الصور الحزينة لا تنسى، تختم في الذاكرة كوشم غجري على صدر مكتنز بالعذاب، خصوصاً تلك المتعلقة بالطفولة.
في اليوم العالمي للطفولة الذي مر على العالم والأطفال في حال يرثى لها، وهم يعانون الدمار الشامل للإنسانية والحقوق والسلام، لابد وأن نتذكر كل صور المآسي التي مرت بنا حين يتعلق الأمر بهم.
منذ محمد الدرة الذي لم يفارق أعيننا كلما تذكرنا فلسطين، وصولاً لأطفال العراق وسورية واليمن وليبيا وكل العالم العربي الذي يغص بحزنه.
الطفولة التي من حقها أن تعيش سعيدة، لا تفكر إلا في مدرستها ولعبتها الجديدة وملابس العيد المعلقة في انتظار الصباح. الطفولة التي من المفترض ألا تعمل لأن هناك من ينتظر منها جهداً يفوق عمرها، وإنجازاً عجز عن تحقيقه من يفوقها سناً وقوة. الطفولة التي كان يجب ألا ترى أي مشاهد للدمار والقتل على شاشات التلفاز والسينما، لكنها رأتها في عقر دارها وهي تصارع المحتل فتُسْحَق تحت أصوات الانفجارات التي تصمّ آذانها، أو تزج في السجون والمعتقلات بحجة أنها تشارك في الدمار السياسي للبلاد، فيما هي لا تحلم إلا باستنشاق الهواء النقي الخالي من الغازات السامة وبقايا المتفجرات واحتراق الأجساد بفعل غارة جوية هنا أو قصف هناك.
صارت الطفولة اليوم تعاني الحروب والدمار والتهجير والسجن والقتل؛ فها هو السوريّ يغرق على شواطئ ظنّ أنها ستكون له برّ أمان، ويموت تحت آليات المدافع وخلف رصاص الأسلحة، ويأخذه البحر بعيداً عن أهله بعد أن يغرق القارب المثقل بأجسادٍ لم تتمنَّ سوى أرضٍ لا تسفك فوقها دماء أهاليها بيد أهلها.
ها هو العراقيّ يستنجد من الرمضاء بالنار، حين يفرّ من يد «داعش» التي تريد تجنيده ليقتل أباه، فيصل ليد تكفيريّ يسحقه ومن معه بحزامٍ ناسف، وإن أفلت من هذا وذاك صار لزاماً عليه أن يجاهد الفقر ويعمل ليل نهار بعد أن ينسى معنى التعليم المدرسي أو تهجئة كلمة لعبة.
وها هم شهداء الصلاة في مساجد فجرها من لا قلب ولا ضمير له يبتسمون في وجه الكاميرا وهم يشيرون لأرواحهم التي رحلت بفعل مجرمٍ كان نتاجاً طبيعياً لبيئة تبث سمومها التكفيرية في عقول أبنائها.
كل الصور التي تغزو الصحف ووسائل الإعلام تحمل من الألم ما لا يقدر قلب سليم تحمله، وتسبب ألماً لا يمكن الشفاء منه، فتتذكر كل تفاصيلها: نظرة الطفل، لون ملابسه، وقت وقوع الكارثة، الخلفية التي غالباً ما تكون منسية لأننا اعتدنا مشاهدة الظاهر وإغفال ما وراء الحدث.
ربما لا نتذكر الأسماء بعد أن كثرت، ولا نتذكر تلك الصورة التي تظهر طفلاً مضمخاً بالدم من أي بلد بعد أن صارت البلاد العربية سواء في الدمار والخراب، ولكننا نتذكر أن لهذا الطفل حقاً في أن يلعب بأمان من غير أن ينزل عليه ما يقتله لأنه تحرك ببراءة كما حدث حين قتل الأطفال الفلسطينيين على الشاطئ، ومن حقه ألا يثكل بوالديه فيسقط منهاراً على الشارع أو مستنداً على سيارة حين استشهد كل ذويه.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4825 - الأحد 22 نوفمبر 2015م الموافق 09 صفر 1437هـ
آهٍ آهٍ يا أستاذة سوسن، لقد نكأتِ القرح وأثرتِ الاشجان.
فيا ربي من أجل الطفولة وحدها * أفض بركات الأرض شرقا ومغربا
وصُن ضحكة الأطفال يا ربي إنها * إذا غردت في ظامئ الرمل، أعشبا.