العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ

الصبي الذي رمى رسماً لبيكاسو تُقدَّر قيمته بـ 50 مليون جنيه

كان وقتها الممثل برايان بليسد...

حمامة السلام رُسمت العام 1949
حمامة السلام رُسمت العام 1949

يسأل الكاتب والناقد الفني بصحيفة «الغارديان» البريطانية: «هل رسم بيكاسو حقاً حمامة لبرايان بليسد؟ إذا كان الأمر كذلك، فتلك كانت واحدة من حالات سخاء الروح التي تم تجاهلها».

كان ذلك في العام 1950، وقت انعقاد مؤتمر السلام في شيفيلد. الصبي وقتها وكان في الثانية عشرة من عمره، وأصبح واحداً من كبار الممثلين في عالم السينما اليوم، هو برايان بليسد، حين طلب من الفنان الكبير أن يرسم له أي شيء. استجاب له بيكاسو، برسم حمامة، باعتبارها كانت شعار المؤتمر، والأقرب إلى من هم في سنّه. لكن الصبي لم يرَ الحمامة التي تخيَّلها، ومن رسام عالمي، فرمى بها أرضاً، ليلتقطها أحد الذين كانوا متواجدين في المكان. الورقة تلك تصل قيمتها اليوم (كونها من بيكاسو) إلى 50 مليون جنيه إسترليني، كما يدَّعي برايان. إنها الفرص التي تُرمى في مهبِّ الريح. إنها القيمة الحقيقية الغائبة للفنان، ليس بالضرورة من قبل صبي في الثانية عشرة من عمره، بل حتى من قبل الناضجين، حين يرون الأشياء الكبيرة تافهة ولا تستحق عناء النظر إليها.

يأخذنا جوناثان جونز، في تقريره الذي نشر في «الغارديان» يوم الاثنين (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، إلى إضاءة تلك اللحظات بعمق وتشعُّب، نوجزه هنا

لدى الممثل المُلفت برايان بليسد، ميْل ونزْعة إلى القصة. سُئل من قبل إحدى الصحف عمَّا إذا كان قد ارتكب خطأ مالياً في حياته (بتفويت فرصة ما لم يُعرها اهتماماً)، فكشف عن حدوث ذلك له، حين كان في سن الثانية عشرة، وفي لقاء جمعه مع بيكاسو. يومها كان أعظم فنان في القرن العشرين في مدينة شيفيلد بمناسبة عقد مؤتمر للسلام، وسأل الصبي (بليسد) في موقف شكلي عمَّا إذا كان الشخص الذي أمامه هو حقاً بيكاسو، ثم تحدَّاه لإثبات ذلك من خلال رسْم شيء ما (تاركاً الخيار له).

كل شيء من يده بمثابة كنز

رسم بيكاسو وقتها، حمامة، حينها قال نجم الأفلام المستقبلي: «هذا ليست حمامة»، ورمى بها أرضاً. تم التقاطها والاحتفاظ بها من قبل شخص آخر كان في المكان، واليوم يزعم بليسد أنها تقدَّر بما يصل إلى 50 مليون جنيه إسترليني!

الخمسون مليون جنيه إسترليني ربما ترتفع بعض الشيء (إنها لوحة زيتية لبيكاسو، جلبت تلك المبالغ، وليست رسوماته الأولية)، ولكن كل شيء من يده هو بمثابة كنز.

الممثل (بعد سنوات) البالغ من العمر 12 عاماً لم يكن مُنصفاً لبيكاسو. حمائمه وقتها تبدو مثل الحمائم التي نعرف. إنها معجزات البساطة في بعض الأحيان، الرسم المُوحي ذلك الذي يُظهر كيف أن الفن يمكن له أن يُحدِّد واقعاً ما في شكل وصورة مختزلتين، وبطريقة فيها الكثير من الجرأة. كان بليسد بعيداً عن شخص بيكاسو وقتها (من حيث معرفة كنه الطاقة التي يتمتَّع بها الرجل، والسر: البساطة) وهو يرسم الحمامة له في الفترة التي قضاها في شيفيلد، بمناسبة حضوره المؤتمر العالمي للسلام في العام 1950.

صحيفة المدينة «»Star تتبَّعت ثلاث حمائم على الأقل رسمها بيكاسو في شيفيلد، بما في ذلك واحدة على منديل في مقهى، وكان هناك (في المدينة) ليوم واحد فقط. كما ارتاد أحد محلات الحلاقة في المدينة لقص شعره، قبل أن يُلقي كلمة قصيرة في المؤتمر.

يبدو أن بيكاسو كان في رحلة كاملة إلى شيفيلد عندما تعلَّق الأمر بالحمائم. لا عجب في ذلك. قام بذلك الرسم الأوَّلي الجميل والبسيط باعتباره داعماً للطريقة والأسباب التي يمكن بها التعبير عن حاجة العالم إلى السلام في العام الذي سبق الزيارة (1949)، وهو العام الذي توقفت فيه مدافع الحرب العالمية الثانية. في العام 1949 اختار الشاعر لويس أراغون تصميماً لحمامة بيكاسو للترويج للمؤتمر العالمي الأول للسلام في العاصمة الفرنسية (باريس). كانت مؤتمرات السلام تلك، بطبيعة الحال، وقائع للدعاية. كان كل من أراغون وبيكاسو عضويْن في الحزب الشيوعي الفرنسي. وكانا يبلّغان مطالبة ستالين بالسلمية في الوقت الذي كان فيه - واقعاً - يشيِّد ترسانة نووية، جنباً إلى جنب سحق المعارضة في أرجاء أوروبا الشرقية.

سخاء الروح

كانت دوافع بيكاسو أصيلة وخالصة. انضم إلى الحزب في نهاية الحرب العالمية الثانية لأنه أُعجب بالدور والتأثير الذي أحدثه في المقاومة الفرنسية. في وقت لاحق، عندما أرسلت روسيا دباباتها إلى المجر في العام 1956، فك ارتباطه بالقضية الشيوعية. حمامة السلام التي رسمها فاقت كل ما كان يعترك في العالم وحقيقة ما يدور. كان الرسم رمزاً جذَّاباً للسلام، وواحداً من أجمل إبداعاته.

وبشكل جاد، ما الذي كان يتحدَّث عنه بليسد؟ هل رأى حقيقة رسماً لحمامة من قبل؟ بالنسبة إلى حمائم بيكاسو تبدو تماماً مثل الحمائم. بيت القصيد ذلك الذي يتعلق ببيكاسو هو انه كان بإمكانه الرسم مثله مثل رافائيل (كما اعترف هو بنفسه وبتواضع في هذا الشأن).

عندما عمد بيكاسو إلى تدمير الواقعية لم يكن ذلك بسبب أنه يعاني من نقص في المهارات. كان يمكن لبيكاسو أن يرسم وبطريقة بسيطة جداً كما يريد أي منا. اصطفاف حمائمه المُظللة بغنى ملفت، تلك التي اختارها أراغون لملصق السلام في العام 1949، جاءت ضمن مسار الرسومات المبسطة.

هل رسم بيكاسو حقاً حمامة لبرايان بليسد؟ إذا كان الأمر كذلك، فتلك كانت واحدة من حالات سخاء الروح التي تم تجاهلها، في عالم كان غارقاً في «أنانيته».

«نساء الجزائر»

في سياق الأرقام القياسية التي تحققها لوحات الفنان العالمي بابلو بيكاسو، يشار هنا إلى أنه في شهر مايو/ أيار 2015، حققت لوحته «نساء الجزائر» واحداً من الأرقام القياسية في هذا المجال، لتصبح واحدة من أغلى اللوحات على الإطلاق؛ إذ بيعت بـ 179.4 مليون دولار، في مزاد نظَّمته صالة كريستيز، بمدينة نيويورك.

وذكرت وكالة «رويترز»، أن اللوحة الفنية الأغلى والتي رسمها الفنان في العام 1955، شهدت تنافساً كبيرا بين الراغبين في الحصول عليها، بعد عرضها في المزاد بمبلغ أوَّلي قدر ب 140 مليون دولار، قبل أن ترتفع نتيجة التنافس الكبير في المزاد، لتصل قيمتها إلى 179 مليون و365 ألف دولار ، وكانت من نصيب دار «كريستيز».

ويُنظر إلى اللوحة الزيتية التكعيبية الشهيرة على أنها تصوير نابض بالحياة لسيدات عاريات أو شبه عاريات.

وهي واحدة من سلسلة مُؤلفة من 15 عملاً رسمها الفنان الإسباني بين عامي 1954 و 1955، مرمَّزة بالحروف من A إلى O من الأبجدية الإنجليزية.

وليس بعيداً عن تحقيق اللوحات للأرقام القياسية، تجدر الإشارة هنا إلى أن لوحة بول جوجان وحدها (نافيه فا إيبويبو) أو (متى تتزوجين؟) والتي تُظهر امرأتين من تاهيتي وسط مشهد من الطبيعة بالألوان الزيتية، تجاوزت الرقم القياسي لبيكاسو؛ إذ بيعت بمبلغ 300 مليون دولار في فبراير/ شباط 2015.

وانتهى الفنان الفرنسي جوجان من تلك اللوحة في العام 1892 وكانت بحوزة جامع اللوحات السويسري رودولف ستايهيلن المُقيم في بازل، وتم بيعها في مزاد، لجهة غير معلومة. ووفقاً لتقارير صحفية فإن مؤسسة متاحف قطر هي من اشترت اللوحة.

برايان بليسد - بابلو بيكاسو
برايان بليسد - بابلو بيكاسو

العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً