للقضاء عليه فاقعة هي الأخرى، إذ لم تكفِ المواثيق الدولية ولا التشريعات المحلية بعد في القضاء على آفة العنف، كان لابد من تذكير العالم سنوياً بأن النساء في شتى بقاع العالم يقع عليهن عنف وظلم يستدعي مناهضته والقضاء عليه.
قد لا يعرف أغلبنا أن مرجعية اختيار «25 نوفمبر» للقضاء على العنف ضد المرأة الذي اعتمدته الأمم المتحدة منذ 1999، هي حادثة اغتيال الشقيقات الثلاث «ميرابال» وبطريقة وحشية بناء على أوامر حاكم الدومينكان «روفاييل تروخيليو» العام 1960، حيث كن من السياسيات المعارضات لنظام حكمه، وقد شكلت الحادثة بداية لنهاية نظامه الدكتاتوري فسقط مقتولاً بعد عدة شهور من مقتلهن.
لا جغرافيا للعنف
العنف لا جغرافيا تحده ولا حدود، فثمة إحصاءات عالمية تشير لتعرض «35 في المئة» من نساء العالم وفتياته لشتى أنواعه، أما نتائج الدراسات فكشفت أن أكثر من «130» مليون امرأة تعرضن لتشويه أعضائهن التناسلية «ختان الإناث»، فيما تعرضت «700» مليون للزواج وهن صغيرات؛ ما يعني عدم إكمالهن تعليمهن، وأكثرهن عرضة للعنف المنزلي ولمخاطر الإنجاب. التقارير تشير أيضاً إلى أن الفقيرات أكثر عرضة للزواج المبكر وبمعدل «2.5» مرة مقارنة بمن يتمتعن بمستوى اجتماعي جيد، أما في النزاعات المسلحة فالطفلات تتعرضن للاغتصاب والحمل القسري ويجبرن على ممارسة الدعارة والاستعباد الجنسي ويستخدمن كأدوات حرب، ويتاجر بالكثيرات منهن جنسياً ويتعرضن للتحرش خصوصاً مع انتشار استخدام الإنترنت وأدوات التواصل الاجتماعي مما يجعل حياتهن غير آمنة.
في دراسات أخرى نشرت نتائجها العام 2012، أن امرأة من أصل ثلاث تتعرض للعنف الجسدي والجنسي من أشخاص مقربين إليها، وواحدة من أصل كل سيدتين قتلت في العالم على يد شريك حياتها أو فرد من عائلتها، كما تبين أن ثلثي دول العالم يحظرون العنف المنزلي قانونياً، بينما «52» دولة فقط تجرم الاغتصاب الزوجي، وأن «206» ملايين امرأة وفتاة يعشن في دول لا تجرم الاغتصاب الزوجي قانونياً، وكشفت أن الاتحاد الأوروبي لا يشد عن القاعدة فهناك «55%» من نسائه تعرضن للتحرش الجنسي منذ أن تخطت أعمارهن الـ15 عاماً.
حملة «اتحدوا» البرتقالية
إذن حملة «اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة» بشعار لونها البرتقالي التي أطلقها «بان كي مون» منذ 2008، لم تأتِ من فراغ، إنما هي رمز ودعوة للمزيد من جدية النشاط والعمل لإنهاء ظاهرة العنف والقضاء عليها. و «الفكرة البرتقالية» لا تقتصر على المجالات الضيقة، إنما كي تنشر في كل مكان بغية تسليط الأضواء على العنف والبحث في أسبابه وعواقبه، ووضع الخطط والاستراتيجيات لمحاربته والقضاء عليه، وهذا غير ممكن دون إصدار وإنفاذ القوانين الوطنية التي تجرم العنف ضد المرأة وتعاقب عليه، وتأطير الخطط الوطنية تشريعياً وتنفيذها في سياق جمع البيانات عن مدى انتشاره ورفع الوعي العام والتعبئة الاجتماعية وإقامة جبهة حقوقية وكسب الشركاء والمناصرين، ومطالبة النساء بكسر حاجز الصمت تجاه ممارسة العنف عليهن.
إن القلق يزداد من تنامي ظاهرة العنف على النساء في مجتمعاتنا العربية والمحلية؛ كونه يتغذى من منظومة الثقافة السائدة والعادات والتقاليد والموروثات، وقد صار الوضع أكثر بؤساً وسوءاً وخطورة مع انتشار الصراعات وتمدد النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية والأوضاع الاقتصادية المتردية وعجز التشريعات والقوانين الوطنية التي تفسح المجال لإفلات مرتكبي جرائم العنف من العقاب، في ظل انتشار العوز والفقر والجهل وتفشى الأمراض.
هل من آذان صاغية؟
محلياً وبرغم التطورات التي شهدها واقع المرأة البحرينية وما تحقق لها من تقدم وتمكين سياسي واقتصادي واجتماعي نسبي مقارنة بمجتمعات أخرى، وبرغم الجهود الرسمية والأهلية المبذولة للحد من ظاهرة العنف إلا إن الظاهرة تتنامى وتزداد، وما يرشح من إحصاءات بما تتعرض له النساء من إيذاء جسدي ونفسي غير دقيق لأسباب متعددة؛ أهمها غياب آليات الرصد المعتمدة حسب المعايير الدولية، بالطبع هناك مؤشرات تعكسها عدد حالات العنف المسجلة ونوعها في مراكز الإرشاد الأسري الرسمية منها والتابعة للجمعيات النسائية، وما يصل للمستشفيات ومراكز الشرطة وما تنشره الصحافة من وقائع المحاكم لجرائم العنف ضد المرأة، بيد أن هذه المؤشرات تفتقد الآلية المركزية لتسجل الحالات دون تكرارها وتكشف عن تفاصيل الأسباب وكيفية معالجتها، خصوصاً وهناك حالات تتعرض فيها النساء للعنف والقهر والاضطهاد ولا يتم التبليغ عنها.
المصادقة على «قانون الحماية من العنف الأسري» تمت منذ أشهر، وسجل المهتمون والناشطون ملاحظاتهم حول نقاط القصور المعنية بتفعيل آليات الرصد والمراقبة وضبطها، والشراكة الفعلية التي يتطلبها العمل بين الجانب الرسمي والأهلي، وخصوصاً أن رسالة الأمم المتحدة في «الفكرة البرتقالية» واضحة وصريحة في تأكيد دعوة الحكومات والمنظمات الدولية وغير الحكومية والمجتمع المدني والمنظمات النسائية والشباب والقطاع الخاص ووسائط الإعلام لتضافر جهودهم وتنظيم نشاطاتهم للتصدي لظاهرة العنف.
إن القانون لم يعاين الظاهرة في سياقها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وركّز اهتمامه على أفراد الأسرة دون إعطاء خصوصية للمرأة وجعل النص عمومياً وقابلاً للتأويل، أما أكثر المآخذ السجالية بين الناشطين وجهات القرار، أنه لم يجرم الاغتصاب والتحرش وهتك العرض، وأحالها لقانون العقوبات الذي يعالج الجريمة في المادة «353» بما لا يتناسب وخصوصيتها وآثارها على الضحايا، فالنص يشير بأنه «لا يحكم، بعقوبة على من ارتكب أية جرائم هتك العرض أو الاغتصاب إذا عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها، فإذا صدر عليه حكم نهائي يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية بمجرد إنجاز العقد»، ما يعني إفساح المجال أمام الجاني للزواج من الضحية والإفلات من العقوبة وتكرار الجريمة، ناهيك عن عدم تشديد عقوبة الاغتصاب باستخدام السلاح وفي حالة القاصر والمسن والمعوق والأطفال وزنا المحارم، إن بعض نصوص القانون فضفاضة وقابلة للتأويل لسلوكيات قد تمارس في إطار الحق الشرعي للزوج في تأديب زوجته أو للأب في تقويم أبنائه.
من هنا يأمل ناشطو وناشطات «الشارات البرتقالية» أن تنال ملاحظاتهم حول القانون وإنفاذ التزامات الدولة لمناهضته والقضاء عليه، تنال آذاناً صاغية واهتماماً جاداً ونوعياً ينعكس في مضمون وروح الاستراتيجية الوطنية التي سيتم تدشينها لحماية المرأة من العنف الأسري، لم لا وهو استحقاق والتزام تعهدت به الدولة أمام العالم، ويستدعي إعادة النظر في آليات الشراكة بين الجانبين الرسمي والأهلي، فالعنف والتمييز واللامساوة ضد المرأة يعني انتهاكاً برتقالياً صارخاً وخطيراً لحقوق الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4825 - الأحد 22 نوفمبر 2015م الموافق 09 صفر 1437هـ
لانتهاكات عندنا في المنطقة
ضد المرأة وإنسانيتها مرجعها التفسيرات المتخلفة للنصوص الدينية وربط الدين في أمور حياتنا اليومية بحسب تفسيرات متخلفة تجعل وضع المرأة مزريا ، وليس اعتبار المرأة متاع يشتري الرجل منها اربع الا خير دليل على ذلك ربما نحتاج يوما الى قرار من مجلس الأمن بضرب الأفكار المتخلفة ضد المرأة لانها تشكل ارهابا بدرجة الاٍرهاب آذي يعالجه القرار الأخير من مجلس الأمن بناء على طلب فرنسا