العدد 4812 - الإثنين 09 نوفمبر 2015م الموافق 26 محرم 1437هـ

أدب المذكرات السياسية

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

حملت لنا السنوات الأخيرة ظاهرة ثقافية جديدة تتمثل في تزايد إقبال الشخصيات العامة ممن كان لها انتماء سياسي سابق على نشر مذكراتها، وربما كان لرواج الرواية كجنس أدبي يتصدر المشهد الثقافي عالمياً دور في هذا التقليد الجديد واللافت، وربما كان ذلك يعبر عن تزايد الإحساس لدى جيل الستينات والسبعينات باضمحلال الايديولوجيات السياسية التي شكلت تاريخاً، ورسمت أحلاماً ولعبت في مصائر شعوب العالم في القرن العشرين وهي حقائق بعدت عنا ويخشى شهودها على اندثارها تحت كثيب النسيان.

هناك شعور عميق عند رفاق الأمس بأن لديهم من الخبرة ما يستحق إتاحته للجيل الشاب، وربما فيه من الدروس والعبر ما يستحق التدوين، وهناك من يكتب ليؤكد محقاً بأن مسيرة الحركة الوطنية طويلة، وتضحياتها جسيمة، وأن فاتورة النضال ليست زهيدة في أعمار الشعوب.

غير أن الجيل الجديد يواجه معضلة في التواصل مع خبرات الجيل الماضي، فـ «عصر الحاسوب قد عزز من عدم الشعور بالأمان» كما يقول هنري كسنجر، قيصر الدبلوماسية الأميركية، وذلك - كما يقول - عندما حلّت الصورة البصرية محل الكلمة المكتوبة كأداة أساسية لفهم العالم، فقد تحولت عملية التفهم من صيغة ايجابية إلى صيغة سلبية، من عمل مُشارك إلى معلومات مستوعبة مهضومة، الإنسان يتعلم من الكتب عن طريق المفاهيم التي تربط بشكل ظاهر الأحداث المتفرقة مع بعضها، وتتطلب جهداً تحليلياً وتدريبياً، وعلى النقيض من ذلك فإن الصورة تعلم بصورة سلبية، بل إنها تثير انطباعات لا تتطلب فعلاً من جانب المشاهد، وتؤكد على حالة اللحظة الراهنة ولا تترك إلا حيزاً ضئيلاً للاستنتاج والتأمل. المفاهيم دائمة أما الانطباعات فهي متغيرة وعرضية. لهذا تأتي المذكرات السياسية كعمل توثيقي يرمي إلى صياغة المفاهيم وتحفيز المخيلة وتشكيل الوعي. ولعل من أولى المحاولات المبكرة في كتابة المذكرات السياسية في البحرين كانت على يد سكرتير هيئة الاتحاد الوطني وأبرز قادتها في خمسينات القرن الماضي عبدالرحمن الباكر (ت 1971) في عمله الذي سيغدو أهم مصدر من مصادر تاريخ الحركة الوطنية في الفترة المذكورة: (من البحرين إلى المنفى) التي صدرت طبعته الأولى في بيروت 1965 بعد أن اتخذها منطلقاً لنشاطه الوطني.

وفي هذا الإطار دوّن عبدالعزيز الشملان (ت 1988) أيضاً (يوميات المنفى) في سانت هيلانه التي امتدت من 1956 - 1961 وأصدرها الكاتب الأنيق خالد البسام العام 2006، وعمل الشملان لا يرقى بطبيعة الحال إلى مستوى جهد الباكر الذي جاء أكثر شمولاً لأنه صيغ كيوميات.

وكذلك فعل الناشط السياسي عبدالنبي العكري في كتابه: (ذاكرة الوطن والمنفى، 2014)، وكان العكري قد أصدر دراسته المهمة: (التنظيمات اليسارية في الجزيرة والخليج العربي، 2003) التي تضمنت شيئاً من خبراته الميدانية في العمل التنظيمي والسياسي، ولكن يبقى العمل الأول يمثل «أدب مذكرات» والثاني «دراسة سياسية موضوعية».

وما يلاحظ هنا أن هناك تحفظاً لدى نشطاء التيار الإسلامي إلى اليوم في كتابة مذكراتهم السياسية، ينعكس هذا التأني الحذر بوضوح في العدد المحدود ممن كتب في هذا الفن الأدبي، أسماء قليلة تبرز هنا مثل: منصور الجمري في مقالات نشرها قبل سنوات في صحيفة «الوسط»، وعبدالوهاب حسين في كتاب له صدر في جزءين (ذاكرة شعب، 2009)، والكتاب كما في غلافه: «مجموعة من الأسئلة والأجوبة التي تمثل جزءاً مهماً من ذاكرة الشعب البحريني» وآخرين أدلوا بأحاديث قصيرة عابرة في الصحف أو مجالات محلية.

وتبقى حصة مثقفي القوميين واليسار بتنويعاته المختلفة هي الأكبر دون شك، فقد كتب الأديب تقي محمد البحارنة (أحاديث وسير) مزيجاً من الذكريات الأدبية والإنسانية والسياسية، كما كتب الكاتب الصحافي حسن مدن (ترميم الذاكرة، 2008).

كذلك، وثّق علي ربيعة - كباحث وناشط سياسي وشاهد عيان - التجربة النيابية في السبعينات في كتابه (التجربة الموءودة: الحياة الديمقراطية في البحرين، 2010) الذي سرد فيه المرحلة النضالية السرية ونضال الطبقة العاملة في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وكان ربيعة قد كتب قبل هذا العمل كتابه (لجنة العريضة الشعبية في مسار النضار الوطني في البحرين، 2005) الذي روى فيه أحداث التسعينات كشاهد ومراقب يقظ ومشارك في صنع الأحداث.

في هذا السياق أيضاً، يأتي كتاب عبدالكريم العليوات «البحرين... مذكراتي من الهيئة إلى الاستقلال»، وهو نجل عضو الهيئة التنفيذية العليا، والتي تحولت لاحقاً إلى هيئة الاتحاد الوطني، عبدعلي العليوات.

كما ساهم محمد السيد (ت 2012) أيضاً بدور في توثيق هذه الحقبة المثقلة بالأحداث والتحولات الوطنية فدوّن (يوميات انتفاضة مارس 1965) في كتاب صدر بنفس العنوان، كما فعلت فوزية مطر في كتابها عن حياة زوجها: (أحمد الشملان سيرة مناضل وتاريخ وطن، 2010)، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، سيرة الشملان النضالية، ودوره في الحراك السياسي، والمطالبة بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، ومن أحدث ما صدر أيضاً كتاب «أغنية معتقل»، وهو مذكرات لرئيس اللجنة المركزية بجمعية «وعد» أحمد مكي، والذي كتبه بأسلوب أدبي الشاعر أحمد العجمي.

ومن أحدث ما صدر في هذا الاتجاه كتاب إبراهيم كمال الدين (ذاكرة وطن)، وعبدالله آل سيف الذي صدر له حديثاً (سيرة مواطن وانتفاضة وطن، 2015).

يتحدث البعض عن حقائق السنوات العصيبة من عمر العمل الوطني، ولكن هل قيل كل شيء؟ ربما لا؛ فثمة أناس كثر يعتقدون بأن هذه الحقائق لم يحن بعد أوان الكشف عنها.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4812 - الإثنين 09 نوفمبر 2015م الموافق 26 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:40 ص

      تحية لك

      تحية لك استاذ يوسف.. نعم كلامك صحيح تماما.. الموضوع واسع ويحتاج دراسة مفصلة.. فهناك مذكرات تتخذ من الوظيفة في الحياة العامة محور لها كما فعل القصيبي في حياة في الادارة ومحمد حسن كمال الدين في مذكرات وزير على حافة الفشل تارة ومن الادب تارة اخرى كما فعل القصيبي في شقة الحرية.. وهناك أدب الاخوانيات الذي برع فيه تقي محمد البحارنة.. الموضوع شائك فقط تحتاج من يتوسع في دراسته

    • زائر 1 | 12:51 ص

      تنويه

      ادب المذكرات استاذ وسام واسع فمنها ما يختلط بالادب مثل رواية شقة الحرية للمرحوم غازي القصيبي فهي سيرة ذاتية واجتماعية وتاريخية في نفس الوقت . وهناك سيرة قاسم حداد ومدينته المحرق المسماة ورشة الامل وغيرها كثير . فقط للتذكير ولايمنع ذلك من التوسع في الموضوع في مقالات قادمة . مع تحياتي استاذ وسام . يوسف مكي

اقرأ ايضاً