في أبريل/ نيسان الماضي، عندما كنت ومجموعة من الزملاء بانتظار انعقاد مؤتمر صحافي للشعبة البرلمانية البحرينية في الاتحاد البرلماني الدولي، بدا النائب الأول لرئيس مجلس النواب رئيس الشعبة البرلمانية علي العرادي وفي حديثٍ على هامش المؤتمر الصحافي، واثقاً من التقاط النواب لـ «خيط» التعامل مع قضايا الفساد الذي يعج بها تقرير الرقابة المالية والإدارية 11 الصادر آنذاك.
لكن خيط العرادي انقطع كما يبدو بعد أن خاض النواب آنذاك جلسة نيابية صاخبة لمناقشة تقرير الرقابة المالية والإدارية لم تخرج بنتائج واضحة، ولم يصعد إثرها مسئول واحد على منصة الاستجواب. وقد كتبت حينها إن النواب قد «استغرقوا في جلستهم 5 ساعات مشوشة كان بالإمكان اختصارها في 5 دقائق» شريطة وجود جدية وتوافقات نيابية بشأن قضايا الفساد.
ولأن شيئاً من ذلك لم يحدث؛ فإن النواب الذي كان من المقرر أن يجلدوا قضايا الفساد التي أوردها تقرير الرقابة، عرَّضهم التقرير للجلد أمام الناس والمتابعين بسبب ما وصف بـ «التراخي» في التعامل مع هدر الملايين من المال العام.
اليوم الكرة تعاود القفز إلى ملعب النواب مرة أخرى، بعد إصدار التقرير الثاني عشر للرقابة المالية والإدارية بحمولات الفساد ذاتها، وسط «ارتيابٍ من جدية النواب في التعامل معه»، بحسب ما عبر النائب السابق الأمين العام الحالي لجمعية المنبر الديمقراطي عبدالنبي سلمان، في مشهدٍ يضع النواب بين خيارين لا ثالث لهما أما جلد التقرير أو انتظار سياط التقرير تطبع على ظهورهم مرة أخرى. فماذا ننتظر؟
رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب عبدالرحمن بوعلي، قال إلى «الوسط»: إن اللجنة حولت التقرير الحالي إلى فريق لحصر القضايا المهمة فيه، على أن توافى اللجنة بملخص كامل عنه، ثم بعد الفراغ من دراسة التقرير من طرفنا سنرفع توصياتنا للمجلس حتى يأخذ القرارات المناسبة فيها».
وعن انتقادات المواطنين بشأن تعامل النواب مع تقرير الرقابة الفائت رقم 11، أرجع بوعلي السبب إلى «حداثة النواب في التجربة»، منوهاً «أنا لا ألوم المواطنين، لكن دور الانعقاد الأول كان لديك 30 نائباً جديداً. وهؤلاء منذ بداية التجربة توالت عليهم مشاريع كبيرة مثل الموازنة العامة وتقرير الرقابة المالية وبرنامج عمل الحكومة»، مشيراً إلى أنه «عملية الاستجواب أو تشكيل لجنة تحقيق ليس من السهولة بمكان أن تمارس منذ البداية».
وأوضح بوعلي «المرة الفائتة كانت توصياتنا هي إحالة جميع المخالفات إلى النيابة العامة»، مستدركاً «لكن هذه المرة سنحاول قدر الإمكان استخدام الأداوات الرقابية المختلفة، سواء أكان سؤالاً أو استجواباً أو لجنة تحقيق».
وعن جدية النواب في ذلك، أفاد «أعتقد أن دور الانعقاد الثاني أكثر جدية من سابقة، وأن القضايا لن تتحول بأكملها إلى النيابة العامة كما في دور الانعقاد الأول»، مؤكداً أن «الشارع بدأ يضغط، ولابد أن يكون للنواب دور أكبر ومهم في محاسبة المقصرين».
وعن أهمية تشكيل فرق للتوافق على قرارات داخل المجلس قبل الذهاب إلى جلسة المناقشة العامة بشأن التقرير، أيدَّ بوعلي ذلك. وذكر «إن دور الانعقاد الثاني بوجود الكتل الجديدة سيكون أكثر فاعلية. الكتل متوافقة وبدأت تتحدث مع بعضها ومع المستقلين، مرحجاً استخدام الأدوات الرقابية المتاحة في هذا الدور، وعدم التهاون فيها، وقال:» إذا تهاون النواب يجب على الشارع أن يمارس صلاحياته بالضغط عليهم».
لكن الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، النائب السابق عبدالنبي سلمان، رأى أن «مجلس النواب غير مكترث بقضايا المال العام، رغم وجود الأحد الأدنى من أدوات المساءلة».
وقال لـ «الوسط»: «إننا نحتاج لمجلس نواب تتوافر فيه إرادة حقيقية للمساءلة، وليس مجرد شعارات لا تقدم ولا تأخر. الأدوات الموجودة لدى المجلس في هذا الجانب تحديداً لو توافرت الإرادة لدى النواب لكان بالإمكان تفعيلها بحيث تصبح المساءلة أمر واقع».
وأضاف «في برلمان 2002 و2006 كانت هناك الأدوات نفسها، ولكن حاولنا قدر الإمكان خلق توافق بين الكتل النيابية الموجودة في المجلس، أما الآن فلا توجد كتل واضحة المعالم والأهداف والبرامج، كما لا توجد لدى بعض النواب أية مسئولية».
واعتبر سلمان أن المشكلة تكمن في أعضاء المجلس لا في الأدوات النيابية نفسها، وقال: «أعتقد أن المشكلة في أعضاء المجلس، لأن الحد الأدنى المطلوب للمساءلة موجود، لكن النواب غير جادين في تشكيل لجان تحقيق أو الضغط على ديوان الرقابة لرفع قضايا الفساد إلى النيابة العامة».
وأفاد «هناك مادة في تقرير الرقابة تسمح برفع القضايا أمام النيابة العامة، ونتساءل ديوان الرقابة ماذا فعل أمام هذه المخالفات».
وعن تعاطي نواب 2002 و2014 مع قضايا الفساد في تقارير ديوان الرقابة المالية، وجد سلمان أن «تعاطي برلمان 2002 كان أفضل»، موضحاً «بدون أي انحياز والكل يشهد على ذلك. الكل تابع برلمان 2002 والجهود التي نهض بها في قضايا الثروات والأراضي».
وعما إذا كان هذا الموقف المتشدد تجاه النواب، يأتي تناغماً مع موقف المعارضة بمقاطعة البرلمان، نفى سلمان ذلك، معتبراً «ألا ربط بين الموضوعين».
وذكر «لا يجب الربط بين مقاطعة المعارضة للبرلمان، وبين أداء النواب الحاليين»، متابعاً «فليثبت النواب الحاليين أنهم قادرون بالفعل على إقناعنا بدورهم».
وأردف «في العام 2002 و2006 كانت هنالك مقاطعة للبرلمان، لكن نحن حاولنا أن نقنع الناس بأننا نجتهد للوصول إلى مساءلة حقيقية، وتقدير النجاح متروك للجمهور».
وواصل «الخلل أن النواب الموجودين لا يعتبر المال العام بالنسبة لهم قضية ذات أولوية، وواضح جداً أن أولوياتهم في ملفات أخرى تدغدغ عواطف الناس».
وعما إذا كان هذا الموقف يحمّل المعارضة مسئولية الغياب عن البرلمان، بيَّن سلمان «نحن لدينا موقف سياسي معين، لكن السؤال لماذا لا يثبت النواب الحاليون أنفسهم بأنهم أهل للمسئولية في المساءلة. لماذا لا ينسفون ادعاءات المعارضة تجاههم».
وعن مستوى تقييمه لتعاطي مجلس النواب مع تقرير الرقابة الفائت، أشار النائب السابق إلى أن التعاطي «كان غير جاد ومبتسر»، متوقعاً «ألا يختلف هذا الدور عن سابقه».
وختم «لك أن تتصور أن النواب لا يحضرون الندوات التي نقيمها بشأن تقارير ديوان الرقابة لا في الجمعيات ولا في المجالس»، مرجعاً ذلك إلى أنهم»لا يريدون أن يواجهوا الناس بحقيقة عجزهم».
العدد 4810 - السبت 07 نوفمبر 2015م الموافق 24 محرم 1437هـ
مواطن شريف
بنشوف شنو موقفكم من الموضوع بس بكون على الأرجح ما بتحركون ساكن