أكد إداريون بعدد من المآتم في مملكة البحرين، أن «التعطيل الذي يطال تسجيل واستثمار الأوقاف التابعة لها، يتسبب في نزيف مالي مستمر»، قدرته بملايين الدنانير طوال العقود الفائتة.
وكشف رئيس لجنة الوقف في أحد المآتم بالمحافظة الشمالية، رفض التصريح باسمه، عن ضم وزارة الإسكان، 8 أراضي تابعة للمأتم، لمشروع الرملي الإسكاني، تتجاوز مساحتها 100 ألف متر مربع، ولا تقل قيمتها المالية عن مليون دينار، مرجعاً ذلك لـ «مشكلة عدم تسجيل الأراضي الوقفية، لينتهي ذلك ببعضها إلى التحول لأملاك عامة».
في السياق ذاته، وصف مسئول قسم الحريات الدينية في مرصد البحرين لحقوق الإنسان الشيخ ميثم السلمان في تصريح لـ «الوسط»، الحديث عن ملف الأوقاف بـ «المؤلم»، مؤكداً منافسته لتقرير أملاك الدولة الشهير، في إشارة لما تحدث عنه التقرير النيابي من «ضياع 65 كيلومتراً من أراضي الدولة، قدرت قيمتها بـ 15 مليار دينار».
بدورها، سعت «الوسط»، للحصول على تعقيب من قبل إدارة الأوقاف الجعفرية، بوصفها الجهة المعنية بهذه الاتهامات، دون الخروج بنتيجة.
واكتفت «الأوقاف الجعفرية»، التي تعذر عليها الرد بسبب ما أسمته «غموض الخبر، وغياب هوية المتحدثين»، بتصريح سابق يعود لمنتصف يونيو/ حزيران 2015، قال فيه رئيس إدارة الأوقاف الجعفرية الشيخ محسن العصفور «في إطار حرص الإدارة على تطوير الإجراءات وتقديم الخدمات الداعمة لتشجيع الوقف الخيري في مملكة البحرين فإنها تدعو كافة الراغبين بتسجيل وتوثيق الأصول الوقفية الاستثمارية (الوقفيات الجديدة) إلى مراجعة قسم الشئون القانونية والتسجيل في مبنى الإدارة لمتابعة سير الإجراءات لتسجيل هذه الأراضي بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بما يتماشى مع مشاريع تطوير الأوقاف وإعمارها وتمكينها من أداء رسالتها تحقيقاً لمقاصد الوقف السامية في الشريعة الغراء».
كما أوضح العصفور أنّ الإدارة خصصت فريقاً متكاملاً لمتابعة إجراءات تسجيل الأراضي بالتنسيق مع الواقفين، مشيراً إلى أنّ هذه المشاريع الوقفية سيعود ريعها على دور العبادة (المساجد والمآتم) ومختلف أوجه الخير والبر والإحسان، ومؤكداً حرص الإدارة على تسجيل الوقفيات، بالتنسيق مع جميع الأطراف ذات العلاقة وخصوصاً وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف والمحكمة الشرعية الجعفرية وجهاز المساحة والتسجيل العقاري.
تصريح «الأوقاف الجعفرية»، لم يخلُ من تعقيب لإدارات المآتم، التي ردت على كل ذلك بالإشارة إلى أن الإشكالية تكمن في «التعقيدات التي تحول دون إتمام عملية التسجيل».
وتواترت، تصريحات صادرة عن إدارات عدد من المآتم بالمحافظة الشمالية، لتشكو ما أسمته «تعطيلاً متعمداً، لتسجيل وتوثيق الأراضي الوقفية، مصحوباً بإجراءات تقتلها البيروقراطية».
البداية كانت مع الإداري المسئول عن لجنة الوقف بأحد المآتم، والذي رفض التصريح باسمه، وقال «بالنسبة لنا، فإن المأتم يملك 12 أرضاً وقفية، 5 منها غير مسجل بعد، ما يعني خسارة مالية تطال نحو 40 في المئة من إمكانيات أوقاف المأتم، وهي بحسب تقديراتنا تتجاوز الـ 4 آلاف دينار سنوياً»، مؤكداً أن حال هذه الأوقاف مستمر منذ أكثر من عقد من الزمان.
وأضاف «السبب في ذلك، يعود بشكل محدد لغياب النظام الخاص بآلية التسجيل، وهذا الأمر ممتد منذ فترة ما بعد سجل سيدعدنان الموسوي قبل 9 عقود تقريباً»، مبيناً أن عملية التسجيل التي تمت بشكل محدود، تمت عن طريق العلاقات الشخصية، قبل أن يستدرك ليقول «الموضوعية تقتضي علينا الإشارة هنا إلى النقلة والتحسينات التي شهدها عمل إدارة الأوقاف الجعفرية في بعض الفترات، إلا أن عدم الاستقرار الإداري، كان سبباً لتوقف تلك الجهود، والعودة مجدداً لنقطة الصفر».
وأشار إلى أن التعقيدات، تطال إلى جانب ذلك، عملية التأجير، حتى يضطر من تنتهي عقودهم أو من يرغبون في إنشاء عقود جديدة، للانتظار لمدد تصل إلى عام كامل.
وفي الوقت الذي يتساءل فيه هذا الإداري عن أسباب عدم قيام إدارة الأوقاف الجعفرية بتسوير الأراضي الوقفية، كخطوة أولى تضمن حمايتها، يضيف لذلك تأكيدات مفادها عدم تحرك الإدارة قضائياً، لاسترجاع أراضيها، تاركةً بذلك المساحة كاملةً للمآتم.
وبحسب المعلومات، فإن قضايا من هذا النوع وصلت لأروقة القضاء، أبرزها تلك التي مضى عليها 7 سنوات تقريباً، وارتبطت بمأتم الشويخ بقرية باربار.
من جانبه، أدلى العضو البلدي السابق جاسم المهدي، بدلوه، منطلقاً من خبرته السابقة مع إدارات أحد المآتم بكرزكان، وقال «في الحديث عن معاناة المآتم مع تسجيل الأوقاف، تبرز الظلامة الكبيرة التي لحقت بمأتم كرزكان الكبير، والذي كان بحوزته 500 قطعة أرض، تم تأجير بعضها بثمن بخس، لكن الكارثة تركزت في عدم توثيق 70 في المئة من تلك الأراضي، والأمر مستمر حتى يومنا هذا».
وأضاف «بعض الأراضي تم مصادرتها، والبعض الأخر تم التعويض عنه، والإشكالات الكبرى ارتبطت بتأجير بعض الأراضي لشخصيات لم تدفع المقابل طوال 10 سنوات، ومن دون إقامة أي مشروع».
تناغماً مع ما ذكره المهدي، تحدث رئيس مجلس إدارة مأتم كرزكان الكبير علي أيوب لـ «الوسط»، مبيناً ظلامة المأتم، ومؤكداً وجود ما يثبت ذلك من مستندات، قبل أن يستدرك ليقول «علينا أن نعترف أن المسئولية إزاء ذلك، لا تتحملها الأوقاف الجعفرية بشكل كامل، فإدارات المآتم في وقت سابق تتحمل جزءاً من ذلك، نظراً لعدم التواصل ومتابعة الموضوع مع الإدارة».
وعدد أيوب شواهد على ما تحدث عنه من ظلامة، من بين ذلك قوله إن «أحد الأشخاص استحوذ على 11 قطعة من مأتم كرزكان للرجال، دون دفع الإيجار الخاص بها، والمسألة التي مضى عليها سنوات، يطغى عليها اللامبالاة، إلى جانب أرض كبيرة استأجرها أحد الأشخاص بـ 9 آلاف دينار سنوياً، وإلى اليوم لم نتسلم شيء من ذلك بسبب عدم التوثيق، والحبل متروك على الغارب».
وبشأن حديث «الأوقاف الجعفرية» عن فتحها الباب لتسجيل الأوقاف، قال «صدر أكثر من إعلان من قبل إدارة الأوقاف الجعفرية بتسجيل الأوقاف، وقد تم تسجيل بعضها، إلا أن التعقيدات لاتزال تحول دون إنجاز المهمة بشكل كامل»، وتابع «أترأس مجلس إدارة المأتم لدورتين (4 سنوات)، وما أراه اليوم، هو تغير كبير للأسوأ».
وفي إطار حديثهم عن التعقيدات، شكا إداريوا المآتم من صعوبة الإجراءات المطبقة حالياً في إدارة الأوقاف الجعفرية، والمرتبطة بإنجاز المعاملات، حيث «اشتراط المواعيد المسبقة، والرقابة المشددة عند كل بوابة ومدخل».
من جانبه، أكد إداري آخر، في مأتم ثالث، بعد أن رفض التصريح باسمه، معاناة مأتمه من مشكلة تعطيل استثمار الأوقاف، موضحاً أن المأتم يملك 9 أراضٍ وقفية غير مستثمرة، بسبب ما وصفه بـ «الإجراءات المعقدة لإدارة الأوقاف الجعفرية».
وأضاف «أحد العوائق التي تواجه إدارة الأوقاف تتمثل في قلة موظفيها، في قبال مسئوليات ومهام لا نبالغ إن قلنا أنها تتفوق على مهام أكبر وزارة في البحرين».
ملف الأوقاف الذي لا تغيب عنه حالتي الشد والجذب، دفع الجانب العلمائي لإقامة ملتقى العمل الوقفي في أبريل/ نيسان 2014، وسط مطالبات أهلية تنادي بمخرج للملف الشائك، مقترحةً في هذا الشأن إشراك علماء الدين والجانب الأهلي في إدارة الأوقاف الجعفرية.
ويرى الشيخ ميثم السلمان، أن فرض الوصاية الرسمية على الأوقاف الجعفرية من أكبر معوقات العمل الوقفي، مبيناً أن ذلك يأتي تجاوزاً لإرادة واختيار مئات الهيئات الوقفية التي ينبغي لإدارة الأوقاف الجعفرية الإشراف على أصولها الوقفية وتنميتها وصونها من الضرر والخسائر، مختتماً حديثه بالقول إن «إدارة الأوقاف الجعفرية، لم تحظى بالاستقلالية الإدارية والتنظيمية والمالية التامة منذ تأسيسها عام 1928 ما أدى إلى تجاوزات شرعية وحقوقية جسيمة».
العدد 4812 - الإثنين 09 نوفمبر 2015م الموافق 26 محرم 1437هـ
المقشع
ماتم المقشع في 2002 الى لان