عند كل صباح يوم جمعة ينطلق الشاب الفلسطيني يونس جمعة مع أصدقاء له باتجاه المناطق الشرقية لمدينة غزة للانخراط بجولة مواجهات جديدة مع الجيش الإسرائيلي.
ومنذ مطلع شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي لم يعد يوم الجمعة إجازة أسبوعية يقضيها يونس وهو في مطلع العشرينات من عمره، في ظل أجواء عائلية تجمعه بأسرته كما اعتاد بعد أن غيرت موجة التوتر الحالية بين الفلسطينيين وإسرائيل جدوله الأسبوعي ومئات الشبان من أقرانه.
وباتت المناطق الشرقية لقطاع غزة الوجهة المعتادة لهؤلاء الشبان في صباح كل يوم جمعة لاستهداف القوات الإسرائيلية المتمركزة خلف السياج الفاصل مع القطاع بالحجارة والتظاهر قبالتها.
ويقول يونس لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن الأحداث الميدانية التي تشهدها مدينة القدس وقرى ومدن الضفة الغربية منذ أسابيع دفعت إلى أن تصبح الحدود الشرقية في قطاع غزة مقصدهم المفضل للتظاهر.
ويشير يونس إلى أن طبيعة قطاع غزة الذي انسحب منه الجيش الإسرائيلي قبل 10 أعوام تختلف عن ساحات التماس في الضفة الغربية والقدس ما يجعل المناطق الحدودية السبيل الوحيد أمام شباب غزة للانخراط في أحداث "الانتفاضة".
ومنذ اندلاع موجة التوتر في مدن الضفة الغربية، بدأ المئات من شباب غزة التوجه نحو الحدود الشرقية لإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على قوات الجيش الإسرائيلي التي ترد بإطلاق الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع.
وقتل 15 شابا وأصيب مئات آخرين منذ مطلع الشهر الماضي خلال هذه المواجهات من إجمالي أكثر من 60 فلسطينيا قضوا في الضفة الغربية والقدس والقطاع خلال موجة التوتر المستمرة مع إسرائيل.
ويروى يونس أنه تعرض في عدة حالات للاختناق وكان بصعوبة بالغة يحاول استنشاق الهواء واستعادة أنفاسه نتيجة تعرضه لقنابل الغاز المسيل للدموع في مناطق التظاهرات شرق مدينة غزة.
وهو يعتبر أن مشاركته وأقرانه من الشباب في التظاهرات في المناطق الحدودية لقطاع غزة تثبت أن "الشعب الفلسطيني موحد في مواجهة إسرائيل وممارساتها ورفضها إنهاء احتلالها وإقامة الدولة الفلسطينية".
ويشير إلى أن سلاحهم الوحيد ضد الجيش الإسرائيلي هو الحجارة لكن كثيرا منهم يلوحون بالخناجر والسكاكين تضامنا مع العمليات الفردية التي ينفذها الشبان في الضفة الغربية والقدس ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين.
ويعرب يونس عن سعادته البالغة إزاء أحداث المواجهات "إذ أن الشباب بيننا يتسابقون في رفع العلم الفلسطيني على الأسلاك الفاصلة مع إسرائيل كتأكيد على التمسك بحقوقنا رغم الاستهداف الإسرائيلي المباشر لنا".
وعادة ما يظهر يونس وأصدقاؤه في ساحات التظاهرات وهم موشحين بالكوفية الفلسطينية الشهيرة ويرفعون أعلام فلسطينية بأحجام مختلفة.
ويتجمع هؤلاء الشباب في تظاهراتهم واختيار مناطقها عبر منشورات جماعية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا موقع فيس بوك الذي يقدر مختصون استخدامه من نحو مليون فلسطيني.
وسبق أن تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الفضاء الافتراضي سيما مواقع التواصل الاجتماعي لعب الدور الأساس في تأجيج موجة التوتر الحالية مع الفلسطينيين.
وإضافة إلى نشر الدعوات لموعد ومناطق التجمع للتظاهر فإن شبان قطاع غزة يتناقلون فيما بينهم على موقع "فيس بوك" حملات تطوعية لتوفير مستلزماتهم من مواد إسعاف أولي وكوفية وأعلام.
وإلى جانب الشبان فإن عشرات الشابات ينخرطن في التظاهرات الأسبوعية ويتقدمن صفوف المتظاهرين في مناطق التماس مع الجيش الإسرائيلي في مشهد لم يكن مألوفاً في القطاع، قبل موجة التوتر الحالية.
وتقول الشابة إسلام عثمان إحدى المشاركات في تظاهرات شرق غزة لـ(د.ب.أ)، إن الاحتجاجات الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي وممارساته لم تعد حكرا على الذكور ولا يجب أن تكون كذلك رغم خطورتها.
وتعتبر إسلام التي كانت تتظاهر موشحة بالكوفية الفلسطينية أن وجودها وزميلات لها في ساحة المواجهات "دليل على أن فلسطين لنا جميعاً ولا يوجد فرق بين الرجال والنساء في الدفاع عن المقدسات والأرض".
وإلى جانب المشاركة في المواجهات المباشرة، خرجت مسيرات مختلفة في غزة شاركت فيها النساء بقوة للدعوة إلى تصعيد "انتفاضة" فلسطينية ضد إسرائيل وللمطالبة بإنهاء الاحتلال.
ويلاحظ من إجمالي التحركات ضمن موجة التوتر الحالية تصدر الشبان للمشهد في ظل تراجع مكانة الفصائل التي لم تعد الجهة الرئيسية التي تدعو وتحدد التظاهرات وحجمها.
لذلك تتسم المواجهات بطابع شبابي بحت من دون أعلام فصائل أو كلمات ثورية من قياديين فيها، عوضا عن تصرفات فردية وعفوية من الشبان أنفسهم تروج لتلك المواجهات. إذ صور شبان من راشقي الحجارة أنفسهم وهم يحتفلون بعيد ميلاد أحد زملائهم في ساحة المواجهة شرق غزة تقليدا لما أقدم عليه شبان مثلهم في الضفة الغربية وذلك وسط طلقات المطاط والحي والغاز المسيل للدموع من الجيش الإسرائيلي.
وباتت مثل هذه اللقطات الغريبة شبه يومية في مواجهات الشبان الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، بحيث تنتشر عشرات مقاطع الفيديو التي تلقى رواجا كبيرا لدى الفلسطينيين.
ومن بين تلك المقاطع فيديو لشاب وهو يرقص الدبكة الشعبية قبل أن يلقي حجرا بمقلاع باتجاه قوات إسرائيلية، ومقطع أخر لاختراع توصل إليه شاب بخنق قنبلة الغاز قبل أن تنفذ الغاز بأن يضع علبة حديدية فوق القنبلة ومن ثم يجلس فوق العلبة.
والتقط مصورون صورا لشبان وهم يؤدون حركات بهلوانية في الطريق بمحاذاة الإطارات المشتعلة، وذلك عقب إلقائهم الحجارة .
وبموازاة ساحات المواجهات تنشغل مواقع التواصل الاجتماعي ومنشورات الشباب في قطاع غزة عليها في التعبير عن دعمهم لأحداث موجة التوتر مع إسرائيل وتناقل تطوراتها ومستجداتها الميدانية أولا بأول.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي من غزة أكرم عطا الله لـ(د.ب.أ)، أن الشباب الفلسطينيين أثبتوا في خضم موجة التوتر الراهنة مع إسرائيل بأن هناك جيلاً جديداً "خارج كل حسابات موازين القوة وخارج حسابات التوازنات السياسية".
ويشير عطا الله إلى أن الجيل الفلسطيني الشاب "أظهر نفسه وهو يلتقط الراية ويتقدم متجاهلا واقع أرادت إسرائيل بكامل ترسانتها فرضه على الفلسطينيين من تكريس للاحتلال والاستيطان وتهويد المقدسات وانقسام داخلي".
وينبه إلى أن إسرائيل "أغلقت كل نوافذ الأمل أمام شعب يرزح تحت الاحتلال وينهش جسده بالاستيطان وجعلت خطاب اليأس وأسئلة اليأس هي الأسئلة الأكثر رواجاً في أروقة السياسة والأحزاب، لكن الأجوبة ظهرت عند الشباب وحدهم".
ويخلص عطا الله إلى أنه "في الوقت الذي يتجاهل فيه النظام السياسي الفلسطيني والقوى والأحزاب الشباب يقوم هؤلاء بأخذ دورهم دون استئذان ويشكلون طليعة ثورة أو انتفاضة تغير وجه التاريخ وتكسر كل المعادلات التي تفرضها إسرائيل".