العدد 4810 - السبت 07 نوفمبر 2015م الموافق 24 محرم 1437هـ

«إنترنت الأشياء»... الطريق إلى الثورة الصناعية الثالثة

ملف مجلَّة «الدوحة» في عددها السادس والتسعين...

كيفن آشتون
كيفن آشتون

يُمثِّل الملف الشهري لمجلة «الدوحة» ثقلاً لا يمكن أن يكتفي أحدهم بالمرور عليه فحسب. ثمة إعداد مُحْكم تأخذ به هيئة تحرير المجلة، استقطاباً للأسماء الفاعلة والمشتغلة في الحقل والمجال الذي يفتح الملف أوراقه ومحاوره.

عدد المجلة لشهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، حمل عنوان «ما وراء إنترنت الأشياء»، وهو المصطلح الذي حفره رائد التكنولوجيا البريطاني، ومؤسِّس مركز «Auto-ID» في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، كيفن آشتون، والذي يعني «وصف نظام يكون فيه الإنترنت متصلاً بالعالم المادي من خلال أجهزة استشعار منتشرة». الملف يبدأ بخلاصة حوار أجرته ماري آنجيلا بارنتي، وترجمته أماني لازار، أضاء جانباً مهماً مما أصبح يُعرف بـ إنترنت الأشياء»، الذي صكَّه آشتون في العام 1999، والفرص النابعة عنه مثل المدن الذكية، البيانات الكبيرة، والحوسبة السحابية.

كثير من ملامح وجه العالم ستتغيَّر بالنتائج التي ستتمخَّض عن «إنترنت الأشياء»، بحسب جيرمي ريفكين في كتابه «مجتمع الكلفة الهامشية الصفرية: إنترنت الأشياء والتعاونيات العامة وأفول الرأسمالية» (The Zero Marginal Cost Society)

The Internet of Things, the Collaborative Commons, and the Collapse of Capitalism «بربطه كل شيء بكل شيء مُشكِّلاً بنية تحتية، إلى انخفاض شبه تام في أساليب الإنتاج (باستثناء الكلفة الثابتة بطبيعة الحال)». ويسمي ريفكين هذا الوضع الجديد بالثورة الصناعية الثالثة. وككل ثورة، ستؤدِّي هذه إلى هلاك تجارات وصناعات كثيرة واختفائها، وإلى نشوء تجارات وصناعات كثيرة وبروزها، لكنها في مجملها تصبُّ في راحة المستهلك، وتوفير الخدمات وتخفيض تكاليفها».

من بين الأسئلة التي وجَّهتها بارنتي إلى آشتون، ذلك المتعلق بمقارنته مع رؤيته التي تعود إلى العام 1999، وتوقعاته للتغيُّرات التي يمكن أن تطرأ عليها مستقبلاً؟، مُجيباً بأنه «لم يكن إنترنت الأشياء يوماً متعلقاً فقط بخاصِّية التعرُّف بتردُّدات الراديو (RFID)، حسب هذه الآلية إنها كانت واحدة من أولى التقنيات التي مكَّنت من إنشاء شبكة الاستشعار اللاسلكية، ولايزال هذا شأن إنترنت الأشياء، تُدير شبكة الاستشعار اللاسلكية الموزَّعة في كل مكان عملية جمع المعلومات آلياً. إنها بنية تحتية أساسية بنتائج ومنافع لا حدَّ لها تقريباً».

التوقف عن القيادة في العشرية الثانية

وتأخذ بارنتي آشتون إلى سؤال يتعلق بمستقبل النتائج الوشيكة المترتبة على إنترنت الأشياء؛ ليجيب بأن إنترنت الأشياء تسهِّل رؤية ما هو قادم «شبكة استشعار موجودة في كل مكان ضخمة موزَّعة على نطاق واسع، مكوَّنة من أجهزة بالغة الصغر يمكن التخلُّص منها، تعمل باستخدام أي طاقة ملحوظة، موصولة بأدوات التلقين الآلي على شبكة الإنترنت التي تقوم بتحليل قدر هائل من البيانات المتفاوتة في زمن حقيقي، وتصل إلى نتائج نافعة فعَّالة، مقترنة بمحركات موزَّعة تحوِّل تلك النتائج إلى أفعال في العالم الحقيقي»، وضرب آشتون مثالاً بالسيارة ذاتية القيادة التي لم تحظَ باستيعاب كثيرين بإمكانية تحققها فيما يرى آشتون بأن معظم الناس سيتوقف عن القيادة في العشرية الثانية من القرن الحالي، ويدَعُون سياراتهم المتصلة بإنترنت الأشياء تتولَّى الأمر.

سيكون لذلك التحوُّل تأثير وتغيُّر كبير على استخدام الوقت والطاقة، وسيمتدُّ الأمر بطبيعة الحال إلى إعادة النظر في المدن التي نقيم فيها، وكذلك الأنظمة المدنية، ليطول تأثير ذلك التطبيق بالتالي إلغاء الأزمات المرورية التي تعاني منها جل المدن في العالم، وتكلف مليارات الدولارات يومياً جراء عمليات التأخير الذي تحدثه. حوادث سير ستختفي... محطات الوقود. «تلك هي النتائج الأولية لذلك التطبيق» بحسب آشتون.

آشتون في اللقاء نفسه تناول الكيفية التي سيبدو عليها العالم المترابط في العام 2100، مُوضحاً أنه في العام 2100 «ستجعل التكنولوجيا ونتائجها أمر التعرُّف إلى العالم متعذّراً إلى حدٍّ ما بالنسبة لمن ولدوا في القرن العشرين. سيكون الفرق بين العام 2000 والعام 2100، أعظم بكثير من الفرق بين العام 1900 والعام 2000، ومع ذلك كل شيء سيكون أفضل: أكثر سلاماً، أكثر معرفة، متوسط أطول لعمر الإنسان، والارتقاء بنوعية الحياة».

ريفكين والثورة الصناعية الثالثة

في ملف «الدوحة» نفسه، يتساءل عبدالوهاب الأنصاري، في مقاله الذي حمل عنوان «عالم آخر بدأ فعلياً»: ما هو هذا العالم الذي يبشِّر به إنترنت الأشياء؟ يستشهد الأنصاري هنا بكتاب جيريمي ريفكين «مجتمع الكلفة الهامشية الصفرية: إنترنت الأشياء والتعاونيات العامة وأفول الرأسمالية»

((The Zero Marginal Cost Society

The Internet of Things, the Collaborative Commons, and the Collapse of Capitalism)، حيث يشير ريفكين إلى أن «إنترنت الأشياء سيؤول بنا إلى مجتمع تكاد تكون فيه الأغراض والخدمات مجانية. التنافس الذي هو في صميم الرأسمالية يؤدي بالمصنِّعين ورجال الأعمال على البحث الحثيث عن سبل تخفيض الكلفة. يؤدي إنترنت الأشياء، بربطه كل شيء بكل شيء مشكِّلاً بنية تحتية، إلى انخفاض شبه تام في أساليب الإنتاج (باستثناء الكلفة الثابتة بطبيعة الحال). ويسمي ريفكين هذا الوضع الجديد بالثورة الصناعية الثالثة. وككل ثورة، ستؤدِّي هذه إلى هلاك تجارات وصناعات كثيرة واختفائها، وإلى نشوء تجارات وصناعات كثيرة وبروزها، لكنها في مجملها تصبُّ في راحة المستهلك، وتوفير الخدمات وتخفيض تكاليفها».

بالعودة إلى كتاب ريفكين نفسه، نقف على عالم، معلومات، أرقام يُصعق أمامها كثيرون. شكل الحياة... إيقاعها، كل ذلك إلى تبدُّل وتحوُّل، وبأسرع مما يمكن أن يُتصوَّر. أماني لازار عمدت إلى ترجمة فصل من الكتاب، يبدأ بالتنبؤات التي ستكون عليها أميركا وأوروبا خلال العشر سنوات المقبلة (2025)؛ إذ سيكون كل مبنى في أميركا وأوروبا، كما في بلدان أخرى حول العالم «مجهَّزاً بعدَّادات ذكية، وسيكون لكل عدَّاد منظِّم حراري، خطوط إنتاج، عدد مستودع، تلفزيونات، غسَّالات، وحواسيب - حسَّاسات متصلة بالعدَّاد الذكي وخطة إنترنت الأشياء». وبلغة الأرقام يعقد ريفكين مقارنات بين العام 2007، الذي وُجد فيه 10 ملايين حسَّاس يمثل كل نمط من الاختراعات البشرية بإنترنت الأشياء، وصولاً إلى العام 2013 الذي تجاوز فيه الرقم 3.5 مليارات، فيما يُتوقع أن يصل إلى 100 تريليون حسَّاس بإنترنت الأشياء.

وبالإشارة إلى أنظمة سيسكو، يستند ريفكين إلى توقعاتها في العام 2022، بما سيحدثه إنترنت الأشياء (إنترنت كل شيء) من وفورات بقيمة 14.4 تريليون دولار في الكلفة والإيرادات. و «انتهت دراسة أجرتها شركة جنرال إلكتريك، نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، إلى أن مكاسب الكفاءة وارتفاع الإنتاجية التي أضحت ممكنة بواسطة الإنترنت الصناعي الذكي، قد يتردَّد صداها في كل قطاع من القطاعات الاقتصادية عملياً بحلول العام 2025، منعكسة تقريباً على نصف الاقتصاد العالمي».

في حقل الرعاية الصحية

نسبة الناتج الإجمالي العالمي في حقل الرعاية الصحية تقدَّر بـ 10 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، أو 7.1 تريليونات دولار في العام 2011، مع الإشارة إلى أن 10 في المئة من الكلفة في القطاع «مُهدرة بسبب عدم الكفاءة في النظام»، وهي هنا تعني 731 مليار دولار سنوياً! «جنرال إلكتريك» في دراستها تضعنا أمام الأرقام التي يستند إليها ريفكين في هذا الباب. «59 في المئة من عجوزات الرعاية الصحية، أو 429 مليار دولار، يمكن أن تكون مدمجة بشكل مباشر في نظام الإنترنت الصناعي».

ما الذي تريد الدراسة الوصول إليه؟ هنا جانب منه وبالأرقام أيضاً «يمكن لتغذية البيانات الكبيرة المرتدَّة، تحاليل متطوِّرة، حسابات تنبؤية، وأنظمة تشغيل مؤتْمتة أن تقلل من الكلفة في قطاع الرعاية الصحية العالمي بنسبة 25 في المئة» وفقاً للدراسة، الأمور في هذه الصورة بوضوح «توفير 100 مليار دولار سنوياً. فقط تخفيض بنسبة 1 في المئة في الكلفة قد ينتج وفراً قيمته 4.2 مليارات دولار في السنة؛ أو 63 مليار دولار في فترة 15 سنة».

عقبات انتشار إنترنت الأشياء

في الفصل المترجم من كتاب ريفكين إشارة إلى عقبات أبطأت انتشار إنترنت الأشياء، من بينها بروتوكول الإنترنت (IPv4) «الذي لا يسمح سوى بـ 4.3 مليارات عنوان مميز على الإنترنت»، موضحاً أنه كون معظم عناوين بروتوكول الإنترنت مُستحوذاً عليها سلفاً من قبل أكثر من ملياري شخص متصل بالإنترنت حالياً، تظل بعض العناوين متاحة لتصل ملايين، وأخيراً تريليونات الأشياء بالإنترنت «تم مؤخراً تطوير نسخة جديدة من بروتوكول الإنترنت من قبل فريق المهام الهندسية المتصلة بالإنترنت (IETF) سيتوسَّع عدد العناوين المتاحة ليصل إلى رقم مذهل يبلغ 340 تريليون تريليون تريليون، بحيث يكفي ويزيد لاستيعاب مشروع 2 تريليون جهاز متوقع أن يكون متصلاً بالإنترنت في السنوات العشر المقبلة».

يظل موضوع الخصوصية ملحَّاً في نهاية الفصل المنشور من كتاب جيرمي ريفكين، في حال اتصال إنسان وكل شيء «ما الحدود الضرورية التي يجب وضعها لضمان حماية حق الفرد في الخصوصية»؟ في ردِّه كثير إحباط في ظل إمكانية الوصول إلى تدفق البيانات من خلال إنترنت الأشياء، بالتسلُّح بالمهارات البرمجية عندها «يمكن أن يسرق لصوص الإنترنت الهويات الشخصية بغية الكسب التجاري. يمكن أن تبيع مواقع التواصل الاجتماعي البيانات للإعلانات والمسوِّقين لترفع مكاسبها، ويمكن لفاعلين سياسيين أن يمرّروا معلومات إلى حكومات أجنبية».

هنا بدأ دور المفوضية الأوروبية بالاهتمام بهذه القضايا في مشاوراتها التي عقدتها في العام 2012 واستمرت ثلاثة شهور، اقترحت من بين عديد الاقتراحات، وسائل تقنية معينة لوقاية خصوصية المستخدم، بما فيها تقنية لحماية البيانات السرية، وفي بيان أصدرته بعد المشاورات أكدت فيه وجوب «أن يكون بقاء بيانات الأفراد الشخصية تحت سيطرتهم مضموناً، وأن توفر أنظمة إنترنت الأشياء شفافية وافية ليتمكن الأفراد من استعمال حقوق موضوع بياناتهم بصورة فعَّالة».

تضمَّن ملف «إنترنت الأشياء» لقاء أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، مع رئيسة المفوضية الفيدرالية الأميركية للتجارة، إديث راميريز، والتي من مسئوليتها الأمن الإلكتروني والخصوصية الرقمية، وكتب البروفيسور فؤاد الصلاحي «الأمن السيبراني»، والأكاديمي بجامعة القاضي عيَّاض في مراكش، إدريس لكريني «هشاشة المنظومة القانونية»، وشارك عبدالرحيم العطري بـ «مآزق القارة السابعة»، في إشارة إلى الإنترنت، و «انتفاء المِلكية والذاكرة»، عنوان مساهمة محمد الضامن في الملف، ومحمد مروان بـ «الفلسفة في الشبكة»، و «نصير إلى تلك الأشياء» عنوان ورقة محسن العتيقي، وحسين السوداني بـ «تذكية الشيء وتشييء الذكي».

يشار إلى أن تردُّدات الراديو (RFID)، تعني «تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو. والتقنية عبارة عن تحديد الهوية بشكل تلقائي بالاعتماد على جهاز يسمى (RFID Tags). هذا الجهاز عبارة عن كائن صغير يمكن إدراجه بالمنتجات أو الحيوانات أو الإنسان. يحتوي على شريحة مصنوعة من السيلكون وهوائي (أنتينا) لكي يستطيع استقبال وإرسال البيانات والاستعلامات من خلال موجات الراديو.

ستنتج عن إنترنت الأشياء المدن الذكية، البيانات الكبيرة، والحوسبة السحابية
ستنتج عن إنترنت الأشياء المدن الذكية، البيانات الكبيرة، والحوسبة السحابية
غلاف العدد - غلاف «مجتمع الكلفة الهامشية الصفرية»
غلاف العدد - غلاف «مجتمع الكلفة الهامشية الصفرية»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً