قال مستشار التعاون والعمل الثقافي بالسفارة الفرنسية في البحرين دومينيك فيليب تشاستر، إنه اكتشف إحساساً عالياً بالهوية في أفلام المخرجين البحرينيين الشباب، مشيراً إلى أن هؤلاء الشباب الذي يعيشون في بلد «تقع تحت تأثير قوي لهوليوود وبوليوود» فهموا معنى السينما وعبَّروا عن أنفسهم «كفنانين وليس كأصحاب أعمال».
جاء تصريح تشاستر خلال مقابلة أجرتها «الوسط» على هامش «أمسية سينمائية» نظَّمتها السفارة الفرنسية مساء الأربعاء الماضي (11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، بمقر إقامة السفير الفرنسي في منطقة الجفير.
تمَّت الأمسية بحضور السفير الفرنسي في البحرين بيرنار رينو - فابر، وعدد من الشخصيات الدبلوماسية ومن بينهم: السفير الأردني محمد سراج، والسفير الايطالي في البحرين ألبيرتو فيكي، وجمع من المهتمِّين بالحركة السينمائية الشابَّة في البحرين، بالإضافة إلى المخرج السينمائي خليفة شاهين، وعدد من الفنانين البحرينيين من بينهم، شفيقة يوسف وإبراهيم البنكي.
بداية رحَّب السفير الفرنسي بالحضور، وتحدَّث عن السينما البحرينية وعن جهود السفارة الفرنسية في احتضان المواهب البحرينية الشبابية، بعدها قدَّم مستشار التعاون والعمل الثقافي بالسفارة الفرنسية دومينيك فيليب تشاستر موجزاً لبرنامج العروض، وعرَّف بالمخرجين الشباب الثلاثة؛ إذ تم عرض ثلاثة أفلام بحرينية قصيرة قدَّمها مخرجون شباب هم: صالح ناس، يوسف سلمان، ومحمد المبارك. والعروض هي: «بيك آب» لناس و»خطوات» ليوسف وأخيرا «هزيمة» للمبارك.
في بداية لقائه مع «الوسط» تحدَّث تشاستر عن مستوى الأفلام البحرينية التي عُرضت وغيرها من أفلام شاهدها؛ إذ قال: «اكتشفت إحساساً عالياً بالهوية في الأفلام البحرينية، وبشكل شخصي، أقول، وأنا قريب جداً من هذا الفن فأنا أصلاً مخرج أخرجت آلاف الأفلام الوثائقية والقصيرة قبل أن انتقل إلى العمل الدبلوماسي، شعرت أن هناك أصالة في أفلام الشباب وهم يأتون من منطقة تقع تحت تأثير قوي لهوليوود وبوليوود إلى حد ما».
وأضاف «بالطبع هذه سينما لا جدال حولها، لكني مهتم أكثر بالفيلم الذي يبحث في عمق الأمور، وفي التعامل مع السينما كفن. بالنسبة لي أفلام هوليوود تفتقد دائماً الهدف من السينما، لكني أجد سينمائيين أصيلين هنا، يفهمون معنى السينما ويعبِّرون عن أنفسهم كفنانين وليس كأصحاب أعمال».
وكرَّر قائلاً: «أفلام هؤلاء الشباب تحمل هوية حقيقية وهي واضحة في أفلامهم. قد لا يدركون تماماً ما يفعلونه لكني أشعر أنهم يقدِّمون أعمالاً قوية».
أما اختيار الأفلام التي عُرضت فجاء بعد عملية بحث وتنقيب قام بها تشاستر الذي التقى منذ حضوره البحرين، وكان ذلك قبل عام من الآن، العديد من مخرجي السينما البحرينيين وشاهد أفلامهم، موضحاً بالقول: «شاهدت ما يزيد على 25 فيلماً بحرينياً، وقمت بعرض بعضها في المركز الثقافي الفرنسي من خلال برنامج (مقهى الأفلام)».
ويؤكد «بالطبع لا أعرف جميع المخرجين ولكني أعرف عدداً لا بأس به منهم، ويمكنني اختيار ما يصلح لهذه الأمسية من بين أفلامهم. اخترت أفلاماً مميزة، كل منها شكَّل مفاجأة للجمهور وفتح مناقشات جيدة».
أخيراً أشار تشاستر إلى أن الأفلام البحرينية «تقول الكثير، كأن تكون فناناً في الخليج وتواجه كل الصعوبات، وتقول أيضاً إن البحرين أفضل بلد في المنطقة لاحتضان الفن».
واختتم حديثه بتمنِّي أن «يبقى هؤلاء الفنانون في البحرين والمنطقة ولا يذهبوا إلى الغرب أو إلى أميركا» مؤكداً أن «البحرين قادرة على الحفاظ على فنانيها».
من جانب آخر، وفي ردِّه على استفسارات الحضور، تحدَّث صالح ناس عن شركته «إليمنتز للتصوير السينمائي» وعن فيلمه «بيك آب» الذي كتب قصته مع زوجته ليلى البياتي، مشيراً إلى أنه صوَّره بكاميرا واحدة بالتعاون مع المصوِّر التونسي شاكر بن يحمد.
أما سلمان يوسف فقال، إن قصة فيلمه «خطوات» جاءت من شخصية حقيقية لرجل أعمى من جزيرة النبيه صالح يُدعى الحاج حسن البحراني. يقول سلمان: «هذا الرجل فاقد للبصر، ولكني شاهدته في أحد الاحتفالات الشعبية يقوم بصنع السلال بمهارة عالية، حين استفسرت عنه، قيل لي ما أدهشني كثيراً ومن ثم أصبح موضوع فيلمي».
وأوضح «هذا الرجل يسير حافياً في طرقات قريته، يعرف الطريق جيداً لأنه يتحسَّسه بقدمه. إنه يتوه حين يرتدي نعله».
إحدى الحاضرات سألت يوسف عن مدى تشابه ثيمة نصه السينمائي في «خطوات» مع ثيمة نص فيلمه الثالث «سيحل النور»، الذي نُظِّم له عرض خاص في المركز الثقافي الفرنسي «الأليانس فرانسيز»، وإن كان من باب المصادفة أن يهتم فيلمه هذا بالظلام، فيما يركِّز فيلمه التالي على «الضوء»، فأجاب «الأمر مجرد مصادفة بحتة، ففيما كنت أعمل على مونتاج فيلمي الثاني (الحضرة) انقطع التيار الكهربائي فتوقف العمل وجاءت فكرة الفيلم الثالث (سيحل النور)».
وفي إجابة عن سؤال آخر بشأن سبب قيامه بإنهاء العلاقة بين الرجل العجوز وقدميه في نهاية الفيلم حين جعله يرتدي حذاء، فيما كانت القدمان بالنسبة له بمثابة العينين اللتين يستدل بهما على طرقات قريته، قال: «أردت أن أقول، إن الرجل لم يتمكَّن من التكيُّف مع التغيير من حوله، فنزل عند رغبة ابنته وارتدى حذاءه».
وبشأن الحرية المتاحة للمخرجين البحرينيين الشباب في تناول قضايا مجتمعهم، قال يوسف: «لدينا مطلق الحرية في الحديث عن أي قضية مجتمعية. بالنسبة لي فإن أعجبتني قصة ما ووجدت فيها ما يُلهمني ناقشتها في فيلم. وفي هذا الفيلم شدَّتني كثيراً قضية عدم القدرة على التكيُّف مع متغيِّرات الحياة».
يُشار إلى أن سلمان يوسف تم ترشيحه من قبل السفارة الفرنسية لحضور دورة تدريبية مخصصة لصنَّاع السينما، لمدة ستة أسابيع على مدى شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 2015 في العاصمة الفرنسية (باريس). وكان سلمان أول بحريني يحضر هذه الدورة المتقدِّمة التي أقامت هذا العام دورتها الثانية. وتنظم الدورة من قبل معهد لافميس (La Femis) الفرنسي للأفلام، وهو واحد من أعرق معاهد السينما في العالم. شارك في الدورة 7 مخرجين شباب من الخليج.
اما محمد المبارك الذي عرض فيلم «هزيمة» وهو ثاني فيلم يعرضه بعد «أثر الملح» الذي شارك في مسابقة أيام البحرين السينمائية، فقال إنه بدأ العمل في مجال الأفلام منذ كان التاسعة في عمره، وذلك بمعية شقيقة ميثم الذي يكبره بعامين».
وجاء فيلم المبارك نتاج ورشة حضرها في برشلونة تحت عنوان «التصوير في برشلونة» أدارها المخرج الإيراني الشهير عباس كياروستامي، أقيمت في شهر فبراير/ شباط 2015، وشارك فيها 50 مخرجاً من جميع أنحاء العالم. يقول المبارك: «كانت ثيمة الورشة (البحر)، وجاءتني فكرة الفيلم بعد يومين من التحديق في البحر».
استخدم المبارك البحر كمسرح لفيلمه التجريبي، والذي يتكوَّن من مشهد شاعري واحد نشاهد فيه رجلاً يخاطب البحر غاضباً أولاً، ثم يائساً، وأخيراً مستسلماً.
عن حالة بطله قال المبارك: «استقيت الفكرة من عبارة لغاندي (في البداية يتجاهلونك، ثم يضحكون عليك، ثم يحاربونك، وبعدها تنتصر)».
يُشار إلى أن المبارك حاصل على البكالوريوس في نظرية الأفلام من جامعة ديباو الأميركية.