فيما يواصل فيلم «دكان شحاتة»، التي تلعب دور البطولة فيه المغنية اللبنانية هيفاء وهبي، ويشاركها فيه البطولة محمود حميدة نجاحاته غير المتوقعة، حيث بلغت إيراداته، كما ينقلها سعيد إبراهيم، الكاتب بصحيفة «الوطن» السعودية نحو «4 ملايين جنيه من عرضه في 60 شاشة سينما في القاهرة والإسكندرية وغيرها»، تتصاعد الدعاوى القضائية الموجهة ضده. ولربما كان مخرج الفيلم خالد يوسف محقا حينما طالب بعدم عرض الفيلم في حفل خاص مغلق حضره رجال الإعلام فقط، حين طالب في مؤتمره الصحافي الذي عقده حينها، وتحدث فيه عن «المصاعب التي واجهت عرضه من قبل العديد من الجهات» بضرورة «إلغاء الرقابة على المبدعين لأنهم ليسوا أقل حبا لوطنهم من الجهات السيادية التي تقرر عرض أو عدم عرض الفيلم».
فقد كان يوسف يخاطب «جبهة علماء الأزهر» التي ينقل عنها سعيد إبراهيم مطالبتها «بوقف عرض الفيلم، بعد أن خاطبت بعض كبار المسئولين في مصر، ومن بينهم الرئيس المصري حسني مبارك كي يتدخلوا من أجل وقف عرض الفيلم، بسبب المشاهد التي تظهر فيها هيفاء وهبي في مسجد الحسين». الأمر الذي يوجه، كما ينقل إبراهيم وجاء في بيان الجبهة «إهانة للمقدسات الإسلامية». ويمضي البيان متهما الفيلم قائلا: إنه تسبب في «هتك شرف الأمة واستباح حرمة مساجد مصر بعد الأزهر للرقص الداعر».
أدى ذلك الموقف فيما أدى إليه، أن يبادر وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق كي ينفي إعطاءه«التصريح لتصوير مشاهد من العمل الفني الذي قامت ببطولته الفنانة هيفاء وهبي في المشهد الحسيني». جاء ذلك بعد «تقديم طلبات إحاطة ضد الوزير في مجلس الشعب حول التصريح لأعمال فنية تسييء لبيوت الله في الأرض».
انظم إلى تلك الجبهة رئيس اللجنة الخماسية لإدارة المجلس الأعلى للطرق الصوفية الشيخ محمد الشهاوي، الذي أكد أن المجلس قرر «إقامة دعوى قضائية تطالب بوقف الفيلم والمطالبة بتعويض للطرق الصوفية والدفاع بكل حزم تجاه هذه الإهانة».
هبت هذه الزوبعة قبل قدوم الرئيس الأميركي «باراك أوباما» إلى القاهرة، والإشادة التي اعترف فيها بدور «الأزهر الشريف كأحد المنابر التاريخية التي كونتها الدولة الفاطمية لكي يشع نور العلم والهداية»، مفتخرا بأن تستضيفه «مدينة القاهرة الخالدة حيث وقفت جامعة الأزهر منذ أكثر من ألف عام كمنارة للعالم الإسلامي... وبأن الإسلام من جامعة الأزهر هو الذي حمل شعلة العلم عبر قرون طويلة معبدا الطريق لعصر النهضة والتنوير في أوروبا».
وانطلق ذلك الهجوم من قبل المؤسسات الإسلامية، يقودها الأزهر الشريف، في خضم افتتاح خدمة الهاتف الإسلامي في بريطانيا والتي يستطيع من خلالها المتحدث أن يترك استفساره على أن يتم الرد عليه في غضون ثماني وأربعين ساعة من قبل بعض علماء الأزهر، مع مجموعة أخرى من علماء الدين الإسلامي من مصر وبعض الدول العربية». وقبل كل ذلك، بأيام، كان الأزهر الشريف يساهم بورقة قيمة قدمها وكيل الأزهر السابق رئيس لجنة «التقريب بين المذاهب» محمود عاشور، عن «واقع الأمة الاسلامية حاليا» في الندوة التي عقدتها في بيروت جريدة النهار اللبنانية.
ليس القصد من إثارة هذا الموضوع الدفاع عن «هيفاء وهبي»، أوالدخول في تقويم الفيلم من الناحية الفنية، بل ولا حتى الحكم على حق الأزهر الشريف في التصدي لمثل هذه الموضوعات أم لا. فالأهم من ذلك كله هو: ما هي الأولويات التي يتطلع المسلمون إلى الأزهر كي يتصدى لها قبل الوصول إلى موضوعات ثانوية، مثل موضوع «دكان شحاته»، التي ربما بل وينبغي أن تتراجع كي تقبع في قاع سلم المهمات الملقاة على عاتق الأزهر كمؤسسة تتربع على قمة المؤسسات الإسلامية.
على الصعيد السياسي، هناك وحدة الأمة الإسلامية، أو كحد أدنى، الحد من عمق التشرذم الذي ينهش جسدها المتخم بجراح الخلافات بينها قبل «دمامل» التي زرعتها السهام التي يطلقها عليه أعداؤها. وبعدها تأتي أراضي الأمة الإسلامية المحتلة، كما فلسطين، وثرواته المنهوب، كما هو الحال في كثير من بلدانه ومن بينها دول عربية مثل العراق.
وعلى المستوى الاقتصادي، هناك التبعية الاقتصادية التي تعاني منها، اقتصاديات الكثير من الدول الإسلامية، والتي ما تزال سجينة قيود كثيرة، لعل أكثرها وضوحا، هو تبعية عملاتها للعملة الأميركية (الدولار)، وإصرار تلك الدول على عدم انعتاقها من تلك الذيلية، حتى بعد ناء الدولار بأنوائه، وتهاوت قيمته تحت ضربات الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي.
والقائمة طويلة على الصعيدين، السياسي والاقتصادي، وهناك قوائم أخرى أطول في مجالات أخرى مثل التعليم والأحوال الاجتماعية.
هذه الحالة المتردية التي تعيشها الأمة الإسلامية، تطالب الأزهر، كمؤسسة إسلامية، أن يترفع عن هذه الصغائر، ويتركها لغيره من مؤسسات إسلامية أخرى، ويتصدى هو، عوضا عن هدر إمكاناته وطاقات الأمة الإسلامية معها، للقضايا الكبرى التي ليس بوسع، وليس من حق أحد سوى الأزهر أن يتصدى لها.
ويمكننا أن نسوق مثلا، قد يبدو ساذجا، ولكنه يحمل الكثير من الدلالات، فالأزهر الشريف هو من بين فئة قليلة من المؤسسات الإسلامية الشرعية التي تدرس المذاهب الخمسة، ولا تقصر دراساتها على أي مذهب من تلك الخمسة دون سواه.
فهل يترك الأزهر الشريف قضية صغيرة مثل فيلم «دكان شحاته» كي يتفرغ لما هو أهم من ذلك «الدكان» المتواضع والتي هي هموم الأمة الإسلامية وقضاياها المصيرية.
وما ينطبق على الأزهر الشريف ينطبق أيضا على الكثير من مؤسسات العالم الإسلامي، بما فيها تلك التي تأخذ من البحرين مقرا لها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2471 - الخميس 11 يونيو 2009م الموافق 17 جمادى الآخرة 1430هـ