ينتظر عشرات الأشخاص بفارغ الصبر أمام مكتب التذاكر في أديس أبابا لكي يتمكنوا لأول مرة في حياتهم من أن يجوبوا العاصمة الإثيوبية بالترام الذي تم تدشينه مؤخرا في بلادهم. "لقد اقتنيت سيارة حديثة مؤخرا، ولكني لا أريد أن تفوتني هذه اللحظة"، علق تاي وركو أحد الركاب المنتظرين، بينما تسيطر أجواء من الترقب على جميع الواقفين على رصيف المحطة. الجميع هنا متشوقون لتجربة الترام الجديد.
ويربط مسار الترام، الذي شيدته ومولته الصين بين شمال وجنوب المدينة التي يقطنها أربعة ملايين نسمة ويعد أول خدمة نقل كهربائية بالكامل في إحدى دول منطقة جنوب الصحراء حيث يبلغ طول مساره 17 كيلومترا ويضم 22 محطة، لذا يقول تاي إن هذا المشروع يعتبر بمثابة "علامة فارقة في عملية التنمية التي تشهدها البلاد، كما أن الركاب بوسعهم أن يستقلونه من أي مكان".
وبالنسبة لجيران أديس أبابا فإن الترام يعد بديلا اقتصادية لحافلات الأجرة حيث تبلغ تكلفة تذكرته تقريبا 28 سنتا أي ما يعني ثلث سعر منافسه، لذا يقول المسافر الشاب دانييل ووركو بحماس "كان بإمكاننا ركوب حافلة الأجرة ولكننا كنا نرغب في تجربة الترام، إذا ما كان أوفر فسيصبح وسيلة تنقلي".
واعتبرت اثيوبيا طوال وقت طويل بلدا فقيرا حيث لقى مئات الآلاف من الأشخاص حتفهم في الثمانينيات بسبب المجاعات ولكن في الوقت الحالي يسعى هذا البلد الواقع في شرق أفريقيا لترويج صورة كونه مركزا اقتصاديا للتنمية والاستثمارات في القارة الإفريقية.
وتمكنت شركات أغلبها تحمل أسهم تعود ملكيتها للصين من تشييد خط الترام في ثلاث سنوات فقط، بتكلفة بلغت 475 مليون دولار، حيث كانت نسبة 85% من التمويل قادمة من بنك الصادرات والواردات الصيني.
وتقول المحللة بشركة "فيريس مابلكروفت" إيما جوردون إن الصين تعد شريكا منطقيا من وجهة نظر الحكومة الاثيوبية حيث تضيف "الصين لا تشكك في الاقتصاد الاثيوبي، بالرغم من أن أغلب قطاعاته تقع تحت السيطرة الحكومية، وذلك لأن لديها شهرة بتنفيذ المشروعات سريعا".
وترى جوردون أن من ضمن المخاطر التي يتضمنها الأمر تنامي الدين الحكومي ونسيان الإصلاحات الاقتصادية لصالح مشروعات ذات صدى تعطي هيبة للدولة على حساب التنمية الحقيقية.
وأضافت الخبيرة "تفضيل الصين توريد المواد والعمال يؤدي إلى أن الاستثمارات لا تدعم سوق العمل أو تسهم في تدعيم الصناعة المحلية".
على الرغم من هذا ترى السلطات المحلية أن الترام الجديد سيحسن من معيشة الاثيوبيين ويخفف من حالة الفوضى المرورية بالعاصمة، خاصة وأن الحكومة تخطط لإنشاء خط آخر يجمع الشرق بالغرب.
وتعد الكهرباء من ضمن المشاكل الموجودة بشدة، حيث يقول مدير المشروع بيهايلو سيتاليوهوا "الكهرباء كانت من ضمن التحديات التي أخرت بداية العمل لعدة أشهر"، ولكن البلد الأفريقي يخطط لتعويض مشكلة الطاقة ببناء سدود.
وفي هذا الاطار، لا يزال على الاثيوبيين مواجهة انقطاعات التيار المتتالية التي تحدث دون سابق إنذار، ولكن هذا لن يحدث مع الترام الذي سيظل يعمل حتى ولو كانت بقت المدينة بالكامل بدون كهرباء، كما وعدت السلطات، حيث أن الخط متصل مباشرة بالشبكة الحكومية ولديه آلية طوارئ.
ويحكم أثيوبيا منذ 1991 نفس الحزب الذي طرد من السلطة الديكتاتور مينجيستو هيلاماريام، فيما ينتقد المدافعون عن حقوق الإنسان عدم وجود معارضة في ظل ملاحقة المنشقين وانعدام حرية التعبير، ولكن على الأقل فإن الاقتصاد ينمو، حيث أنه وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي ربما يصل إلى 8%.
وتخطط أثيوبيا أيضا لمواصلة زيادة وتحسين بينتها التحتية عن طريق المساعدات الصينية، ولكن على الرغم من هذه المشروعات الكبرى، فإن الفقر والجوع ما زالا يسيطران على المناطق الريفية.
واحتاج أربعة ملايين ونصف مليون اثيوبي هذا العام وحده إلى مساعدات غذائية، وذلك وفقا لبيانات الأمم المتحدة، فيما أن البلد الأفريقي يحتل المركز الـ173 في قائمة مؤشر التنمية الأممي والذي يضم 187 عضوا.
ويجسد مشروع الترام بالنسبة للاثيوبيين نموذجا للتطور والتنمية، حيث يقول تاي بعد رحلته الأولى على متنه، إنه قرر ترك سيارته حيث قال "منذ سنوات لم يكن أحد ليصدق وجود شيء مثل هذا في إثيوبيا".