دعا وزير الداخلية والبلديات في لبنان نهاد المشنوق، إلى خلق نواة إقليمية صلبة مبنية على تحالفات إستراتيجية، شبيهة بتحالف عاصفة الحزم، التي مثلت النواة الصلبة في حدها الأدنى من خلال العمليات العسكرية في اليمن، وفقا له، على أن يكون هدف هذه النواة حماية وتعزيز الاعتدال لمواجهة التطرف والإرهاب.
جاء ذلك في ختام جلسات «حوار المنامة» الذي اختتمت أعماله يوم أمس الأحد (1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، في فندق «الريتز كارلتون».
وخلال كلمته في الجلسة التي تناولت موضوع «إدارة النزاع في المنطقة»، قال المشنوق: «في لبنان نعاني من ترابط عضوي وتشابك بين 3 نزاعات محلية إقليمية ودولية، جعلت من المستحيل الفصل بين المحلي والإقليمي والدولي، الصراع الأول هو الصراع التاريخي العربي - الإسرائيلي الذي نعاني منه كعرب، وهذا الصراع وما له من امتدادات أنتج مشكلة لاجئين مستعصية تاريخيا، وكرس سلطة وهيبة مجموعات مسلحة في عدد من الدول على حساب الشرعية والجيوش والوطنية لفترة طويلة، أبرزها لبنان، إذ إن حجة مقاومة إسرائيل أنتجت ميليشيات مازالت تنهش في البلد».
وأضاف «هناك التمدد الإيراني، ويمكن اعتبار ما جرى من اغتيال للرئيس رفيق الحريري، وما أعقبه من إسقاط لحكومة الحريري، على أنها محطات في مخطط هذا التمدد المستند إلى قوى غير شرعية تتمثل في حزب الله والقوى الحليفة له». وواصل «بالإضافة إلى ما نواجهه من قوى متطرفة مثل داعش ومجموعات أخرى استفادت من تصدع الأنظمة العربية وفرضت نفسها كلاعب في الإقليم العربي، في السابق كانت المجموعات المتطرفة مرتبطة بالقاعدة وتلتزم بالعمل السري وتعتمد على الخلايا النائمة، فيما باتت اليوم تنتج نفطا وتصك عملات ووصلت لحدود لبنان».
واعتبر المشنوق أن سورية أصبحت ساحة صراعات، تحولت فيها سورية من لاعب إقليمي إلى مركز لتصفية حسابات اجتماعية ودينية وسياسية.
وقال: «ألا ترون معي أنه يجب إعطاء فرصة لروسيا في سورية؟ فروسيا سدت فراغا تركه الآخرون، ولكن يمكن الجزم أيضا أن طريقة تعامل روسيا مع هذه الأزمة لن تطول، لأن النفس الروسي قصير».
وفي العودة إلى الواقع اللبناني، أكد المشنوق أن الحكومة اللبنانية نجحت في ترسيم خطتها الرامية لترسيم خطتها الدولية، وأنهت الحرب الدائرة في شمال لبنان منذ سنوات خلال أشهر قليلة، مشيرا إلى أن حكومته الآن في خضم حوار لتطبيق مفاعيل هذه الخطة داخل مناطق حزب الله.
وقال عن ذلك: «إن هذا يعرّض مصداقية الخطة الأمنية للخطر، ويتضح بعد أقل من سنتين من الفراغ السياسي في لبنان، أنه لا يمكن أن تستقيم الحياة السياسية في لبنان من دون انتخاب رأس دولتها، فرئيس لبنان هو المسيحي الوحيد في الدول العربية، وهو ضرورة كبرى، وعلى الدول الكبرى أن تقنع الدول المعروفة بالكف عن تعريض الأمن اللبناني للخطر».
وتطرق إلى مشكلة اللاجئين السوريين، بالإشارة إلى أنه في قبالة كل 3 لبنانيين هناك سوري مقيم على الأراضي اللبنانية، وهو ما يعادل في حجمه دخول 200 ألف لاجئ لأوروبا، إلا أنه استدرك بالقول: «اللاجئون السوريون، وعلى الرغم من الضرر المعنوي والمادي الهائل الذي لحق بهم، شكلوا نموذجا يستحق الثناء. لكن هذا المنحى الإيجابي لم يقابله تحمل المجتمع الدولي لمسئولياته، وآخره مؤتمر الدول المانحة في الكويت الذي بقي في معظمه حبرا على ورق».
وأشار المشنوق إلى أن تورط حزب الله في الحرب السورية دعما للنظام، يهدد أمن واستقرار لبنان، وأن اعتداءه على رغبة الجزء الأكبر من الشعب السوري، يسبب استفزازا للشعب اللبناني المتعاطف مع الشعب السوري، وهو ما أدى -على حد قوله- إلى تكوين بيئة صالحة لنشوء خلايا متطرفة عملت على تعبئة مواطنين وجندت شباباً للقتال في سورية وللقيام بعمليات إرهابية في لبنان، مستدركا بالقول: «استطعنا رغم ذلك أن نواجه الإرهاب وتجفيف منابعه في لبنان والكشف عن خلايا نائمة».
وتابع «التيار السياسي الذي أمثله في الحكومة اللبنانية حمى الاعتدال في مواجهة التطرف، ولكننا بحاجة ماسة لتغيير جذري في منهجية وطريقة تعاطي دولنا العربية مع الملفات الشائكة. والأنظمة العربية لا تستطيع أن تبقي على نفسها وتحمي نفسها من خلال سياسة الانكفاء للداخل، وعلينا التخلي عن فكرة العمل الأحادي والجموح للقرارات المختلفة».
وانتقد المشنوق عدم تغيير إيران أيا من أساليبها في المنطقة، مشيرا إلى أن الاتفاق النووي لم يؤثر على سلوكها وتعاطيها مع ملفات المنطقة، وقال: «اليوم نسمع عن اكتشاف خلايا إرهابية نائمة ومستيقظة وأسلحة ومتفجرات وذخائر في عدد من الدول، مع تزايد الدور العسكري الإيراني المباشر من خلال الحرب السورية أو غير مباشر من خلال ميلشيات تابعة له».
وأضاف «حان الوقت ليعترف الجميع أن قوى الاعتدال وحدها يمكنها هزيمة التطرف والإرهاب، لا بحل عسكري من هنا أو حملات جوية من هناك، ألم تعد القاعدة للعراق بصفة داعش إلا بعد حملات القهر والتهميش التي تولتها قوى طائفية حكمت العراق؟».
واعتبر المشنوق أن بيروت يمكن أن تكون نموذجا يعمم في سورية ودول أخرى، وخصوصا على صعيد قدرة قوى الاعتدال على مواجهة التحديات والصعاب والوقوف سدا منيعا ضد الخطط الشيطانية -على حد وصفه- وإحداث تغيير جغرافي اجتماعي.
وختم الوزير اللبناني كلمته بالقول «ربيع سورية مرتبط باستقلال لبنان، وربيع دمشق يمر في بيروت. استيقظ العالم من سباته، وأوروبا بالتحديد، والتفت للتراجيديا الكبرى المتمثلة بالنازحين السوريين، وبدأنا نسمع عن جلسات عمل لتنظيم الهجرة غير الشرعية. وأنا أتساءل: أليس من الأجدى إنفاق هذه الموارد التي تنفق على تنظيم الزيارات والجلسات بمزيد من الجدية لإنهاء الحرب السورية، عوضا عن محاولة إرضاء الضمير العالمي؟».
وفي رده على الأسئلة التي طُرحت في أعقاب كلمته، قال المشنوق: «العلاقات العربية الإيرانية كانت دائما متوترة ولها طبيعة أمنية، واهتمام تركيا بالوضع في المنطقة العربية حديث، ففي العام 2002 على سبيل المثال، لم يكن لديها أي اهتمام بالدول العربية وإنما بالانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما أبدت اهتمامها مؤخرا بالدول العربية».
وأكد المشنوق على أهمية عقد القوى الإقليمية الحوارات والجلوس إلى طاولة مفاوضات، إلا أنه أثار تساؤلا بشأن الدولة العربية التي يمكن أن تجلس على طاولة الحوار مع تركيا وإيران، معلقا «حتى مصر لا تستطيع أن تجلس معهما لوحدها، لذلك نحتاج لوحدة عربية وفق مفهوم موحد للمصالح العربية، وبعدها الانتقال للحوار مع تركيا أو التفاوض مع الإيرانيين، وباعتقادي أن التحالف الاستراتيجي والسياسي والعسكري والاقتصادي المصري- السعودي يمكن أن يبدأ بهذا الحوار».
وفي تعقيبه على ما وصفته إحدى المشاركات في حوار المنامة بـ «الطبقة السياسية الفاشلة» في لبنان، عقب المشنوق بالقول: «لبنان له طبيعة خاصة، وهو ليس بلد انقلابات، ولا تستطيع أية جهة أن تسيطر عليه، وكل المحاولات السابقة أثبتت ذلك بسبب تعدده وطوائفه، وهذه الطبقة (الفاشلة) هي التي تسير الأوضاع في لبنان، ومع ذلك فالوضع الأمني تحت السيطرة بشكل كبير، وإن كان الوضع الاقتصادي سيئا، ولكن الوضع المالي ممتاز».
بلانت: نحتاج لحل مشكلة النازحين السوريين
وفي المحور نفسه، أكد رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني كريسبن بلانت على الحاجة الملحة لمعالجة مشكلة النازحين السوريين.
وقال: «اليوم ما من قوى يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة، حتى وإن كانت المملكة المتحدة، والواضح أن هناك إرادة محدودة من القادة والأميركيين عامة للإسهام في هذه الحلول، وأرى أن على تركيا وإيران ومصر والسعودية أن تكون مصادر سلم في المنطقة».
واعتبر بلانت أن حل مشكلة النازحين السوريين ينبغي أن يبدأ بضمان ملاذ آمن للشعوب كافة وتوفير المساعدة لهم بشكل ملائم من المجتمع الدولي برمته، مع وضع حد لمستقبل النزاع وتحقيق هذه التسوية.
وقال: «من حق تركيا والأردن ولبنان طلب المساعدة لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية، فهم بحاجة لتضامن من العالم المتقدم، وهو ما أخفقنا فيه للأسف، بل إن هناك إخفاقا مزدوجا ليس إزاء التعامل مع الآثار فقط، وإنما في تقويض الخيارات السياسية التي باتت لها آثار سلبية».
وأضاف «مازال هناك أمل في سورية، ولكن تزايدت أزمة اللاجئين، وهناك من يجتازون البحر المتجمد من أجل التوصل لملاذ آمن. وهناك حاجة لاستجابة على المستوى السياسي وشهدناها مع ألمانيا التي أعطت هؤلاء النازحين الدعم وتوفير فرص التعليم لهم لكي تتم الاستفادة من قدراتهم».
ودعا بلانت إلى تذليل العقبات والحد من التوتر في مخيمات اللاجئنين في المنطقة، مشيرا إلى أنه يقع على عاتق المنتخبين من السياسيين مسئولية مهمة تتخطى المسئولية التنفيذية، باتخاذ القرار السياسي الصحيح لتسوية النزاع واعتماد السياسات الملائمة لضمان عدم اتخاذ هؤلاء الأشخاص قرارات مصيرية غير صائبة والانتقال بحرا إلى أوروبا.
العدد 4804 - الأحد 01 نوفمبر 2015م الموافق 18 محرم 1437هـ