أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن الفساد يعيق تطبيق الخطط الصحيحة، والسياسات الإيجابية، كما يعرقل جهود التغيير نحو الأفضل؛ بل إنه يقوض الدول والمؤسسات، ويبعثر الثروات، وينخر في الإدارات، ويتناسب طردا مع الانحرافات والمنكرات والأمراض المجتمعية والأخلاقية، معتبرا أن مكافحته «مفتاح» انتشار العدالة، والخير والصلاح.
وفي خطبته يوم أمس الجمعة (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، أوضح أن للفساد مظاهر كثيرة، وصوراً عديدة، ومسالك متنوعة؛ من الاختلاس من المال العام والخاص، والرشوة، وسوء استخدام السلطة والصلاحيات، وإفشاء أسرار العمل، أو كتمان معلومات حقها أن تكون معلومة معلنة؛ سواء في شأن مالي أو وظيفي، والتزوير، والعبث بالوثائق والمستندات والقرارات، وعدم احترام العمل وأوقات الدوام حضورا أو انصرافا، وضعف الإنجاز».
وذكر أن من بين مظاهر الفساد «التشاغل أثناء العمل بقراءات خارجية، أو استقبال من لا علاقة لهم بالعمل، والبحث عن أعذار، والتهرب من تنفيذ الأنظمة والقوانين والتعليمات والتوجيهات، وعدم المبالاة، والعزوف عن المشاركة الفاعلة، والإسراف في استخدام المال العام -ولو كان يسيرا- في الأثاث والأدوات المكتبية، والأسفار غير المهمة، والمبالغة في إقامة المناسبات، وسوء توظيف الأموال، وإقامة مشاريع وهمية، والعبث بالمناقصات والمواصفات، في صور وأشكال لا تقع تحت حصر».
وشدد على ضرورة «محاربة الفساد ومكافحته، والتزام الصلاح والإصلاح والنزاهة والشفافية، وذلك هو المفتاح القائد -بإذن الله- لأسباب الخير والفلاح، والتوفيق والصلاح، والأمن والطمأنينة، وانتشار العدالة». ونوّه إلى أن «محاربة الفساد، ليست وظيفة لجهة معينة أو فئة خاصة؛ بل هي مسئولية الجميع ديانة وأمانة وخلقا ومسئولية».
ورأى أن النزاهة والعدالة في الإصلاح تحفظ هيبة الدول وكرامتها وتؤكد التلاحم بينها وبين مواطنيها، وتغرس الثقة في الأجهزة والأنظمة... النزاهة تعطي قيادات الدول دفعا أكبر في محاربة الفساد في جميع صوره وأشكاله؛ إداريا وماليا وأخلاقيا.
مقاييس النزاهة هي: الديانة، والصدق، والعدالة، والوضوح والشفافية.
وأضاف «في أجواء النزاهة تكون المنافسات النزيهة، والتنافس الشريف على تقديم الأفضل والأجود والأنسب».
وأفاد بأن مما يعين على ذلك «تحديد مسئوليات الموظف، وإصدار الأدلة الإرشادية، والتوعية المنظمة، وتبصير الناس بحقوقهم، وتشجيعهم على المساعدة في كشف المفسدين، وإصلاح أجهزة الرقابة، وتقويتها، ودعمها في كفاءاتها، وتبسيط أساليب العمل الإداري، وتقوية الرقابة المحاسبية الإدارية والنظامية والمالية، وسن الأنظمة الصارمة في مواجهة الفساد، وتطبيقها بحزم وعدالة وحيادية، والبعد عن المجاملات المضعفة، والعناية ببرامج الإصلاح الإداري ومنحها الأولوية، وتوسيع دائرة تكافؤ الفرص والمساواة على أساس معايير الجدارة والاستحقاق، وغرس قيم الجد في العمل، وحفظ الوقت، والتواصي بالحق، والتزام الأخلاق؛ من الصدق، والأمانة، والإخلاص، وحسن الظن، بعد الإيمان بالله وصدق التعلق به والاعتماد عليه، والاهتمام بالمصلحة العامة، والشعور الحق بالمسئولية، وزرع الثقة من الجميع، مع بث أجواء حرية الرأي والمناقشة والمكاشفة.
وأكد أن الخلل في الأنظمة والقوانين والنصوص، ولكنه في الإدارات والمجتمعات والنفوس.
وبيّن أن «الفساد بكل أنواعه سلوك منحرف في الأفراد وفي الفئات، يرتكب صاحبه مخالفات من أجل أن يحقق أطماعا مالية غير شرعية، أو مراتب وظيفية غير مستحقة، مما يؤدي إلى الكسب الحرام، وإضعاف كفاءة الأجهزة والمؤسسات والمنشآت».
وعرّف الفساد على أنه «منهج منحرف متلون متفلت متستر، محاط بالسرية والخوف، يدخل في كل مجال: في الدين، وفي السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي الإدارة.
وتابع «الفساد، تواطؤ وابتزاز، وتسهيل لارتكاب المخالفات الممنوعة والممارسات الخاطئة. الفساد، استغلال مقيت للإمكانات الشخصية والرسمية والاجتماعية، يستهدف تحقيق منافع غير شرعية، ومكاسب محرمة لنفسه ولمن حوله. سوء استغلال للسلطة والصلاحية، في مخالفة للأحكام الشرعية، والقيم الأخلاقية، والأنظمة المرعية».
وأردف قائلا «الفساد، داء ممتد لا تحده حدود، ولا تمنعه فواصل، يطال المجتمعات كلها متقدمها ومتخلفها بدرجات متفاوتة»، مشيرا إلى أن «كل انحراف بالوظيفة العامة أو الخاصة عن مسارها الذي وضعت له ووجدت لخدمته فهو فساد وجريمة وخيانة. بالفساد تضطرب الأولويات في برامج الدولة، وفي برامج الدول ومشاريعها، وتبدد مواردها، وتستنزف مصادرها».
وواصل القطان حديثه عن الفساد، مؤكدا أن به «تتدنى مستوى الخدمات العامة، وتتعثر مشاريع، ويسوء التنفيذ، وتضعف الإنتاجية، تهدر مصالح الناس، ويضعف الاهتمام بالعمل وقيمة الوقت، ويضطرب تطبيق الأنظمة وعدالة المعايير».
وأشار إلى أن «الفساد يؤدي إلى التغاضي عن المخاطر التي تلحق الناس في مآكلهم وفي مشاربهم وفي مرافقهم الصحية والتعليمية، وفي طرقهم، وفي أنظمة الأمان والحصول على الخدمات العامة»، مبينا أنه «يزعزع القيم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة والعدل وتكافؤ الفرص وعدالة التوزيع، وينشر السلبية، وعدم الشعور بالمسئولية، والنوايا السيئة، وينشر الشعور بالظلم، مما يؤدي إلى حالات من الاحتقان والحقد والتوتر والإحباط واليأس من الإصلاح».
وذكر أن الفساد، يجعل المصالح الشخصية تتحكم في القرارات، ويضعف الولاء الصادق للحق وللدولة وللأمة، ويعزز العصبية المذمومة مذهبية أو طائفية أو قبلية أو حزبية، فهو يهدد الترابط الأخلاقي، وقيم المجتمع الحميدة المستقرة»، مشددا على أنه «يولد مشكلات خطيرة على استقرار المجتمعات وأمنها وقيمها الأخلاقية، وسيادة الأنظمة... الفساد يتواصل مع أشكال الجريمة المنظمة، والجرائم الاقتصادية بما فيها ما يعرف بـ (غسيل الأموال)».
هذا، وشكر إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، على إنشائه ديوان الرقابة المالية والإدارية وتوجيهاته السامية المستمرة بحفظ المال العام ومراقبة إنفاقه، بحسب النظم والقوانين المنظمة لذلك كالدليل المالي واللوائح المحددة لذلك، ومكافحة الفساد بكل أشكاله، والقيام بعملية التدقيق المالي والإداري في موارد ومصاريف واحتياجات مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها وإداراتها».
ورأى أن «الموظف الصالح، والعامل الصالح، والمواطن الصالح، بإيمانه بربه وبوازع من دينه، يجتهد في أداء عمله، ويحرص على منع الممارسات الخاطئة، أو يكشف عنها لمن يستطيع منعها».
وقال: «المواطن الصالح، عنده من الصدق في دينه، والأمانة في عمله، والولاء لمجتمعه، والحرص على المصلحة العامة، ما يدفعه إلى الإحسان وإلى الجد وحسن الإنتاج، وعدم الرضا بالفساد والانحراف».
العدد 4809 - الجمعة 06 نوفمبر 2015م الموافق 23 محرم 1437هـ