على أرض مساحتها 9 أمتار مربعة انتصب كشك الثقافة العربية منذ سبعينات القرن الماضي حتى اليوم، أسسه صاحبه حسن أبوعلي الذي عمل بائعاً للصحف منذ أن انتقل إلى عمّان في العام 1948م قادماً من فلسطين، حتى حصل على الكشك من نقابة الصحافيين في ذروة الحماس القومي العربي.
أبوعلي فارس الثقافة، وسيد المكتبة كما يصفه بعض الأردنيين، في مكتبته الصغيرة حجماً، العظيمة مكانةً تجد كل ما تبحث عنه، وحين يتعذر عليك الحصول على كتابك المنشود، فإنه يحضره لك «من تحت الأرض»، ولا يهدأ له بال إلا حين يجده لك.
صارت مكتبته معلماً مهمّاً في وسط البلد بعمَان؛ حتى زاره كبار الأدباء والشعراء والمثقفين أمثال سميح القاسم، مارسيل خليفة، وجورج حبش، وعبدالوهاب البياتي، وأحمد فؤاد نجم، وعبدالرحمن منيف وغيرهم من الشخصيات البارزة، كما لم يخلُ مكانه من الوزراء ورؤساء الوزراء وبعض الشخصيات السياسية التي من أهمها الملك عبدالله الذي قلده وسام الميدالية الفضية ووسام الاستقلال من الدرجة الثالثة في العام 2002 تقديراً لجهوده في خدمة الثقافة.
التقيته في عمَان، رجلاً متواضعاً مثقفاً عربياً من الطراز الأول، يتمنى لو أن الأراضي المحتلة تعود إلى أهلها بسواعد وأقلام المثقفين والكتاب لا بجيوش الحكومات العربية، ويثق تماماً بأن هذا سيحصل، حتى تتساءل بينك وبين نفسك: من أين له كل هذه الثقة وهذا الأمل الذي يفتقده كثيرون؟
سألني بأسىً ونحن نتبادل أطراف الحديث: ماذا فعلتم في ظل الهجمة الشرسة على الفلسطينيين اليوم في انتفاضتهم الثالثة؟ وماذا فعلتم للعراق الذي يتمزق، ولسورية التي تكاد تذوي ومصر وبقية الدول العربية؟ فأصبت بالخرس وأنا أجد شخصاً بعمره وثقافته مازال يعول على الأقلام العربية والأصوات الشعرية وأن الكلمة خير من ألف رصاصة وكل حرف يكتب ضد ما يحدث في الوطن العربي هو بمثابة جهاد.
وما لفت انتباهي هو أنه يرى أن عدد القراء زاد في هذا الوقت برغم الحصار الثقافي على العقول، ورغبة المحتل الإسرائيلي والأميركي في أن يتحول العربي من قارئ إلى مستهلك لثقافتهم التي تريد تدجينه وتهويده كما يقول، وبرغم ارتفاع أسعار الكتب حتى بات اقتناؤها شيئاً من الترف، ثم يقطع كلامه ليقول: اليوم حين تريد أن تنأى بنفسك عن السياسة لا تستطيع؛ إذ مجرد بيع الكتاب هو عملية سياسية اليوم.
أن تكون في حضرة أبوعلي فهذا يعني أنك في حضرة التاريخ، والوطن، والسياسة والازدهار القومي حتى مع وجود كل هذا الانكسار العربي في ظل ظروف لم تعد مخفية على أحد.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4814 - الأربعاء 11 نوفمبر 2015م الموافق 28 محرم 1437هـ