قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم الأحد (15 نوفمبر / تشرين الثاني 2015) إن الإصلاحات العمالية السعودية الأخيرة قد تساعد في الحدّ من الانتهاكات المتفشية، لكنها تستبعد العمالة المنزلية وتفرض طابعا مؤسسيا على التمييز ضد النساء.
منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2015، حين فُعلت حزمة من 38 تعديلا لنظام العمل، أصدرت وزارة العمل مراسيم بفرض و/أو زيادة الغرامات المنطبقة على أصحاب العمل الذين يخالفون القواعد القانونية. تشمل هذه القواعد حظر مُصادرة جوازات سفر العمال المهاجرين، وعدم دفع الرواتب في آجالها، وعدم تزويد العاملين بنسخ من عقودهم. لكن العمالة المنزلية – فئة تتكون أساسا من مُهاجرات يعملن في بيوت العائلات – ما زالت مُستبعدة من نظام العمل وآليات إنفاذه. تفرض بعض الأنظمة الجديدة طابعا مؤسسيا على التمييز ضد النساء.
وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويتسن،: "الإصلاحات العُمالية السعودية ستساعد في حماية العمال المهاجرين إذا نفّذتها الحكومة فعليا. لكن هذه الإصلاحات مازالت تستبعد عاملات المنازل، وهن أكثر من يحتاج للحماية من الانتهاكات".
نظام الكفالة السعودي التقييدي يربط إقامة العمال المهاجرين في البلاد بأصحاب العمل، ومن ثم يمنح لهؤلاء سلطة مفرطة على العمال وييسّر وقوع الانتهاكات. وثقت هيومن رايتس ووتش على مدار العقد الماضي انتهاكات كثيرة لأصحاب العمل بحق العمال المهاجرين، ومنها إجبارهم على العمل ضد إرادتهم، أو العمل في ظروف استغلالية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الغرامات الجديدة، والغرامات التي تم رفع حدها الأدنى، تُعاقِب على عدد من الممارسات المُسيئة، وتهيئ مساحة لزيادة تدابير حماية العمال، لا سيما الوافدين منهم.
تشمل تعديلات نظام العمل – التي اعتمدها مجلس الوزراء في مارس/آذار – بنودا بزيادة مدة الإجازات مدفوعة الأجر، والتعويض على إصابات العمل، وتُطالب أصحاب العمل بإتاحة يوم عطلة أسبوعيا مدفوع الأجر للعاملين، يلتمسون فيه فرص عمل أخرى في حال فُسخ عقدهم.
كما منحت التعديلات لوزارة العمل سلطات تفتيش وإنفاذ أكبر. يمكن للوزارة إصدار قرار بفرض غرامة سقفها 100 ألف ريال سعودي (26665 دولارا أمريكيا)، وهي زيادة بواقع 70 ألف ريال سعودي (18667 دولارا أمريكيا) عن سقف الغرامات المذكور في نظام العمل لعام 2007. نشرت الوزارة في 12 أكتوبر/تشرين الأول جدولا بمخالفات نظام العمل والعقوبات الخاصة بكل منها. رغم أن العديد من هذه الممارسات كانت محظورة قبل تعديل النظام، إلا أن العقوبات الجديدة من شأنها تعزيز إنفاذ النظام، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
لكن تعزيز تدابير الحماية استبعد من نطاقه كل من عاملات المنازل والعمال المهاجرين لآجال قصيرة، الذين يدخلون المملكة لشهرين أو أقل.
تشمل العقوبات الجديدة والمُغلّظة غرامات بواقع 2000 ريال (533 دولارا) جرّاء الاحتفاظ بجوازات سفر العاملين، وغرامة 3000 ريال (800 دولار) جراء عدم سداد الرواتب في آجالها، وغرامة 5000 ريال (1333 دولارا) جراء حجب رواتب العاملين دون أمر قضائي.
يمكن لوزارة العمل أيضا أن تفرض غرامات بواقع 5000 ريال إذا لم يمد أصحاب العمل العمال بنسخ من عقودهم، وغرامة 15 ألف ريال (4000 دولارا) إذا أجبروا عمالهم على أداء أعمال لم تُذكر في عقودهم. تزيد الأنظمة الجديدة من العقوبة على أصحاب العمل الذين يخالفون معايير الصحة والسلامة، إلى 25 ألف ريال (6666 دولارا)، بعد أن كانت 10 آلاف ريال (2667 دولارا) بموجب نظام العمل لعام 2007، وغرامة 20 ألف ريال (5333 دولارا) على من يوظفون أطفالا تحت 15 عاما.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات السعودية أن تنفّذ العقوبات الجديدة بكل جدّية إذا كانت تريد أن تساعد هذه التعديلات العمال المهاجرين. على السلطات السعودية التحقيق مع المخالفين، ومحاكمتهم ومعاقبتهم، عندما ترقى المخالفات لمصاف العمل القسري. مصادرة جوازات السفر وحجب الرواتب يُعتبران من مؤشرات العمل القسري.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هناك بعض البوادر على جدّية السعودية في التنفيذ، مع وجود بعض بواعث القلق. أفادت صحيفة "آراب نيوز" أنه حتى أكتوبر/تشرين الأول 2015 أغلقت وزارة العمل 1441 شركة خلال العام الماضي جراء عدم التزامها ببرنامج حماية الأجور، الذي يراقب سداد الرواتب للعاملين، وأغلقت النظام الحاسوبي الخاص بـ 89 شركة جراء عدم الرد على شكاوى العاملين، وسحبت تراخيص وكالة استقدام عاملين و7 مكاتب توظيف جراء عدم الالتزام بالأنظمة، بما في ذلك عدم الالتزام برسوم التوظيف التي نُشرت في وقت سابق.
لكن في نفس توقيت إعلان الوزارة عن زيادتها لغرامات أصحاب العمل الذين لا يسددون الرواتب في آجالها، تناقل الإعلام أن الحكومة السعودية أرجأت سداد مستحقات متعاقدين معها لمدة 6 أشهر أو أكثر، وأنها تحاول خفض أسعار العقود الحكومية.
رفع الدعاوى ضد أصحاب العمل أمر صعب للغاية على العمال، لا سيما المهاجرين منهم. في سبتمبر/أيلول 2014 أطلقت وزارة العمل موقعا يعرّف العمال بحقوقهم. "مُساند" هو موقع آخر يركز خصيصا على العمل المنزلي، تم إطلاقه في 2014. يحتوى الموقعان على بعض المعلومات عن كيفية تقديم شكوى، لكن هيومن رايتس ووتش وثقت عقبات أخرى، منها حظر السعي لعمل آخر أثناء متابعة الشكاوى ضد أصحاب العمل.
لا تتصدى الإصلاحات أيضا لجميع الجوانب التي تؤدي لانتهاكات في نظام الكفيل. تستمر السعودية في تطبيق قاعدة تأشيرة الخروج التي تمنع العمال الأجانب من مغادرة البلاد دون إذن أصحاب العمل. العمال المهاجرون الذين يغيرون عملهم دون موافقة صاحب العمل يقعون في خطر التواجد غير القانوني في البلاد. تزامنت مع إنفاذ نظام العمل بشكل أقوى في عام 2013 حملة رسمية موسّعة لاحتجاز وطرد مئات الآلاف من العمال والمهاجرين المتواجدين بصفة غير رسمية في المملكة، وبينهم من كانوا دون إقامة سارية المفعول أو تصاريح عمل، ومهاجرون قُبض عليهم وهم يعملون لأصحاب عمل غير كفيلهم القانوني.
منذ 2011، دشّن المسؤولون السعوديون – على خلفية القلق من ارتفاع معدلات بطالة المواطنين السعوديين – إصلاحات تطالب أصحاب العمل باستخدام نسبة معينة من المواطنين السعوديين. بموجب تلك التعديلات، عندما لا تفي مؤسسة ما بالنسبة المطلوبة، يمكن لسلطات العمل السماح للموظفين الأجانب بالانتقال لشركات أخرى دون موافقة صاحب العمل. بينما تمنح هذه السياسة لبعض العمال فرصا أكبر باختيار أصحاب عمل جُدد، على السعودية السماح لجميع العمال – ومنهم عاملات المنازل – بتغيير أصحاب العمل دون موافقة صاحب العمل الأول ودون فقدان وضعهم القانوني.
من اولا
خلهم يكتبوا دستور لشعبهم ثم يكتبوا حقوق الآخرين