أثبتت "المنظومات" المالية في الولايات المتحدة وأوروبا نجاحها في تحفيز الابتكار التقني الذي يعد ركيزة أساسية لتطوير أسواق ونظم المالية وتحسين تجربة العملاء بشكل عام.
وعلى الرغم من توافر العديد من عناصر التصميم اللازمة لتطوير منظومة تقنية مالية نابضة في دول مجلس التعاون الخليجي، لم يتم ضخ سوى استثمارات قليلة نسبيَا في هذا القطاع حتى الآن، وهو الأمر الذي ينبغي أن يتغير، وتمتلك الدول الخليجية القدرة على تغييره، وفقًا لدراسة أجرتها شركة الاستشارات الإدارية العالمية ستراتيجي& (بوز أند كومباني سابقًا).
تُقدر الدراسة أن الاستثمارات العالمية في قطاع التقنية المالية قد قفزت ثلاثة أضعاف بين عامي 2008 و 2014، لتصل إلى 3 مليارات دولار أميركي، ومن المتوقع أن تتضاعف مرة أخرى بحلول عام 2018 وقد تصل حتى إلى 8 مليار دولار.
سعيًا لإنشاء وتعزيز منظومة فعّالة للتقنية المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، يلزم أن يكون هناك تعاونًا مستمرًا بين ثلاث جهات فاعلة رئيسية وهي الحكومات والمؤسسات المالية وأصحاب الأعمال، مع فهم كل جهة منها بوضوح لدورها والفوائد التي ستجنيها من المشاركة.
وأفاد دانييل ديمرز، وهو شريك في ستراتيجي& في دبي، ”لا تزال منظومات التقنية المالية في دول مجلس التعاون الخليجي في حيز التنفيذ، ولذا فإن دور الحكومات أكثر أهمية مما هو عليه في الأسواق المتقدمة. حيث يتطلب على الحكومات الخليجية تطبيق وتعزيز سياسات وإيجاد بيئة تنظيمية لتسهيل تطوير منظومات التقنية المالية. وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى نجاح الاقتصاد في تحفيز أنشطة ريادة الأعمال، وتعزيز أنشطة الأعمال والمشاريع التقنية والمالية، والأهم من ذلك تحسين القدرة التنافسية العامة للدول“.
العناصر الرئيسية لتصميم منظومة تقنية مالية ناجحة
تحدد الدراسة أربعة عناصر رئيسية تدعم تطوير منظومة التقنية المالية:
أولاً، يعد توفير بيئة مواتية للأعمال ومتمكنة من الوصول للأسواق عنصر ضروري. وهذا يتطلب توفر الكفاءات البشرية وبنية تحتية عالية الجودة التي تشمل المنشآت والمعدات والتقنيات والمرافق والقدرة على تحمل تكاليفها. فضلاً عن ذلك، من الضروري وجود درجة عالية من التكامل والتعاون بين الجهات الفاعلة الرئيسية لتشغيل منظومة التقنية المالية على نحو سلس.
ثانيًا، مشاركة الحكومة وتقديم الدعم التنظيمي. حيث بمقدور الحكومات التأثير في كثير من جوانب المنظومة، بما يشمل تخفيف صرامة اللوائح التنظيمية وخفض الضرائب والرسوم المفروضة.
وعلق جيان سلامات، وهو مدير في ستراتيجي& في دبي، على هذا الجانب ”يعد دور الحكومة عنصر رئيسي في إنشاء منظومة التقنية المالية، حيث تقع على عاتقهم مسؤوليات كثيرة في هذه العملية.
ويلزم على الجهات الحكومية وضع السياسات وتعزيزها، وتوفير البنية التحتية (الخدمات) الأراضي اللازمة، ووضع المعايير والاستثمار في الخدمات لدعم المنظومة. ويعتمد مستوى مشاركة الحكومات في الأساس على مدى نضج المنظومة. على سبيل المثال، في بيئات تقنية مالية أقل نضجًا ، ينبغي أن تشارك الحكومة في المنظومة بدور رئيسي“.
ثالثًا، الحصول على رأس المال وهو عنصر مهم في تطوير منظومة التقنية المالية. وعادةً ما تُموّل المنظومات من خلال أربعة مصادر رئيسية وهي الحكومات والصناديق والشركات المؤسسية الاستثمارية والحاضنات والمُعجلات وذلك بهدف جمع الأموال.
وأخيرًا، الاستفادة من الخبراء الماليين في هيكلة ملكية المنظومة، وتوفير الخدمات الاستشارية لأصحاب الأعمال، وتقديم المشورة بشأن التدابير القانونية والتنظيمية. حيث يمكن لهؤلاء الخبراء دعم أصحاب الأعمال وشركات الخدمات المالية وتعزيز الجاذبية الشاملة للمنظومة.
إمكانيات التقنية المالية في دول مجلس التعاون الخليجي
في الوقت الراهن، لا تعد منظومات التقنية المالية راسخة جيدًا في دول مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال تواجه عقبات أمام تطويرها. ومع ذلك، وبالرغم من تلك التحديات، تتوافر عوامل النجاح الرئيسية لمنظومات التقنية المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، ويتوقف الأمر على جمع الموارد المناسبة وبناء بنية تحتية ثابتة تزدهر في ظلها المنظومة.
تسلط الدراسة الضوء على عوامل النجاح هذه مثل (1) قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على استقطاب الكفاءات الإقليمية والدولية بالنظر إلى طبيعتها العالمية ووجود المؤسسات الدولية، و (2) الوضع القوي للحكومات في التنمية الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي بما يساعدها على تسهيل إنشاء وتنظيم منظومات التقنية المالية في مرحلة مبكرة، و (3) توفر سبل للتمويل في مراحل مبكرة للشركات الناشئة في مجال التقنية المالية من خلال برامج التمويل الحكومي وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية ومؤسسات الخدمات المالية المحلية، و (4) توفر المشورة اللازمة، والعناية الواجبة، وحشد الخدمات لبدء تأسيس المنظومة لمختلف الجهات الحكومية والمؤسسات المالية المحلية والدولية
وأفاد عبد القادر لمع، وهو مدير أول في ستراتيجي& في أبوظبي، ”هناك توافق في الآراء على أن تعزيز هذه المنظومات يعود بالنفع على المنطقة بأسرها. وفي الواقع، هناك بالفعل بعض قصص النجاح في دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما في الإمارات العربية المتحدة، حيث تدعم الحاضنات ومراكز الابتكار إنشاء ونمو الشركات الرقمية المحلية. فعلى سبيل المثال، تهدف أكاديمية الإمارات إلى تحفيز المشاريع في البلاد عن طريق زيادة الوعي بريادة الأعمال. وتساهم الشركات الناشئة في مجال التقنية المالية والمساندة الحكومية وبرامج الدعم في إيجاد مجالات الابتكار في الإمارات العربية المتحدة“.
وتشير الدراسة إلى أن الحكومات والمؤسسات المالية بحاجة إلى اتخاذ خطوات منسقة بهدف تعزيز منظومة التقنية المالية. فعلى سبيل المثال، يتعين على الحكومات القيام بدور نشط في تقدير العائد المالي لإنشاء المنظومة ووضع استراتيجياتها وتطوير نموذجها التشغيلي واختيار المؤسسات المالية الشريكة وإنشاء منطقة لتطوير مراكز للابتكار. ولذا، ينبغي إشراك مؤسسات الخدمات المالية في إعداد دراسة جدوى للتقنية المالية، وفهم المخاطر والفرص المالية، وإعداد الهيكل المالي، وتحديد احتياجات العمل في المركز والتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى.
واختتم دانييل ديمرز الحديث ”تتخطى منظومات التقنية المالية مجرد موائمة الأفكار الواعدة في مجال المالية. فهي تسهم في استحداث أفكار مبتكرة من خلال التفاعل بين عناصر التصميم الأربع لمنظومة التقنية المالية ومشاركة الأطراف المعنية بما في ذلك وسائل الإعلام والجهات الابتكارية غير المصرفية والجامعات ومقدمي خدمات البرمجيات والبنية التحتية، وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية. وبمقدور الحكومات الخليجية، ولاسيما في الإمارات العربية المتحدة، الاستفادة من هذه التطورات لتشجيع إنشاء منظومة تقنية مالية على مستوى المنطقة بأسرها من خلال ربط عدد كبير من مختلف الأطراف المعنية لدعم الابتكار. وإذا استطاعت المنطقة الارتقاء إلى هذا المستوى، فقد تجني الكثير من المنافع على صعيد القطاع المالي والاقتصاد الإقليمي الأوسع“.