(كلمة لها بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015) إنَّ القناعة بأنَّ الفلسفة قادرة على الإسهام إسهاماً أساسياً في تحقيق الرفاه الإنساني، والتصدي للمسائل المعقدة ودفع السلام قُدماً يقع في صميم اليوم العالمي للفلسفة.
وقال المؤرخ هنري بروكس أدامز ذات مرة مازحاً: «الفلسفة أجوبةٌ غير مفهومة لمشكلاتٍ لا حل لها».
وخلافاً لذلك، تشدد اليونسكو على الفلسفة بوصفها قوةً للتحرر الفردي والجماعي. ولأنَّ التفكير، حين نفكر في ماهية التفكير، هو فلسفة يمارسها كل منّا بثبات ويقودها المحرك الأصدق في التعبير عن كل إبداع الإنسان، ألا وهو التساؤل.
والفلسفة هي حوار قوامه التساؤل، على مر العصور، مع الفن والأدب في المناقشات الاجتماعية والقضايا السياسية، يمارسه الجميع بلا إعدادٍ تخصصي، بعيداً عن أجواء الصفوف الدراسية.
وهذه هي رسالة اليونسكو اليوم: علينا رفع راية الفلسفة إلى أعلى الدرجات الممكنة لضمان مشاركة كل امرأة ورجلٍ، وبخاصة كل فتاةٍ وفتىً. وإننا نحتاج إلى نشر مبدأ التساؤل الذي تقوم عليه الفلسفة على نطاق أوسع وعلى نحو مختلف.
وهذا هو هدف الكرسي الجامعي الجديد لليونسكو بشأن الفلسفة مع الأطفال، في جامعة نانت بفرنسا، الذي نتجَ عن التعاون الطويل الأمد بين اليونسكو وشبكات مدرسي الفلسفة.
وإننا نعمل على إيصال الفلسفة، أقدم العلوم، إلى جمهورٍ أوسع نطاقاً بفضل أحدث التكنولوجيات، وذلك مثلاً من خلال أدوات التعليم عبر الإنترنت المستندة إلى كتاب اليونسكو الصادر العام 2015 بعنوان «دليل الفلسفة: منظور بلدان الجنوب».
وإنَّ جميع الأنشطة المكرسة في هذا العام للاحتفال باليوم العالمي للفلسفة ستشدد، ولأول مرة، على استخدام تكنولوجيات الاتصال الجديدة لكي تتاح المشاركة فيها لأعداد كبيرة من الجمهور على الصعيد العالمي.
وقد اتفق قادة العالم في سبتمبر/ أيلول على خطة التنمية المستدامة للعام 2030. وتمثل هذه الخطة رؤية جديدة تشمل الشعوب والازدهار والسلام لكوكب الأرض خلال السنوات الخمس عشرة القادمة.
ولتثمر هذه الخطة، لابد من توافر جميع المهارات التي يمكن أن تصقلها الفلسفة، بما فيها الدقة والإبداع والتفكير الناقد. وتستلزم الاستدامة أساليبَ جديدة للتفكير في أنفسنا وفي كوكب الأرض. كما تتطلب أساليبَ جديدة للعمل والإنتاج والسلوك. وفي هذا السياق أيضاً، ستكون الفلسفة وجميع العلوم الإنسانيةً أمراً أساسياً.
وقامت اليونسكو، منذ إنشائها قبل سبعين عاماً، في عالم يعاد بناؤه بعد حرب أحلت به الدمار، انطلاقاً من رؤيةٍ جديدة للسلام، واستناداً إلى التضامن الفكري والأخلاقي بين الشعوب. ولطالما كانت الفلسفة في صميم مهام اليونسكو، وهذا ما أدى إلى فتح آفاق أمام النساء والرجال لاكتشاف أنفسهم واكتشاف الآخرين وفهم التغيير وتطويعه بحيث يوجَّه نحو تحقيق مستقبل أفضل للجميع.
وقال المهاتما غاندي ذات مرة: «ستتطاير كل فلسفتنا كالهباء ما لم تحوَّل على الفور إلى أفعال لخدمة الحياة». هذه كانت دائماً رسالة اليونسكو ولم تكن بهذه الأهمية في أي وقت مضى.
إقرأ أيضا لـ "إيرينا بوكوفا"العدد 4821 - الأربعاء 18 نوفمبر 2015م الموافق 05 صفر 1437هـ