في المطارات، وأنت تغادر وطنك، تغلبك الدموع وهي تشير إليك بضرورة الوداع.
تقلب عينيك فيمن حولك، فتجدهم يشبهونك؛ أمٌ تودّع ابنها وهي تحبس دمعها، أبٌ يرتّب أيامه القادمة بعيداً عن فلذة كبده، زوجةٌ تحصي ساعات الفراق، وزوجٌ يؤجل راحته لحين اللقاء، أبناءٌ هزمهم الوقت وهو يلوح بحاجتهم لحضن أمٍ وأبٍ لم يغادروه بعد.
يتضح لك الوطن عصياً على النسيان، عصياً على الابتعاد والهجران.
في المطارات وأنت في رحلاتك، تقلب الوجوه فتجد في كل وجهٍ وجه أمك وأبيك وأختك وأخيك وصديقك وقريبك وحبيبك، حاضرين في كل خطوة وأنت تغادر بلدك أو تعود إليه.
في المطارات تضع قلبك جانباً، وترتدي ملامح الغريب؛ كي لا يفتك بك الحنين لوطن هو في العميق من الحضور بكل وجدانك.
في المطار تعرف أن وطنك كما عرفته دائماً؛ لا مثيل له، لا شريك له، لا ثاني له، وأنت تمر بمختلف الجنسيات ومختلف الثقافات ومختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية والدينية، ممن ينتظرون التحليق إلى بلادهم أو بلادك. تبحث في الأكف عن جواز سفرٍ تعرفه جيداً يحيلك إلى جنسية حامله، فيطمئن قلبك لسببٍ تجهله بمجرد أن تقرأ اسم بلادك على غلافه.
توقن جيداً أنك لن تعرف قيمة وطنك إلا حين تجرّب غيره، ولو في سفرٍ عابرٍ لا يزيد على نصف يوم، ولن تعرف شعبك إلا حين تخالط شعباً غيره، لتبتسم في صمتك: كم أنا محظوظ بأني أنتمي لهذا الحضن، هذا الوطن.
الوجوه العابرة في المطارات ليست سوى أطياف غادرت أوطانها بحثاً عن علمٍ أو عملٍ أو راحةٍ أو أداءً لمهمةٍ أوكلت إليها كما أنت. تراهم أطيافاً، لأنك تبحث عن وجوه حفظتَ ملامحها عن ظهر حب، فصار من السهل عليك تمييزها ولو كانت بين آلاف الوجوه.
في المطار وأنت وحيد، تتضح لك نفسك. تبدو عاريةً أمامك؛ لأنك هنا مرآة روحك، وبوصلة مشاعرك من غير رتوش. تعود لفطرتك وأنت تبحث عمن يسليك أو يخفف من شدة غربتك، حتى وإن كان كتاباً حين تكون من عشاق القراءة.
في المطارات، وأنت في طريق عودتك لبلادك، قلبك هو سيدك، يأخذك إلى حيث يريد، إلى حيث وطنك وأنت جالسٌ على كرسيٍّ هو أشبه بالجمر، حين يتعلق الأمر بالانتظار، وأشبه بالجحيم حين يتعلق بالحنين، وأشبه بالجنة حين تتذكر أن بينك وبين تراب وطنك ساعات وإن طالت.
تذهب للموظف من وراء مكتبه وتأخذك الصورة لموظفي بلادك الذين لا تغادرهم الابتسامة وهم يرحبون بك أو يودعونك، فيما تبحث عن ابتسامة عابرة على شفاه من هو أمامك فلا تجدها إلا نادراً.
في المطار وأنت عائد إلى بلادك، لا تحملك الأرض بل سعادتك لأنك أخيراً هنا!
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4811 - الأحد 08 نوفمبر 2015م الموافق 25 محرم 1437هـ
حزن وفرح
في صالة المغادرة تحزن لانك تودع بلادك التي لم تمنحها الكثير ولم تمنحك هي ايضا القليل ...
في صالة الوصول تفرح لانك عدت الي بلادك لتمنحها القليل بينما لا تنوي هي ان تعطيك الكثير
متغرب
تعود بي الذكريات الى سنين مضت .. بعد فراق طويل عن أرض الوطن .. وفي طريق العوده الذي يستغرق ساعات طويله .. أشتاق لذلك الشعور الذي يلامسني بعد هبوط الطائره والانتهاء من الاجراءات .. نظره أمي وحنينها .. أبتسامه أختي .. دموع زوجتي .. كبرياء ومعزه الوالد .. وفرحه أخواني .. هُم وطن وما أصعب فراق الوطن ..
شكرا على هذا المقال الرائع
احم احم
كل هالغزل في البحرين ؟
مقال بوزن قطعة أدبية رفيعة المستوى !!!
مقال أدبي رفيع ،، كلام يلمس شغاف القلوب ،، لن يدركه أو يحس فيه إلا المسافر والرحال من محطة إلى محطة أخرى !!
علي الجناحي
....
اولا..الحمدلله على السلامة يا ايقونة الوسط
مقال يجيش بالعاطفة الوطنية الصادقة, وللاسف انا شخصيا افتقد هذا الشعور لاسباب عديدة, نعم, بمجرد ان اشرع في مغادرة الوطن يزغرد قلبي فرحا (إلا من فراق أهلي طبعا) لانني سأحلق بعيج عن وجوه لا ترى فيها الا الظلام والظلم, وعن وطن يحتضن بأمر ولاته الاجنبي ويبعد المواطن ويسحب هويته و يهين معتقده, وعندما يحين موعد العودة تصارعني نفسي ألا اعود للظلام الحالك والهموم الشخصية والمعيشية التي لا تنتهي!!! اقسم لو انني احصل على فرصة لغادرت هذا الوطن والى الابد!!