صادف الشهر الماضي (في 13 أكتوبر/ تشرين الأول) الذكرى الحادية والستين لتأسيس «هيئة الاتحاد الوطني»، وبالنسبة للكثيرين فإنّ تلك الفترة توصَف بأنها «فترة ذهبية». ومن المفارقة أن أحد الإنجليز، اسمه «رودريك أوين»، من الذين عاشوا في البحرين (وفي أبوظبي) في تلك الفترة قد دَوَّنَ مذكراته وسجّل فيها مشاهدات فريدة من نوعها عن المنامة والمحرق، وأطلق على كتابه الذي صدر في 1957 عنوان The Golden Bubble ، أي «الفقاعة الذهبية».
أوين عَشق البحرين، وسكن في المحرق، وكان يتحدث العربية، واعتبر نفسه محرقيّاً، لأنّ الأهالي اعتبروه واحداً منهم، وهو أيضاً اعتبر نفسه واحداً منهم، وسجّل مشاهداته عن الحياة اليومية آنذاك، وعن المظاهرات وعن الحوارات وعن معالم البحرين في تلك الفترة (وكيف كانت متقدمة عن غيرها من دول الخليج الأخرى). كما وسجّل نقاشات جرت بينه وبين الزعيم الوطني الراحل عبدالعزيز الشملان، إضافة إلى ما سمعه من المستشار البريطاني تشارلز بليغريف، وآخرين، وتحدث بلغة الشخص الذي وقع في حُبِّ البحرين، وانتهى إلى وصف الطفرات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تشهدها البحرين ودول الخليج بأنها «فقاعة» من «ذهب»، والمقصود بالذهب هنا «النفط» الذي وفّر مدخولاً كبيراً أحدث تلك الطفرات.
وفي حواره مع الشملان بعد واقعة رشْق وزير الخارجية البريطاني آنذاك سلوين لويد (أثناء خروجه من المطار باتجاه المنامة)، ذكر أن الشملان كان هادئاً في التفكير، وسأله عن المفارقة بين حديثه داخل المجالس الخاصة وحديثه في وسط الجماهير، وأن الشملان قال له إن وضعه كقائد عربي بين الجماهير يفرض عليه استخدام نوعٍ خاصٍّ من الخطاب الحماسيّ. وتساءل أوين فيما إذا كانت الحالة تلك تعني أن الجماهير تقود القائد أم العكس، وهذا التساؤل مشروعٌ ولازال من دون إجابة منذ انتشار المَدّ الشعبي في مطلع الخمسينات في القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر، مع بعض الفوارق.
أحد تلك الفوارق هو أن النخبة في الخمسينات من القرن العشرين اندفعت لقيادة الجماهير بعد انتصار ثورة الضباط الأحرار في مصر وبعد انتشار المَدّ القوميّ العربي في نهاية 1952، وأن تلك النخبة البحرينية واجهت تحدِّياً كبيراً عندما حدثت مناوشات طائفية في نهاية 1953 في مواكب العزاء بالمنامة وفي عدّة مناطق أخرى، وعملتْ تلك النخبة على مدى عام كامل لاحتوائها ونجحَتْ في ذلك. وبعد تلك الأحداث، انطلقتْ نخبة الخمسينات على أساس وطني جامع، وطرحَتْ مطالب إصلاحية مشروعة، وقادت الشارعين السني والشيعي كشارع واحد، له آمال واحدة ومصير مجتمعي واحد. أمّا حالياً، فإنّ الكثيرين انساقوا نحو التمزيق الطائفي، على حساب الفكرة الوطنية التي كانت تعيش فترتها الذهبية في خمسينات القرن الماضي، وهذا أدّى إلى وضعنا الحالي الذي لا يحسدنا عليه أحد.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 4816 - الجمعة 13 نوفمبر 2015م الموافق 30 محرم 1437هـ
محرقي ومن دواعيس المحرق
عزيزي الدكتور ، لا تذكرنا بالمحرق الأبيه ذلك الوقت ، أما الآن ليست المحرق التي كانت شامخه ، ليس 360 درجه فرق وبل 3600 درجه فرق ! رحمة الله على المحرق.
ذلك هو الحل
انهم يعلمون ان سلاح الطائفية وتمزيق المجتمع هو الحل الامثل لوأد تطلعات الشعوب وبقائهم منذ الخمسينات وحتى يومنا