أكد رئيس مركز برنت سكاوكروفت للأمن الدولي في الولايات المتحدة باري بافل، أن «الأوضاع في مناطق الصراع، لا سيما في الشرق الأوسط، أفرزت شبكات إرهابية ذات بنى مركبة ومعقدة، استطاعت أن تكون من أبرز المستفيدين من الطفرة، فتنظيم داعش، مثلاً، يستخدم الفضاء الإلكتروني للتجنيد والتمويل والتسويق ونشر الرسائل ذات المحتوى الدعائي في شكل لافت وسريع الوصول إلى جميع أنحاء العالم»، حسبما نقلت صحيفة "الحياة".
وقال بافل، في اليوم الثاني من «ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الثاني» الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية ومجلس الأطلسي في أبو ظبي، إن «المجلس يرى تراجعاً واضحاً للدول، بما فيها الكبرى، في المعركة الرقمية، وصعوداً لافتاً للمؤسسات والمنظمات غير الحكومية في هذا السباق المحموم نحو الهيمنة على أكبر حصة من منافذ الفضاء الرقمي واستخداماته التي تكاد لا تحصى».
أما الباحث في مشروع النظام الدولي والاستراتيجيا في معهد «بروكنغز» توماس رايت الذي أدار الجلسة، فقال: «إننا جميعاً مطالبون اليوم بالبحث في دور القوة الذي رسمت الثورة الرقمية ملامحه إلى حد كبير خلال الـ 20 عاماً الأخيرة، وأن نفكر في ما يجب علينا معرفته مسبقاً ونحن نبحر بسرعة فائقة نحو مستقبل العالم الرقمي».
وأضاف «إن العالم بدوله ومنظماته غير الحكومية وأفراده يجب أن يكون مستعداً منذ الآن للتغيرات الهائلة المتوقع أن يفرضها التقدم الرقمي بتعقيداته على شكل وأسلوب ومستقبل الحياة البشرية».
ورأى المدير العام لمجلس الشؤون الدولية في روسيا ومؤسسة أوراسيا الجديدة في موسكو أندريه كورتونوف، «أن مفهوم القوة اختلف جذرياً خلال السنوات الـ50 الأخيرة، إذ أصبح بإمكان الدول وحتى بعض المنظمات الأمنية والميليشيات الإرهابية أن تعبر الحدود بسلاسة وأن تخوض حروباً الكترونية ضارية من بعيد وتنتصر فيها في عالم الواقع على قوى تقليدية طالما عرفت بالصلابة».
وأضاف أن «المنظمات والأفراد الذين يقودون الثورة الرقمية في العالم اليوم وحتى أولئك الذين هم عملاؤها في السوق الرقمية قد تفوقوا على القطاعات الرقمية التابعة للدول المركزية، لأنهم أرقى علماً وأكثر تعليماً وخبرة من غيرهم».
وفي معرض كلامه عن رؤية الصين وتعاملها مع الثورة الرقمية، قال ليو كانج، مدير برنامج البحوث في جامعة دوك الأميركية عضو الأكاديمية الأوروبية «إن بكين تواجه تحدياً مضاعفاً في العصر الرقمي، فالانترنت الصيني ما زال يفرض رقابة صارمة على حرية تداول المعلومات للأفراد وهذه معركة ستكون خاسرة في نهاية المطاف بحكم طبيعة الثورة الرقمية ذاتها ورغبة الناس في التواصل في شكل مباشر مع العالم الذي يعيشون فيه».
وأضاف «إن الصين تشاطر منذ سنوات الولايات المتحدة وباقي دول الطفرة الرقمية مخاوفها من الإرهاب الالكتروني والقرصنة التي تزداد ذكاءاً وخطورة يظهران عند مهاجمة واختراق الحصون الأمنية والاقتصادية للدول ومؤسساتها ذات الطبيعة الحساسة».
وقدمت الين ليبسون الباحثة في مركز «ستمسون» في الولايات المتحدة، مقاربة مختلفة عن تلك التي ذهب إليها عدد من المشاركين، إذ رأت أن «الدول العظمى ما زالت أقوى مما يعتقد الكثيرون في سباق المواجهة الرقمية مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، إلا أن التزامها الديموقراطي بتمكين الأفراد من أدوات العصر الرقمي، قد يعطي انطباعاً بأنها قد فقدت جزءاً كبيراً من قوتها الرقمية».
ولفتت إلى «وجوب الاهتمام بالجانب الإيجابي لكل المنتجات التي تعتمد أساساً على الثورة الرقمية... فالثورة الرقمية تضع دائماً الخيارات أمام الجميع».
وأكدت مديرة الجلسة نازلي شكري، أستاذة العلوم السياسية ومديرة «شبكة النظام العالمي للتنمية المستدامة»، أن «الحلبة المعلوماتية نشأت وتطورت وأديرت من قبل القطاع الخاص وأن الدول والحكومات دخلتها في شكل متأخر، وهذا الأمر يستدعي فهمنا هذا الواقع الجديد من أجل تحسين إدارتنا له ومواجهة التحديات التي يفرضها».
وقال أنتونيو لوبيز ستوريز، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الشعب الإسباني في مداخلته، إن ما يهمه كسياسي «العمل على قضايا الحريات العامة والأمن ورسم السياسات لخلق توازن بين الانفتاح على المستقبل الذي يمثله فضاء المعلومات وعدم خلق جدران عازلة أو إقامة أنظمة رقابة جماعية».
وأضاف أن «حق استعمال المواطنين وسائل الفضاء المعلوماتي يجب أن يكفل لأنه وسيلة للمشاركة والتأثير الإيجابي على أصحاب القرار». وأشار لوبيز إلى حادثتي التجسس بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ممثلاً بألمانيا قائلاً «إننا تعلمنا الدرس منهما وهو ضرورة بناء جسور الثقة بين الحلفاء وتركيز الجهود لمحاربة العدو المشترك الممثل في الإرهاب»... مضيفاً «نحن في إسبانيا، لدينا خبرة كبيرة في الحرب على الإرهاب واستطعنا تجفيف منابع الحركات الإرهابية».
وركز فيتالي ناومكن مدير «معهد الدراسات الشرقية» التابع للأكاديمية الروسية للعلوم على استعمال الفضاء المعلوماتي كأداة جديدة في الحروب، متوقعاً أن يزيد اللجوء إليه في الحروب المستقبلية التي تقوم على ثلاثة أضلع هي القوات الخاصة والطائرات من دون طيار والسلاح المعلوماتي».