خلف الستار هناك في غرفة (D) بالسلمانية مشاهد لمرضى سكلر يندى لها الجبين

تتزاحم الأوجاع لتلقي بالأجساد المنهكة بتلك الغرفة الضيقة والممرات الخانقة التي تكتظ بمريضات فقر الدم المنجلي (السكلر)، فخلف ذاك الستار الذي لا ستر منه حيث وجوده وعدمه أمر سيان تنكشف حقائق واقعنا المُهمل وتتجلى أبشع الصور التي تمارس ضد العالم المنجلي الذي يضم مرضى السكلر من كلا الجنسين.

كيف لي أن أصور تلك المشاهد التي تدمع لها محاجر القلوب بالوقت الذي تحجرت فيه أفئدة بعض الأطباء وبعض ممن يُلقبون بملائكة الرحمة، حيث يُفترض من منطلق هذه التسمية الصورية أن يكونوا أكثر رأفة وأكثر إيجابية بالتعاطي مع شكوى المريض وآلامه. فأية كارثة نعيشها وأي عقل له أن يستوعب حجم ما نعانيه من الظلم الواقع علينا!

عمليات استنزاف أرواح مرضى السكلر في تزايد مُطرد، أعداد مُريبة وضحية تلو الآخرى دون محطات توقف ولا مساءلات قانونية للمتسببين بهذا العدد الهائل من الوفيات، تهاون لا متناه واستخفاف غير طبيعي بأوجاعنا وآهاتنا وحملات جادة للقضاء علينا جميعاً يوماً بعد يوم وبلا رادع.

تعبنا وتهالكت أجسادنا ونفسياتنا من هذا الوضع المتأزم، واكتفينا من فقدان أخواتنا وإخواننا الذين شاء القدر أن يجمعنا ببعض تحت مظلة هذا المرض، فلا اعتراض على قدرنا ولا امتعاظ، وإنما الإستياء من مرارة العيش في مجتمع عجز عن فهم واستيعاب هذه الفئة واحتياجاتها.

مشردون نحن في وطننا البحرين الحبيب، فلا مكان يؤوينا ولا طبيب يحتوينا ولا شيء يهون علينا مرارة فقد أحبائنا. ففي تلك الغرفة الصغيرة (D) بمجمع السلمانية الطبي القوا بنا بعيدين عن أنظار الكل، فلا يوجد لنا طبيب محدد ليستقبل الحالات، ويشرف على علاجها ومتابعتها، هل لكم أن تتخيلوا أنه متى ما ألمت بنا النوبات وقصدنا طوارئ السلمانية نبقى ننتظر ما لا يقل عن ساعة وأكثر حتى يتكرم أحد أطباء الغُرف الآخرى بمعاينتنا، بحسب عشوائية دورة التناوب، على سبيل المثال لو أن هناك مريضتين بالسكلر فإن الأولى ينبغي أن يراها طبيب الغرفة (A) والثانية لطبيب غرفة (B) وهكذا يكون الوضع طيلة الأيام. وبالتالي يعتبر مريض السكلر مريضاً ثانويّاً وبلا شك، فإن الطبيب سيعطي الأولوية لمرضى الغُرفة الرئيسية التي تقع على عاتق مسئوليته مما يزيد من احتمالية تدهور حالة مريض السكلر وتتضاعف، وخاصة أننا أكثر عرضة من أي شخص آخر لمضاعفات سريعة وخطيرة قد تؤدي إلى وفاة المريض الذي اُضطر ذووه لجلبه إلى المستشفى لتلقي العلاج المناسب وانصرفوا عنه تاركين وراءهم أمانتهم التي يأملون تعافيها وخروجها من المستشفى سريعاً، لكنما وللأسف كثيراً ما تُنتهك الأمانة وتخيب الآمال بتلقي اتصال يحمل خبر انقضاء أجل مريضهم.

ناهيك عن كل هذا بروتوكول العلاج الذي يترك مريض السكلر يعاني الأمرين ببقائه دون علاج لمدة أربع ساعات وأكثر وخاصة أن أولى خطوات العلاج تبدأ بإعطاء المُغذي الوريدي وكما هو متعارف بأن أوردة معظم المرضى مستهلكة من جراء النوبات المتكررة ما يدفع الطبيب لترك المريض ينتظر طويلاً يُكابد الآلام العُضال ليتصدق عليه بنهاية المطاف بإعطائه حقنة مسكنة للألم يتضاءل مفعولها نسبيّاً كلما ساءت حالة المريض.

وأخيراً أرفع ندائي إلى وزيرة الصحة فائقة سعيد الصالح لتفتح ملف مرضى فقر الدم المنجلي (السكلر) وتعيد النظر بوضعنا الذي يتطلب الإصلاح من جميع الجوانب آملين بذلك بداية جديدة ومبادرة تثلج أرواحنا وبروتوكول علاج لأجسادنا التي أنهكتها الآلام.

هدى محسن عبدالحسين