العدد 4825 - الأحد 22 نوفمبر 2015م الموافق 09 صفر 1437هـ

محمد صالح الدلال يترجل عن «سلالم الحياة»

كتاب الراحل سلالم الذاكرة
كتاب الراحل سلالم الذاكرة

«أدركت منذ نعومة أظافري أن والدي هو الربان الذي يستطيع قيادتي في لجة بحر الحياة المتقلب ويوصلني إلى بر الأمان».

هكذا كتب عنه عالم الفلك البحريني شوقي الدلال مؤرخاً لدور والده في رحلة البحث «عن أفق مفقود»، كما عنون الدلال الابن كتابه.

أما الوالد فهو محمد صالح الدلال (آل رقية) الذي ترجل عن سلالم الحياة وليس «الذاكرة» يوم الخميس الماضي (19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، حيث ووري جثمانه الثرى في مقبرة المنامة عن 96 عاماً.


محمد صالح الدلال يترجل عن «سلالم الحياة» لكن تبقى «الذاكرة»

الوسط - محمود الجزيري

«أدركت منذ نعومة أظافري أن والدي هو الربان الذي يستطيع قيادتي في لجة بحر الحياة المتقلب ويوصلني إلى بر الأمان».

هكذا كتب عنه عالم الفلك البحريني شوقي الدلال مؤرخاً لدور والده في رحلة البحث «عن أفق مفقود»، كما عنون الدلال الابن كتابه.

أما الوالد فهو محمد صالح الدلال (آل رقية) الذي ترجل عن سلالم الحياة وليس «الذاكرة» يوم الخميس الماضي (19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، حيث ووري جثمانه الثرى في مقبرة المنامة عن 96 عاماً.

إنه العام 1919م، في إحدى بيوتات العاصمة البحرينية القديمة البلاد القديم، وُلد الطفل فتيل ابناً بكراً لأبيه الحاج إبراهيم بن علي آل رقية، قبل أن تحتم الأٌقدار تغيير اسم العائلة والمولود معاً.

أما آل رقية فحوَّلها الحاج إبراهيم إلى الدلال نسبةً إلى خاله عبدالحسين، وفتيل الأمس أمسى اليوم محمد صالح. هكذا كما جاءت «خيرة» الشيخ خلف العصفور.

في كتابه «سلالم الذاكرة»، يروي ذلك محمد الدلال: «لقد قدر لوالدي أن أكون أول مولود له، وهكذا فرح فرحاً عظيماً. ومن شدة فرحه أسماني فتيل. وقد ذهب والدي إلى صديقه الحميم الشيخ خلف العصفور ليزف إليه البشارة. وسأله فضيلة الشيخ ماذا سميته. فأجاب والدي: سميته فتيلاً (....)، فقال الشيخ وهل سميت الولد المبروك والبكر فتيلاً؟ هل غابت عليك الأسماء يا حاج إبراهيم؟، فأجاب والدي: الأمر راجع لفضيلتكم. أعطوه الاسم الذي تحبون. وعندما أخذ الشيخ سبحته واستخار وتمتم ثم قال: «الخيرة لله»، إن خير الأسماء ما عبد وحمد، ولذا اخترت له اسماً هو محمد صالح، وأرجو من العزيز القدير أن يجعله صالحاً إن شاء الله».

نشأ الولد في حضن والده، وكان متوجهاً للعلم في سنٍ مبكرة، لكن «عقائد ذلك الزمان»، كانت مانعةً له.

ففي سن العاشرة عرض الدلال الابن على أبيه الالتحاق بأحد المدارس لتعلم القراءة والكتابة، فما كان من والده إلا أن صفعه صفعة قوية أردته أرضاً بعد أن صرخ في وجهه «ماذا تقول؟ تريد الذهاب إلى منبع الكفر». وبما أن الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه، قال شوقي الدلال في ترجمة والده: «شكلت هذه الحادثة لدى والدي حافزاً قوياً وإصراراً ثابتاً لارتياد دروب المعرفة (....)، كان والدي مولعاً بالقراءة بعد سنين عجاف حرمه جدي خلالها من الذهاب للمدرسة؛ لذا حزم ألا تتكرر مأساته مرة أخرى مع أبنائه فقرر أن يمنحهم فرصة التعلم منذ نعومة أظافرهم».

ويردف «وجدت فيه رباناً ماهراً وقادراً على اصطحابي إلى شاطئ هذا العالم والتجوال في رمال وتأمل سمائه. فمن أين استقى والدي هذا البعد في الرؤية وهذا التنوع في المعرفة والإصرار على ارتياد دروبها؟».

وبعد أن توفي الحاج إبراهيم، تسلم محمد صالح رعاية العائلة حينها، وكان عليه أن يجد عملاً ما ليكسب عيشه ويلبي احتياجات عائلته.

فكان من الرعيل الأول الذي التحق بالعمل في شركة نفط البحرين بابكو، لكن ما لبثت السنين حتى استغنت الشركة عن خدماته بعد أن شارك وزملاءه في إضرابٍ ضد الإنجليز بالعام 1942م.

يستذكر محمد صالح الدلال هذه الحقبة «جاء السيد تشالز بلغريف المستشار البريطاني لحكومة البحرين إلى إدارة الشرطة، وكان معه رئيس عرفاء. واستدعانا السيد بلغريف واحداً بعد الآخر على انفراد. ثم جاء دوري وكان الأخير... سألني عن اسمي ونوعية عملي في الشركة وأجرتي اليومية فأجبته على الأسئلة، إلا أنه قال لي: أجرتك 4.5 روبيات وتضرب عن العمل؟! قلت: أنا مثل مئات من العمال الذين أضربوا. قال: ماذا تفكر أن تكون؟ قلت: أنا هنا في بلادي ويمكن أن أتقلد أي منصب ولكن أنت إذا عدت إلى بلادك فإنك لن تحصل حتى على القدر اليسير مما تحصل عليه هنا. فغضب غضباً شديداً وصاح في وجهي بحنق أخرج. وبعد يومين كانت المحاكمة».

ومن لطائف الأمور التي كان يمارسها الدلال في تلك الفترة، ما رواه رفيقه النقابي عبدالله مطيويع، وهو أن «الدلال كان يعمل بصفته مترجماً للإنجليز، لكنه كان متوائماً مع مطالب العمال بالكامل من تحت الستار، حتى بان ذلك بشكل صريح».

يقول المطيويع «أستطيع أن أقول إنه من أوائل الذين ساهموا بشكل فعلي في صياغة المطالب العامة في شركة نفط البحرين كونه يجيد اللغة الإنجليزية. وواكب الحركات المطلبية ما قبل 1942، وبالتحديد حركة أحمد بن لاحج ومحمد صالح الشيراوي، عام 1938م».

بعد فصله من شركة بابكو والأحداث التي تلت ذلك، عاش الدلال «حالة نفسية حادة»، رأى أنها تقوده إلى طريق مسدود، وفي العام 1950م حزم حقائبه وغادر إلى العراق ليبدأ فصلاً جديداً من حياته مع زوجته وأبنائه شوقي وسامي وفوزية.

تنقل في ربوع العراق، من الكاظمية إلى بغداد فالموصل، قبل أن يتجه للعمل في نهاية الخمسينيات بالكويت وينقل العائلة بغرض الدراسة والتعلم إلى دمشق.

يسترجع شوقي الدلال ذكرياته مع والده، «كان والدي صارماً في تربيتنا وحريصاً على نظافة مأكلنا ومشربنا (...) كان ولدي هو المنهل الذي استقيت منه الكثير من المعارف. كان معيناً لاينضب للإجابة على سيل الأسئلة التي يلوذ بها عقلي».

حين يسير الإنسان في خط مستقيم يابني فإنه يعود للنقطة نفسها التي انطلق منها، وذلك لأن الأرض كروية الشكل. بهذا ذات يوم أجاب محمد صالح الدلال تساؤل ابنه شوقي بعد أن سأله هل هناك حافة لهذا العالم؟.

لكن يبدوا «أن العودة للبدايات»، عقيدة متخمرة في نفس الدلال الابن، فالدلال الفكرة التي عاشت «حافة البداية» في بابكو كانت نفسها التي تتنقل بين الأمصار العربية وهي تعيش قضايا وهموم الأمة.

عندما سمع بالثورة على النظام الملكي في مصر أول مرة من خلال المذياع شعر وكأنه في «هستيريا»، لا يعرف أيها يبدأ بالكباء أم الفرح، لما وصفه بـ «سقوط ركن من أركان البغي في العالم العربي».

وكانت تلك حلقة جديدة في سلسلة التموجات التي شهدها الدلال، والذي شهد عقبها الحركة الشعبيَّة في العراق خلال الخمسينيات للإطاحة بحلف بغداد، ثم ثورة 14 تموز، وكذلك الأحداث الكبرى في دمشق في الستينيات. وترجم هذا التفاعل سلسلة طويلة من الرسائل إلى الزعماء والمثقفين العرب في الستينيات من القرن الماضي وعلى رأسهم جمال عبدالناصر وأحمد بن بلة وهواري بومدين وعبدالسلام عارف وعبدالله السلال وعبدالله عبدالدائم.

ورغم إن صفحات «الدلال الراحل» تفيض ببصماته المعطاءة، إلا أن «أكبر إرثٍ خلّفه، هم أبناؤه». هكذا يقول زميله عبدالله مطيويع.

فقد رحل الدلال عن أبنائه عالم الفلك شوقي الدلال، والأكاديمي سامي، لكن فوزية رحلت عنه قبل ذلك بأعوامٍ طويلة، ففي العام 1997م اغتال مرض السرطان الخبيرة الإعلامية في لندن قبل أن تتم مناقشة رسالتها في الماجستير، حيث «حملتها الجالية العربية» إلى مسجد ريجنت الكبير لتؤدي الجموع تحية الوداع على «رحيل الورود»، كما وصفها نقيب المعلمين السابق في لبنان أنطوان رعد.

محمد صالح الدلال
محمد صالح الدلال

العدد 4825 - الأحد 22 نوفمبر 2015م الموافق 09 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:40 ص

      انا لله وانا اليه راجعون

      لفقيد البحرين الرحمة والمغفرة وللجميع الصبر والسلوان

    • زائر 4 | 4:40 ص

      انا لله وانا اليه راجعون

      لفقيد البحرين الرحمة والمغفرة وللجميع الصبر والسلوان

    • زائر 3 | 3:59 ص

      المنارة محمد صالح الدلال

      الاستاذ محمد صالح الدلال المنارة التي كانت تنير درب عمال البحرين في الاربعينات والخمسينات، وقد فقدت البحرين أحد رجالاتها المخلصين لها ، مثواك الجنة والف رحمه تنزل على روحك الطاهرة ، والصبر والسلوان لمحبيك وأصدقائك وأهلك .انا لله وانا اليه راجعون.

    • زائر 2 | 11:49 م

      أبوشوقي

      الله يرحم أبو شوقي كان نعم الرجال
      عضو جمعية وعد والحريص على التواجد في جميع الفعاليات والمؤتمرات رغم كبر سنة إلى جنان الخلد.

اقرأ ايضاً