تُعد صباح الجنيد، بالتعاون مع مدير المختبر البحثي للاستشعار عن بعد بجامعة نورث كارولينا ويلمنغتون إيمان غنيم، و (غدير كاظم، محمد عبيدو، وسام الدين محمد، خليل الوداعي، سعيد منصور، نادر عبدالحميد، عبدالنبي هلال، وأحمد خاتم)، خرائط للموائل البيئية البحرية لمملكة البحرين بتمويل من جامعة الخليج العربي، بالتعاون مع المجلس الأعلى للبيئة، وجوالة المالكية المتخصصين في المسح البحري في المياه الإقليمية البحرينية، وبمشاركة أساتذة أكاديميين وفنيين من جامعة الخليج العربي ومن خارجها.
وتواصل الجنيد في إجراء تحاليل بيانات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، كباحث زائر ضمن منحة فولبرايت في مختبر الاستشعار عن بعد بجامعة نورث كارولينا - ويلمنغتون بالولايات المتحدة الأميركية.
وتشكل البيئة البحرية 91 في المئة من إجمالي مساحة مملكة البحرين، التي تتجاوز 9500 كيلومتر مربع، ولا تتعدى مساحة اليابسة منها 800 كيلومتر مربع، تدخل من ضمنها مساحات الجزر المرجانية المتصخرة أو ما يسمى بالفشوت محلياً. وتضم هذه البيئات أهم الموارد الاستراتيجية لمملكة البحرين، والتي من أهمها الثروة السمكية وموائلها الطبيعة من أعشاب بحرية وطحالب، والمياه البحرية المستخدمة لمحطات التحلية والمخزون الاستراتيجي للرمال البحرية المستخدمة في عمليات ردم الشواطئ والبناء. وتعاني هذه البيئات من تدهور متواصل في مكوناتها وتراجع مستمر في مساحات موائلها المتنوعة، وذلك لزيادة الضغوط الطبيعية والبشرية عليها.
وتستخدم خرائط الموائل البيئية البحرية لتوفير فهم أفضل لامتداد وتوزيع هذه الموائل، سواء في مناطق محمية معينة، أو عبر المساحة الكلية للمياه الإقليمية لأية دولة. ومن خلالها يمكن تحديد توزيع ومساحات الموائل البحرية وامتداداتها؛ ما يساعد في وضع أسس ومناهج لتعين الاحتياجات المطلوبة للمحافظة عليها وتسهيل عمليات إدارتها من خلال حصر تأثير الأنشطة البشرية المؤدية إلى تدهورها. وغالباً ما تقوم الدول بوضع منهجيات واضحة ومحددة لمسح ودراسة الموائل الطبيعية البحرية والبرية منها وبشكل دوري سنوي أو نصف سنوي بما يخدم قضايا التنمية والاستدامة، ومواجهة تحديات تدهور هذه الموائل وفقدانها.
وعن هذه الموائل البحرية هنالك دراستان فقط خلال الثلاثين سنة الماضية، الأولى كانت في سنة 1988، ونفذها Vousden، لمتطلبات مسح المياه البحرية في منطقة روبمي، والثانية في 2005، وقام بها مركز الجيوماتك Geomatic التابع لمركز البحرين للدراسات والبحوث سابقاً. مع وجود بعض الأبحاث المتفرقة للموائل البحرية أو الرمال. ومازالت المناطق والبيئات الساحلية والبحرية في مملكة البحرين تفتقر إلى الدراسات الميدانية، وذلك من خلال برنامج وطني يهدف إلى حماية هذه البيئات ومواردها الطبيعية ونظمها الإيكولوجية من التلوث والتدهور نتيجة للضغوط المختلفة، وكذلك للمحافظة على استدامتها للأجيال القادمة.
وهناك طرق ووسائل متعددة لرسم خرائط البيئات البحرية وموائلها الطبيعية، ولقد تطورت هذه الأساليب بتطور التقنيات المصاحبة لها في السنوات الماضية؛ ما سمح بإعداد التقيمات المطلوبة بسهولة وبشكل سريع. ومن أهم التقنيات: سبر الصدى ثنائي الحزمة، وسونار المسح الجانبي، وأنظمة التمييز الأرضي - الصوتية. وتقنيات الاستشعار عن بعد، جنباً إلى جنب مع تقنيات التحقق الأرضي وجمع البيانات والمشاهدات، وإعداد أفلام الفيديو التي تساعد على إعداد خرائط مفصلة للموائل.
وأصبحت تقنيات رسم الخرائط لتحديد وقياس مساحات الموائل أداة مهمة للإدارة الفعالة للموارد البحرية، وخصوصاً مع توفر العديد من بيانات تقنيات الاستشعار عن بعد على مستوى مكاني وزماني لسطح الكرة الأرضية، وما توفره بعض أنظمة رصد الموارد البيئية مثل برنامج Landsat الأميركي والتي أصبحت بياناتها متوافرة للدراسات المختلفة عالمياً؛ ما يُقلل التكاليف المرتبطة بعمليات المسح البحري ويُزيد من دقتها.
الدراسة الحالية ركزت على استخدام طريقتين أساسيتين، استخدام بيانات الاستشعار عن بعد، وبيانات المسح الحقلي. في الفترة الأولى من الدراسة تم التركيز على عمليات المسح الحقلي لموائل البيئة البحرية المحيطة بجزر مملكة البحرين من نقاط مختارة موزعة على 175 موقعاً تحيط بجميع الجزر. واستخدمت منهجية الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية NOAA في العمل، وهي منهجية المسح السريع، التي تقوم على تقسيم منطقة الدراسة إلى شبكة منتظمة، يتم من خلال مساحاتها المحددة جمع البيانات بشكل منتظم. ولقد شارك أربعة غواصين متخصصين SCUBA Divers في جمع العينات الوصفية والتوثيق بالصور والفيديوهات والذي استغرق 30 يوم مسح، خلال 9 أشهر، ما بين أكتوبر/ تشربن الأول 2014 وأغسطس/ آب 2015. وشملت المتغيرات التي تم جمعها في هذا المسح الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمياه، والموائل، والبيئات القاعية ووصفاً لتواجد الحيوانات والنباتات فيها.
أما في المرحلة الثانية فتم استخدام بيانات القمر الصناعي اللاندسات-8، والتي تم تطوير إمكانياته الرصدية من خلال زيادة النطاقات الطيفية التي يتم استخدامها لرصد سطح الأرض وما حولها بما يخدم الدراسات المختلفة إلى 11 نطاقاً. وأجريت معالجة المرئيات الفضائية لفترة الدراسة في مختبر الاستشعار عن بعد بقسم الجغرافيا والجيولوجيا، في جامعة نورث كارولينا- ويلمنغتون بالولايات المتحدة الأميركية.
وركزت تحاليل المعطيات الفضائية على إعداد خرائط للموائل الطبيعية بعد أن تمت معالجة تأثير السطوع الشمسي على الأسطح المائية، وتصحيح عمود الماء في هذه المرئيات، بسبب تأثيرهما على دقة البيانات وتصنيف البيئات الطبيعة القاعية. أُجريت الدراسة على مساحة تقدر بنحو 8200 كيلومتر مربع من المياه البحرية. وأظهرت الخريطة المعدة تصنيفاً للموائل البيئية البحرية القاعية، تتكون من المياه العميقة، والتي حُددت في هذه الدراسة بما يزيد على 15 متراً، وتبلغ مساحاتها 2418 كيلومتراً مربعاً، ومساحات موائل الطحالب وتبلغ 949 كيلومتراً مربعاً، وتغطي الرمال غير العميقة مساحات تقدر بنحو 12285 كيلومتراً مربعاً، أما الرمال التي تتواجد تحت أعماق تزيد على 14 متراً فتبلغ مساحاتها ما يزيد على 1206 كيلومتراً مربعاً، وتغطي الأراضي الصخرية ما مساحته 1522 كيلومتراً مربعاً، وتنتشر الأعشاب البحرية في فترة الدراسة على مساحة بلغت 628 كيلومتراً مربعاً، وتفترش مواقع الجزر المرجانية المتصخرة، أو ما يسمى بالفشوت محلياً مساحة تبلغ 276 كيلومتراً مربعاً.
إن أنواع وتوزيع ونوعية الموائل القاعية البحرية غير ثابت، وهو متغير في الزمان والمكان؛ ما يستدعي معه وجود نهج متكامل لمسح هذه البيئات بشكل دوري ومستمر، وإعداد خرائط شاملة لجميع موارد الموائل القاعية. حيث يعوق النقص في المعلومات إدارة هذه النظم بمنهجية مستدامة في المملكة. وتعتبر الإدارة فعالة لهذه البيئات عندما نستطيع تحديد مناطق ومساحات وأنواع هذه الموائل وإنتاجيتها، وحساسيتها لجميع العوامل الطبيعية والكيميائية الحالية والتي قد تطرأ على هذه البيئات في المستقبل القريب، وذلك من خلال وجود قواعد بيانات مسحية دورية متكررة ومخزنة عند الجهات المسئولة ومتخذي القرار.
وتعاني هذه البيئات من تغيرات في درجات الحرارة وزيادة في تراكيز غازات الدفيئة في مياه البحار؛ ما قد يؤدي إلى زيادة حموضتها، وتدهورها بشكل متسارع خلال الفترات القادمة. وتتطلب الإدارة السلمية والمستدامة لهذه الموائل البحرية المتدهورة في مملكة البحرين وضع تدابير حماية استباقية، وإعداد خطة استراتيجية يتم تحديثها وفق ما تقتضيه القوانين المحلية، والبروتوكولات الإقليمية والعالمية لحماية هذه الموارد وصونها للأجيال القادمة.