كغيري من بنات وأبناء جيلي، يقلقني الحديث عن التطور الحثيث للقراءة الإلكترونية في مقابل القراءة التقليدية أو القراءة من الورق سواء للصحف اليومية أو الكتب، لأنني اعتدت القراءة من الكتاب الورقي ولا تكتمل متعة القراءة إلا برائحة الورق والإمساك بالكتاب أو حتى الصحيفة، والتي تتشكل بها طقوس معينة تختلف من شخص لآخر. ذلك رغم المزايا الكثيرة التي يوفرها هذا الانتقال في وسيلة القراءة من توفير الورق وحفظ البيئة، وسهولة وسرعة الوصول إلى الصحف والكتب وكذلك تداولها، والأهم في هذا الانتقال هو انخفاض الكلفة أو أحياناً عدم وجودها، خصوصاً في ظل سهولة أعمال القرصنة والتلاعب حول قوانين حقوق الملكية. ويضاف إلى أسباب التخوف وجود الكتب المسموعة التي صارت بدورها تتنافس على تفضيل «القرّاء» الذين سيتحول، أيضاً، تعريفهم تدريجياً إلى طالبي المعرفة مع تحولهم إلى خيار المسموع.
دار هذا في رأسي وأنا أتجول في معرض الشارقة الدولي للكتاب في نسخته الـ34، نهاية الأسبوع الماضي وأنا اتطلع في وجوه المتجولين، مع صعوبة الحكم من زيارة واحدة في اليوم الأخير، بحثاً عن مؤشر لأعمار الزائرين لإثبات أن الجيل الجديد يتحول تدريجياً إلى الوسائل الإلكترونية والمسموعة لكونها أكثر عملية وتناسباً مع أساليب التعليم والبحث الحديثة المعتمدة على الوسائل الإلكترونية أكثر من الورقية التقليدية.
«معرض الشارقة» السنوي، الذي صنع له مكاناً في قائمة المعارض الدولية للكتاب كان رائعاً بكل مقاييس التنظيم وسهولة الحركة وتوافر المرشدين، وضم 1547 دار نشر عربية وأجنبية من 64 دولة، عرضت نحو 1,5 مليون عنوان من الكتب مختلفة التخصصات، كما أن برنامجه ضم نحو 900 فعالية، كما أن حاكم الشارقة قدم للمعرض دعماً بقيمة 4 ملايين درهم (1,1 مليون دولار أميركي) في بادرة يهدف من ورائها إلى «دعم دور النشر والعارضين المشاركين والاستثمار في التنمية البشرية»، لكنه شأنه شأن معظم معارض الكتاب في العالم التي تشهد تراجعاً في المبيعات وعدد الزوار برغم نمو عدد المشاركين من العارضين بنسبة 23 في المئة عن العام الماضي، فتراجعت مبيعاته بنحو 30 في المئة من 47,1 مليون دولار أميركي في 2014 إلى 35,7 مليون دولار أميركي. كما تراجع عدد الزوار بنسبة 16 في المئة، من 1,47 مليون زائر في 2014 إلى 1,22 مليون زائر هذا العام.
وهذا التراجع ليس استثناء في صناعة معارض الكتب، فمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب وهو أكبر وأقدم المعارض الدولية للكتاب تأسس قبل خمسة قرون ويقام على مساحة قدرها 171,8 ألف متر مربع ويشارك فيه أكثر من 7000 من دور النشر من مختلف أنحاء العالم، يشهد بدوره تراجعا سنوياً في عدد زواره بنحو 2 في المئة.
التطور التكنولوجي لا يمكن مقاومته خصوصا ًإذا توفّر معه عنصران أساسيان وهما تيسير وتسريع الإنجاز، وخفض التكاليف أو إلغاؤها، فلا يمكن للجانب العاطفي أن ينتصر في مقابل هذين العنصرين المهمين خصوصاً إذا ما كان الأمر متعلقاً بجيل جديد فتح عينه على التكنولوجيا الحديثة وليس للعلاقة الحميمة بالكتاب الورقي أي معنى لديه.
ومع المنافسة المتسارعة لغير صالح «المطبوع» فإن ندوة أقيمت خلال «معرض الشارقة» الأخير تطرقت لتراجع مفاجئ للكتاب الرقمي، ولم تتمكن من تقديم تفسير لما سمّي بـ «انتكاسة» الكتاب الرقمي في أعقاب الزيادة الكبيرة في مبيعاته في الفترة ما بين عامي 2008 و2010 حتى تنبأ المختصون بانتهاء مرحلة الكتاب الورقي في 2015. إلا أن هذه المبيعات شهدت انخفاضاً بأكثر من 60 في المئة لتتراجع من 20 مليون كتاب في 2011 إلى 12 مليون كتاب في 2012، كما شهد العام التالي انخفاضاً إضافياً بنسبة 32 في المئة في مبيعات الكتاب الرقمي، وعاد الكتاب الورقي للارتفاع. (صحيفة الإمارات اليوم 8/11/2015) .
وتزامن ذلك مع فتور الحماس لأجهزة القراءة الإلكترونية. فبعدما بلغت مبيعات أجهزة «كيندل» من شركة «أمازون» ذروتها في العام 2011 ببيع 13.44 مليون جهاز، تراجعت في العام التالي إلى 9.7 ملايين جهاز. البعض يعزي ذلك إلى أن التكنولوجيا ساعدت الناشرين وتجار التجزئة على إيجاد أساليب مبتكرة للنشر والتفاعل مع القراء، والوصول إلى جماهير جديدة.
وبرغم الحرب القائمة بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي، فإن ذلك لايزال أمرا ًمختلفاً عن الهدف الأساس من القراءة وهو المعرفة والتنمية، فالوسيلتان تحققان الغرض نفسه وإن زعمت الندوة السابقة أن «القراءة من الكتاب الورقي تساعد على الصبر لأنها تكشف تدريجياً مكونات مادة القراءة مما يفقد جيل القراءة الإلكترونية ميزة صبر الباحثين»، إلا أن قدرة تأقلم الإنسان على الأنماط المختلفة للسلوك والممارسات بما يمكنّه من تحقيق أهدافة تتعارض مع ذلك الطرح، ونرى ذلك واضحاً في تحول أغلبنا من جيل الكتابة بالقلم على الورق إلى الكتابة على لوحة الحروف لأجهزة الحاسوب، مع بعض الصعوبة في البداية.
هنا في عالمنا العربي مازلنا بعيدين عن هذه الحرب بين «الرقمي» و»الورقي» فالقلق الأساس هو من انخفاض معدلات وقت القراءة وعدد الكتب المقروءة، وليس وسيلة قراءتها. وبحسب دراسة أجراها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، فإن الفرد العربي يقرأ بمعدل ربع صفحة في مقابل 11 كتاباً يقرأه الفرد الأميركي و7 كتب للفرد البريطاني، كما أن معدل القراءة للفرد العربي هو 6 دقائق في العام في مقابل 12 ألف دقيقة للفرد في الدول الغربية بحسب تقرير التنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي.
مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وفي إطار مشاريعها الثقافية والمعرفية، وعت للوضع المخيف، فطرحت في سبتمبر/ أيلول الماضي مشروع تحدي القراءة العربي الذي يهدف للتشجيع لقراءة 50 مليون كتاب عربي خلال عام دراسي واحد، وخصص جوائز قيمتها 3 ملايين دولار أميركي للفائزين من بين المتسابقين الذين تتراوح مراحلهم الدراسية من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر.
مع انتهاء المشروع سيكون مليون طفل ويافع قد تنافسوا بالتدرُّب على قراءة 10 كتب وتلخيصها في صفحة واحدة مع القدرة على تقديم التلخيص للجنة التحكيم ليكون الفائزون حقاً مؤهلين للفوز. المؤسسة نفسها دشنت في السابق عدداً من المشاريع التي تشجع على القراءة مثل «عائلتي تقرأ» و «كتاب في دقائق» إضافة إلى المشاريع المعرفية الأخرى التي تهدف إلى التنمية الإنسانية.
وبرغم الشريحة المهمة التي تغطيها مشاريع المؤسسة إلا أن تنمية 278 مليون عربي يشكلون 5 في المئة من سكان العالم يُبقي الكثير من المسئولية على الدول منفردة لتنهض ببرامجها التعليمية والتربوية لتتقدم الشعوب لتتجاوز فقر القراءة والمعرفة وتنضم للقلقين من التحول من «المطبوع» إلى «الورقي» كمرحلة تالية.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 4820 - الثلثاء 17 نوفمبر 2015م الموافق 04 صفر 1437هـ
مساء الخير
نحيي الكاتبة على المقال الجيد والمعلومات الشيقة.
التكنولوجيا أنتصرت بالضربة القاضية
و لم يعد الكتاب يغري الكثير لاسيما إذا كان المؤلف لا يقدم شيء جديد و قوي، و كذلك كثير من المواضيع تكررت و لم تعد تهم و تلامس الواقع، ربما القراءة تحل بعض الأمور التي تتعلق الشأن الاجتماعي أو الاقتصادي لكن المشكلة أن كثير من الناس لم تثنى له الوسادة حتى يبدع و يتطور، و لهذا القضية أكبر من كتاب ورقي أو كتاب ألكتروني لازم نطلع من هذه العقلية التي تحصر العلم في كتاب أو مجموعة كتب و أن هذا كتاب من ورق و هذا كتاب ألكتروني
الغول قادم ولا مفر من المحتوم مهما بذل الباذلون...
وللتدليل على ذلك التصوير الرقمي قضى تماما على الكاميرا الفلمية..وشركات عملاقة مثل كوداك واجفا وكونيكا وامثالهم كثيرون اعلنوا افلاسهم واغلقوا مصانعهم
الا من تغير وتحول الا التكنولوجيا الرقمية..هي مسالة وقت..
أمة أقرأ لا تقرأ
لو كنا أمة أقرأ فعلا لما وصلنا إلى ما آلت إليه أحوال الامة من الخراب والدمار وسفك الدماء ، ولو كنا أمة أقرأ لزال الغبش واللبس بين التفكير إلى التكفير