فاز الكاتب والصحافي الأميركي تا - نيهيسي كوتس بجائزة الكتاب الوطني الأميركي، عن فئة الكتاب غير الخيالي «بين العالم وأنا»، وهو كتابه الثاني، وصدر في يوليو/ تموز 2015، وتصدَّر قائمة الكتب الأعلى مبيعاً التي ترصدها صحيفة «نيويورك تايمز»، بتصويره وتناوله العميق لمسألة وممارسة العنصرية، في معظم المنظومات التي تمسك بزمام السلطة في الولايات المتحدة الأميركية. كوتس نفسه رأى أن الأميركيين، ويعني هنا البِيض تحديداً، بنوا امبراطوريتهم على فكرة (العرق/ اللون).
في مقدمة الكتاب يرِد ما نصه «هذا هو وطنك... العالم الذي تعيش فيه... وهذا هو جسدك، وعليك أن تجد طريقة للعيش مع كل ذلك». الكتاب نفسه تصدَّر
يمتلئ الكتاب بتناول وشرح وفهم هو جديد وحادٌّ، لتاريخ متراكم من العنصرية في الداخل الأميركي، لا يطول المؤسسات بحالات تمييز فاقعة فحسب؛ بل ينسحب أيضاً على شرائح لا يمكن الاستهانة بها من الشعب الأميركي. ولكل ذلك ضرائبه وآثاره ونتائجه المدمِّرة على المنجز المديني الضخم الذي تحقق على امتداد 400 عام. هي الكارثة/ الشر إذن، ذلك الذي لن يتهاون في تدمير بنية المجتمع الأميركي. الضحايا الغالبون كما هم قبل أكثر من 250 عاماً: الرجال والنساء من ذوي البَشَرة السوداء، في أشكال من التمييز والعنصرية والعبودية تأتي هذه المرة في صور وأنماط شتى.
بين التمييز والقتل على اللون
على رغم أن التهميش يكاد يمتد إلى جميع مجالات الحياة، وكذلك البطالة التي تصل إلى أرقام قياسية في أوساط السود خصوصاً، والدخل الذي يمثل أقل من الثلث من متوسط دخل الفرد؛ علاوة على نسبة الفقر، والسجون التي تكتظ بهم، كل ذلك ربما يكون أقلها ضراوة، قياساً بحمَّى القتل على اللون، من قبل رجال الشرطة ومنتسبيها، ويكفي الرجوع إلى الحوادث التي امتدَّت إلى عدد من المدن في الولايات الأميركية ونشطت هذا العام (2015)، والتداعيات التي ذكَّرت بحادثة المواطن الأميركي من أصل إفريقي، رودني كينغ، الذي تعرَّض للضرب المبرح من قبل شرطة لوس أنجيليس في 3 مارس/ آذار 1991، وتم تصوير الحادثة بالفيديو من قبل هاوٍ، قام بتسريب الشريط الذي حظي بتغطية إعلامية هائلة ساهمت في اندلاع أعمال شغب كبيرة في المدينة الأميركية لاحقاً، بعد تبرئة أفراد الشرطة الذين اعتدوا عليه. مثل تلك البراءة هي التي ستقود لاحقاً لإعادة إنتاج الممارسة ولكن في صورة أفظع تصل إلى حد القتل وبدم بارد.
أسئلة كبرى؛ بل شائكة واقعاً، تلك التي يجيب عنها. تساؤل عن الروح التي لو قُدِّر لها أن تسكن داخل جسد أسود... إمكانية تعايشها داخل ذلك الجسد. تساؤل عن إمكانية تذكُّر التاريخ الأميركي المشحون، وكذلك «إمكانية تحرير أنفسنا من عبئه»!
كل تلك الممارسات، ورصْد نيهيسي كوتس لها في كتابه، لم تمنع من ترشيحه لجائزة الكتاب الوطني الأميركي. هل هي الديمقراطية حقاً؟ أم: سنفعل ما نريد، ويمكنكم كتابة ما تريدون؟ أم لأن الجائزة نفسها تتمتع باستقلالية لا يمكن الغمز واللمز فيها؟ تلك القضايا، ومسائل أخرى، لا يمكن عزلها عن سياقات الممارسة، وإن نجتْ جهة من سطوتها وتأثيرها.
إهداء الجائزة إلى برينس جونز
ماذا عن الرئيس الأميركي نفسه: باراك أوباما؟ أليس من ذوي البشرة السوداء؟ هل استطاع طوال فترة ولايته أن يحدَّ من تلك الممارسات العنصرية والقتل على العرْق؟ الوقائع تقول خلاف ذلك، بل على العكس، حوادث القتل والاعتقالات، وتجاوزات رجال الشرطة سجَّلت ارتفاعاً مرصوداً فترة ولايته، لا يمكن أن تتجاوزه عين.
في هذا الصدد يقول تا نيهيسي في الكتاب نفسه: «على رغم تربُّع الرئيس باراك أوباما ذي البشرة السمراء ومن أصول إفريقية على عرش البيت الأبيض، وعلى رغم أن الدستور الأميركي يمنع التفرقة بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدِّين، إلا أن العنصرية لاتزال متمكِّنة من قلوب الأميركيين (...)».
أماندا أولبوش، من صحيفة «الغارديان» البريطانية، كتبت تقريراً يوم الخميس (19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، تنشر «الوسط» أهم ما جاء فيه، مع المقدمة التي سبقت التقرير، وكتبها المحرِّر الثقافي؛ علاوة على هوامش في ثنايا الاستعراض.
تلقَّى كوتس الجائزة المرموقة في الوقت الذي تتجدَّد فيه أوجه وأنماط النظام العنصري الأميركي، بذلك التدقيق المستفز، والضغوط المُمارسة على حركة السُود التي تنبعث اليوم من جديد، مع تكرار القتل على العرْق، وفي أحسن الأحوال، ممارسة العنف غير المبرَّر في الشارع، من قبل رجال الشرطة في أكثر من حادث شهدته مدن وولايات أميركية، ووصول الناس إلى قناعة بأن المساواة واحدة من الخُدَع الكبرى.
وفي تعليقه على قبول الجائزة، قال كوتس: «في قلب بلادنا فكرة مفادها، أننا على توافق بافتراض أن الأشخاص السُود هم بطريقة ما لديهم وجهة، وبطريقة أو بأخرى، لديهم مَيْل إلى الإجرام».
الجائزة التي حصل عليها كوتس هي الأحدث في سلسلة الجوائز التي مُنحت إلى الصحافي والمحرر والمدوِّن في موضوعات بلدان المحيط الأطلسي؛ إذ حصل على جائزة «ماك آرثر» في سبتمبر/ أيلول الماضي.
كوتس ظل وفياً لصديقه برينس جونز؛ الذي قُتل على يد ضابط شرطة في العام 2000؛ إذ خصَّص الجائزة الأخيرة له. وقال كوتس، إن موت جونز كان في صميم كتابه الذي تعمَّقت أفكاره في وقت لاحق بسبب حوادث العنف التي ارتكبتها الشرطة ضد المواطنين الملوَّنين.
لن أنخرط في هذه الحياة
وقال كوتس، إنه كرجل أسود، لا يمكنه مُعاقبة الضابط الذي قتل صديقه. مضيفاً «ما أفعله هو أن لديَّ القدرة على القول، بأنك لن تجعلني أنخرط في هذه الحياة... ولن تجعلني جزءاً منها».
قدَّم الناشرون 1428 كتاباً للمراجعة: 419 ضمن فئة الخيال، 494 ضمن فئة الكتاب غير الخيالي، 221 ضمن فئة الشعر، 294 لفئة أدب الشباب. وحصل الذين بلغوا نهائيات التحكيم على 1000 دولار أميركي، فيما حصل الفائز على 10 آلاف دولار.
وفي فئة الروايات: ذهبت الجائزة إلى «ابتسامات الحظ» لآدم جونسون، في الحفل الذي أقيم في «كيبرياني» بمدينة منهاتن مساء الأربعاء الماضي (18 نوفمبر 2015).
وأعرب جونسون عن استغرابه للفوز بالجائزة، على رغم فوزه بجائزة بوليتزر سابقاً عن فئة الرواية، وجائزة دايتون للسلام الأدبية، وكذلك جائزة «كتاب كاليفورنيا»، متغلِّباً على عدد من الأسماء المفضَّلة والتي تحظى بحضور، ومن بينها: هانيا ياناجيهارا، بعملها «حياة صغيرة»، ولورين غروف، عن عملها «مصائر وغضب». مع الإشارة إلى أن الجائزة مقتصرة على المواطنين الأميركيين، وهي الآن في عامها السادس والستين.
وفي فئة الشعر للظهور الأول، فازت المجموعة «رحلة من الماضي إلى الحاضر»، لروبن كوستي لويس، في نص عميق من التأمل في أن «تكوني امرأة سوداء في أميركا»، فيما ذهبت الجائزة في فئة أدب الشباب لـ «التحدي العميق» لنيل شيسترمان، وتتناول قصة مراهق يعاني من فصام في الشخصية. واستُلهم العمل من حالة ابن شيسترمان (بريندان)، والذي تم تشخيص إصابته بالمرض وهو في سن السادسة عشرة من عمره.
ديليلو: القائمة شكْل الهستيريا الثقافية
كما تم في حفل الجائزة تكريم دون ديليلو، اعترافاً بمساهمته المتميزة في الأدب الأميركي، وكذلك جيمس باترسون، الذي تم تكريمه لخدمته المتميزة للمجتمع الأدبي في أميركا.
وقدمت مستشارة مدارس مدينة نيويورك، كارمن فارينا، الجائزة لباترسون، الذي تبرع بأكثر من مليون دولار على شكل منح للمكتبات المستقلة في العام الماضي. كما تبرع بأكثر من 250 ألف كتاب للأطفال، وأكثر من 650 ألف كتاب للجنود الأميركيين.
وقالت المستشارة فارينا، إن باترسون كان «بطلاً» وسأل مزيد من الناس باترسون عمَّا إذا كان يشعر بالقلق من أن النشر الأميركي والأدب «في ورطة» رد بالقول: «دعونا نتأكد من إيجاد طريقة لجعل جيل آخر من القرّاء في حال ديمومة واستمرار. وعلينا أيضاً التأكد من وجود «مخازن الكتب، والمكتبات، والناشرين في صورة مزدهرة».
بالنسبة إلى ديليلو والذي قرأ نماذج من أقدم كتب مجموعاته قال بمناسبة تسلمه الجائزة، من الحائزة جائزة بوليتزر، جنيفر إيغان: «هنا، أنا لست كاتباً على الإطلاق، أنا قارئ ممتن». وقد فاز بالجائزة سابقاً كل من: توني موريسون، جوان ديديون وجودي بلوم.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للكتاب في سبتمبر/ أيلول بأن ديليلو سيتم تكريمه للعام 2015. وقال ديليلو: «القوائم هي شكل من أشكال الهستيريا الثقافية؛ لذلك دعونا فقط نَقُلْ، إن العمل القوي يحافظ على حضوره واستمراره، والرواية كشكل تستمر في إثارة ابتكار حصة من الكتَّاب الشبان». مضيفاً «صحيح أن بعض الكتّاب منا أصبح أفضل لأنه عاش لفترة كافية؛ وللسبب نفسه أصبحنا أسوأ كتّاب. الخدعة تكمن في أن تموت مراوحاً بين هذا وذاك».
ضوء
يُذكر أن تا - نيهيسي كوتس، كاتب وصحافي أميركي من مواليد 30 سبتمبر 1975، في بالتيمور، بولاية ميريلاند. يُعدُّ أحد كبار المحرِّرين والمدوِّنين لبلدان المحيط الأطلسي؛ حيث تناولت كتاباته القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية؛ وخصوصاً فيما يتعلق بالأميركيين من أصل إفريقي. من أشهر الصحف التي عمل فيها كوتس: مجلة «نيويورك تايمز»، و «واشنطن بوست»، و «واشنطون بوست مونثلي»، و «O»، وعدد من المطبوعات. نشر سيرته الذاتية «الكفاح جميل: الأب، ابنان والطريق غير المتوقعة للرجولة».
صدر كتابه الثاني «بين العالم وأنا»، في يوليو/ تموز 2015. ورشح لجائزة الكتاب الوطني للعام 2015 عن فئة الكتب غير الخيالية. تلقى جائزة «جينيس غرانت» من مؤسسة ماك آرثر في العام 2015، وتمنح الجائزة سنوياً من قبل مؤسسة جون وكاثرين ماك آرثر لما بين 20 و 30 شخصاً، ممن يعملون في المجالات المختلفة، وأظهروا «أصالة استثنائية، وتفانياً في المساعي الإبداعية، وقدرة ملحوظة على التوجيه الذاتي، من مواطني أو مقيمي الولايات الولايات المتحدة».
والده، ويليام بول كوتس، من قدامى المحاربين في فيتنام، مؤسس «الفهود السود»، ناشر وأمين مكتبة. أسَّس الأب (كوتس) وأدار في هذا المجال «Black Classic Press»، وهي مؤسسة شعبية بدأت بمطبعة في الطابق السفلي من منزله، وتخصصت في نشر الكتب التي تُعنى بالعناوين والموضوعات الإفريقية الأميركية، أما أمه فهي شيريل واترز حسن، وكانت تعمل مدرِّسة.
أنجب والده سبعة أطفال، خمسة أولاد وابنتين، من أربع نساء، وعلى رغم حجم العائلة، إلا أن الأطفال نشأوا معاً في أسرة متماسكة. وبالنسبة إلى المؤلف (تا - نيهيسي كوتس) فقد عاش مع والده طوال الوقت، بحسب ما صرَّح في أكثر من لقاء، وتطرق إلى ذلك في جانب من سيرته الذاتية.
يشار إلى أن
كان لعمل والده في مجال صناعة الكتاب والنشر، دور وأثر كبير عليه؛ ما أتاح له فرص قراءة عديد من الكتب التي نشرها والده.
التحق كوتس بعدد من المدارس في منطقة بالتيمور، بما في ذلك مدرسة وليام إتش. ليميل المتوسطة، ومعهد البوليتكنيك في بالتيمور، قبل أن يتخرج من مدرسة وودلون الثانوية.
التحق بجامعة هوارد، وتركها بعد خمس سنوات لينضمَّ إلى مهنة الصحافة، وهو الابن الوحيد في عائلته الذي لم يتمكن من إتمام دراسته الجامعية.
جوائز الكتاب الوطني
يُشار إلى أن جوائز الكتاب الوطني في الولايات المتحدة الأميركية، هي مجموعة من الجوائز الأدبية السنوية التي يتم منحها في احتفال سنوي يُنظَّم في شهر نوفمبر. وتقدم الجوائز المؤسسة الوطنية للكتاب، مع تخصيصها جائزتين للإنجاز مدى الحياة لمؤلِفيْن يتم ترشيحهما للقائمة.
تم إنشاء الجوائز في العام 1936 من قبل رابطة باعة الكتب الأميركية، وخلال الحرب العالمية الثانية تم التخلِّي عنها، ليتم إعادة تأسيسها من قبل ثلاث مؤسسة معنيَّة بصناعة الكتاب في العام 1950. وكان غير الأميركيين من المؤلفين والناشرين، مُؤهَّلين للحصول على الجوائز فترة ما قبل الحرب. وفي الوقت الراهن، يتم تقديمها إلى المؤلفين الأميركيين، عن الكتب التي يتم نشرها في الولايات المتحدة خلال الفترة التي حُدِّد فيها تسلُّم الأعمال لجائزة السنة.