العدد 4820 - الثلثاء 17 نوفمبر 2015م الموافق 04 صفر 1437هـ

«الدوحة» تُخصِّص ملفاً لمؤلفة «أطفال الزنك» سفيتلانا ألكسييفيتش

فوزها بجائزة نوبل في الآداب العام 2015 مازال مثار جدل...

سفيتلانا ألكسييفيتش
سفيتلانا ألكسييفيتش

ستة كتب، خلال ثلاثين عاماً، هو تاريخ إنجاز الكاتبة البيلاروسية، الحائزة جائزة نوبل في الآدب العام 2015، سفيتلانا ألكسييفيتش (67 عاماً): «الحرب ليس لها وجه امرأة»، وصدرت في العام 1985 وهو كتابها الأول، رواية «أطفال الزنك»، وصدرت في العام 1889، كتاب «الاستجداء: تشرنوبل، حوليات العالم بعد القيامة»، ورواية «نهاية الرجل الأحمر»، و«مسحورون بالموت»، وكتاب «آخر الشهود»، وتوثِّق فيه الحرب العالمية الثانية، من خلال مئات المقابلات التي أجرتها في روسيا البيضاء، يحكي فيها النساء والرجال عن الفترة التي كانوا فيها أطفالاً إبان اندلاع الحرب.

وكما دأبت دائماً، خصصت مجلة «الدوحة» القطرية في عددها السابع والتسعين لشهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ملفين، الأول جمع كتابات بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004)، والثاني خصصته للبيلوروسية ألكسييفيتش، تضمَّن قراءات وشهادات، وبعض فصول من إصداراتها.

التناولات تباينت، ويجب أن تكون كذلك. لم يمرَّ فوزها بجائزة نوبل دون امتعاض، وتأكيد القناعة بازدواج المعايير، واللعب بها في كثير من الأحيان. اللازمة التي تتكرر دائماً: السياسة واتجاهاتها تكاد تكون أحد أعضاء لجنة التحكيم! المواقف السياسة التي توجه بوصلتها إلى الغرب، تكاد تكون عضواً في مجلس أمناء الجائزة أيضاً!

الملف الذي حمل عنوان «سفيتلانا ألكسييفيتش، تقلب معايير نوبل للآداب»، شاركت فيه أصوات نسائية، برزت كالآتي: موناليزا فريحة: «أصوات سفيتلانا ألكسييفيتش»، لنا عبدالرحمن: «سأشتري حرِّيتي بالجائزة»، صوفي بينيش: «نهاية الرجل الأحمر»، ترجمة محمد الجرطي، ومقاطع من كتاب «آخر الشهود»، وترجمها عن الألمانية سمير جريس، و «مونولوج عن وصف الطاقة الإشعاعية»، مقاطع من كتاب «أصوات من تشرنوبيل» ترجمتها أماني لازار.

أذهبُ من روح إلى روح

فريحة أشارت إلى ردود أفعال الأوساط الأدبية، بعد إعلان ذهاب الجائزة إلى ألكسييفيتش، ومن بينها، حال الصراع الذي لم يكن خافياً، مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو؛ علاوة على استمرارها في النقد اللاذع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشُفعت ردود الفعل تلك بشبيهاتها في الداخل الروسي، ومن ذلك ما كتبه رئيس تحرير صحيفة «زافترا» ألكسندر بروخانوف، المحسوب على دوائر القرار في روسيا، والذي قال عن الجائزة، وفي ذلك غمز من قناة ألكسييفيتش: «إن الجائزة تُمنح وفق أجندات سياسية، وليس بحسب المعايير والكتابات الأدبية الجادَّة والمعاصرة، وهي لا تُمنح - أيضاً - نظراً إلى القيم اللغوية والأخلاقية».

مقابل ذلك تستشهد فرنجية بما جاء في بيان الجائزة، وحيثيات فوز ألكسييفيتش بها، الذي رأى «أدبها متعدِّد الأصوات، ويمثل شاهداً على العذاب والشجاعة في عصرنا الحاضر». وقالت عنها الأمينة الدائمة للأكاديمية السويدية سارة دانيوس، إنها «ابتكرت نوعاً أدبياً جديداً، وتجاوزت القوالب الصحافية، ومضت في ترسيخ نوع أدبي ساعد آخرون في ابتداعه». آخرون رأوا في صيغة البيان «التقريرية» تهالكاً يتناسب مع تهالك إنجاز ألكسييفيتش، مقارنة بأسماء كبيرة في العالم، أحدثت إبداعاتها تأثيراً ليس على مستوى بلدانها، بل امتد ليشمل دولاً عديدة في العالم.

في «أصوات سفيتلانا ألكسييفيتش» تشير فرنجية إلى أن سفيتلانا، لا تكتب «روايات بالمعنى الكلاسيكي أو الحديث للرواية، بل هي تكتب أدباً يقع على تخوم الكتابة الوثائقية الروائية، مستعينة بفن الريبورتاج الصحافي؛ ما يجعلها تنطلق من قصص واقعية وحقيقية». توضح سفيتلانا ذلك بقولها: «أذهب نحو الإنسان كي ألتقي غموضه (وسره)، أذهب من روح إلى روح؛ لأن كل شيء يحدث هنا (في هذه الروح)».

سأشتري حريتي بالجائزة

14 امرأة حصلن على جائزة نوبل منذ تأسيسها، في معارف وعلوم عدة، من بينهن سفيتلانا؛ في وقت لم تصل فيه إلى الشيخوخة (67 عاماً) - على الأقل في حقل الآداب - مقارنة بمن سبقنها، كالكندية أليس مونرو (82 عاماً)، أو الانجليزية زوريس ليسينغ (81 عاماً). تلك بعض المداخل في ورقة لنا عبدالرحمن «سأشتري حريتي بالجائزة، في ملف «الدوحة»، والعنوان اقتباس من رد فعلها الأول بعد سماعها نبأ حصولها على الجائزة «سأشتري حريتي بقيمتها وأكتب كتبي، فكتابة كل كتاب، سابقاً، استغرقت من 10 إلى 15 سنة، والآن، لديَّ فكرتان جديدتان، أنا سعيدة بحرية العمل عليهما».

تستعرض عبدالرحمن في ورقتها جانباً من أعمال سفيتلانا، من بينها «الحرب ليس لها وجه امرأة»، والتي تتناول فيها الحرب العالمية الثانية «من منظور مجموعة من النساء» اللائي يتم تجاهل دورهن بعد انتهاء الحرب. تقول هي عن كتابها «كانت النساء يحدِّثنني عن الأشجار المحروقة والعصافير المقتولة بعد القصف، كما عن الضحايا من الناس».

في «أطفال الزنك» (1989)، ما يشبه نص الإدانة للممارسات التي قام بها الجيش الأحمر في أثناء احتلاله أفغانستان نهاية سبعينات القرن الماضي. وكان للتناول ذاك ضريبته؛ حيث «تعرَّضت للمحاكمة»، وفي الوقت نفسه، حقق كتابها حضوراً وانتشاراً في أوروبا.

قصة الكتاب الذي قُدِّر له أن يرى النور «بعد أن ذهبت لزيارة والدها في الريف، وهنالك شاهدت جندياً أصيب بالجنون، يصرخ، يهذي، يشتم». عمدت إلى جمع شهادات لأشخاص أحياء، ولم تكتفِ بذلك، بل تبعت ذلك بالسفر إلى أفغانستان، حيث مكثت ثلاثة أسابيع «وترى الجنود السوفيات القادمين من الريف، صبية صغار، بعضهم ينتمي إلى عائلات متعلِّمة، لكن الحرب حوَّلتهم - رغماً عنهم - إلى وحوش».

نهاية تاريخ اليوتوبيا

وفي «الاستجداء: تشرنوبيل، حوليات العالم بعد القيامة»، ترصد فيه الكارثة التي حلَّت بالمفاعل النووي؛ حيث شهد أكبر كارثة نووية عرفها العالم. «وقعت بتاريخ 26 أبريل/ نيسان 1986، في حدود الساعة 1:24 ليلاً. كان ما يقرب من 200 موظف يعملون في المفاعلات (3،2،1) بينما كان يتم إجراء تجارب السلامة في المفاعل الرابع فوقع انفجار كبير نجم عن انصهار لب المفاعل نتيجة ارتفاع درجة حرارته بشكل كبير جداً، نتجت عن أخطاء تقنية ارتكبها عمَّال المناوبة الليلة الذين كانوا شباباً لا يملكون خبرة كبيرة، ونتج عنه تعطل إحدى المحركات التوربينية، وفشل نظام التبريد الخاص بالمفاعل، وأدَّى الانفجار إلى توقف جميع أنظمة التحكم بالمفاعل.

أدَّى الحادث وما نجم عن الإشعاعات إلى وفاة نحو 2000 شخص؛ بحسب أرقام الاتحاد السوفياتي و 8000 آلاف؛ بحسب ما صرحت به أوكرانيا بعد انفصالها، وذلك في الأشهر والأعوام التي تلت الحادثة، إضافة إلى إصابة مئات الآلاف بالإشعاعات بدرجات متفاوتة؛ ما سبب لكثير منهم الأمراض؛ وخصوصاً السرطان والإعاقات والتشوُّهات، وبلغت الخسائر المادية أكثر من ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى تهجير أكثر من 200 ألف ساكن، وتحوُّل تشرنوبيل وبرايبت إلى مدينتي أشباح».

الكتاب تم منعه في روسيا البيضاء، ولم يخرج عن الأسلوب الوثائقي الذي عُرفت به سفيتلانا، باستلالها الشهادات بشكل مباشر من بعض الذين نجوا من الكارثة، أو كانوا شهوداً عليها. قالت عن الكتاب نفسه «بعد هذه الكارثة النووية، شعرت بأن الصرْح السوفياتي على وشك الانهيار، وأننا وصلنا إلى نهاية تاريخ هذه اليوتوبيا. مع تشرنوبيل أدركت أن الإنسان لا يحارب أخاه الإنسان فقط، وإنما يحارب كل شيء حي على الأرض، من نبات وحيوان، وأي كائنات أخرى».

ما بقي من الإنسان السوفييتي

وضمن استعراض لنا عبدالرحمن لفضاء رواية «نهاية الرجل الأحمر» التي أصدرتها سفيتلانا في العام 2013، تضعنا أمام ما بعد مرحلة سقوط الاتحاد السوفياتي، ولم تبرح مساحة الحنين التي تنتاب فقدان واقع بكل ما يمتلئ به من تفاصيل توجِد لأي كيان وزنه وقيمته واحترامه بين العالم. مثل ذلك الحنين لم ينزع إلى القوة بقد ما كان ينزع إلى «ما بقي من الإنسان بحسب تعبير عبدالرحمن. في هذا العمل «تحكي عن الشيوعي في جوهره وتحولاته، وعن التاريخ - أيضاً - من وجهة نظر تقليب التربة ورؤية ما فيها من جديد».

في انغماسها في التفاصيل بطبيعة الاتجاه الوثائقي الذي تميل إليه، تحوِّل من التفاصيل الصغيرة إلى تفاصيل بالكاد يمكن الإحاطة بها. بأسلوبها المباشر كتبت، وآمنت بأنه الطريقة المثلى لوصول أفكارها، ولم تتمترس وراء الغموض في انغلاقه على تبيان الحقيقة، وخصوصاً بطبيعة الموضوعات التي تتناولها. الغموض هنا يقتل الفكرة، ولا يمكنه أن يكون على انسجام مع طبيعة الأعمال التي تقوم وتتكئ على الوثائقيات، والشهادات.

لها رؤيتها في وصف أبطالها، تضعنا أمامها عبدالرحمن «منذ صغري، استرعى انتباهي أولئك الذين لم يلتفت إليهم التاريخ؛ الناس الذين يتلاشون في عتمة الزمن، تُمحى خطواتهم من دون أثر يدل على وجودهم، أو أنهم كانوا هنا، في وقت ما. لقد روى لي أبي، كما جدَّتي، العديد من هذه الأقاصيص، وهي أكثر رعباً من تلك التي سجَّلتها في كتابي. لقد شكَّل لي ذلك الأمر صدمة في طفولتي، وقد وسم ذلك ذاكرتي إلى الأبد».

بالعودة إلى المعايير، التي تم تناولها في ثنايا هذا الاستعراض، أو تلك التي برزت في بعض أوراق الملف، تظل محكومة بمنظومة الأداء السياسي عموماً؛ سواء ذلك الذي يصدر عن الأفراد، ضمن هذا الحقل، أو عن السياسيين؛ ما دام ذلك الأداء لا يخرج عن نطاق ما يُراد للعالم أن يكون عليه، وما يُراد للمواقف أن تسجِّله؛ سواء صبَّ ذلك الأداء في صالح طرف على حساب طرف آخر، أو اتُخذت مواقف لا تخرج عن دائرة وصفات تظل مُعدَّة، ويتم انتخاب ما يرشح عنها فيما بعد. الجوائز أداة ضمن مجموعة من الأدوات، وإن كانت منطلقاتها نبيلة، وتصبُّ في كثير من الأحيان ضمن خيارات موفقة وجديرة؛ إلا أن المعايير نفسها تظل هي محط اهتمام وانتباه واتهام في الوقت نفسه.

ضوء

يذكر أن سفيتلانا ألكسييفيتش ولدت في 31 مايو/ أيار 1948، في غرب أوكرانيا، في كنف عائلة مدرِّسين في الريف، وتخرَّجت في كلية الصحافة في جامعة مينسك، وراحت تسجِّل، على جهازها، روايات نساء حاربن خلال الحرب العالمية الثانية، واستوحت منها روايتها الأولى «الحرب ليس لها وجه امرأة»، ومنذ ذلك الحين، استخدمت ألكسييفيتش الطريقة نفسها في كتابة رواياتها شبه التوثيقية، فأجْرت مقابلات على مدى سنوات مع أشخاص عاشوا التجارب المريرة، وقد حقَّق لها كتاب «أطفال الزنك» حول حرب أفغانستان، الذي نشر العام 1990، شهرة كبيرة، وترجمت أعمالها إلى لغات عدَّة، ونشرت في العالم بأسره. وقد حُوِّل بعضها إلى مسرحيات عُرضت في فرنسا وألمانيا؛ حيث حازت العام 2013 جائزة السلام العريقة، في إطار معرض فرانكفورت للكتاب.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً