تعاني الأسواق الناشئة في العالم من ضغوطٍ تستلزم مراجعة توقعات الناتج المحلي الإجمالي الأصلية. ورغم هذا، فإن ستاندرد تشارترد لايزال متفائلاً بفرص النمو التي تطرحها منطقة إفريقيا والشرق الأوسط. وفي إطار منصبي الجديد بوصفي الرئيس التنفيذي للبنك في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، فإنني أتطلع إلى التحديات والتنوع وأهداف النمو التي ستقدمها هاتان المنطقتان خلال السنوات القادمة.
لقد بدأ بعض الشك يعتري حكاية «نهضة إفريقيا» مع وجود ادعاءات بالمبالغة في إحصائيات النمو. هل لايزال على المستثمرين النظر إلى إفريقيا باعتبارها مصدراً للعوائد الإيجابية على الاستثمار في المستقبل؟ بالطبع نعم. وقد يكون للضغوط العالمية تأثير هامشي على توقعات الناتج المحلي الإجمالي، ولكننا على ثقة بأن إفريقيا على المدى البعيد ستتفوق على معظم الأسواق الأخرى من حيث النمو. إننا نشهد في الوقت الحالي المزيد من المستثمرين في إفريقيا، يقيمون استثمارات فيها ويدفعون إمكانات الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه المنطقة السريعة التطور. لقد ضاعف المستثمرون الأفارقة بنحو ثلاث مرات حصتهم في مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة خلال العقد الماضي - من 8 في المئة عام 2003 إلى أكثر من 22 في المئة اليوم.
أما في الشرق الأوسط، حيث دول الخليج الغنية بالنفط، فيُعد مستقبل النمو زاهراً على رغم التوترات الإقليمية المحيطة. ومن المتوقع أن تصبح المنطقة واحدة من أسرع مناطق العالم نمواً خلال السنوات المقبلة مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط سنوي قدره 4.1 في المئة. ويجب ألا تنتقص المشاكل الاجتماعية والسياسية في بلاد الشام وشمال إفريقيا من مرونة وقوة اقتصاديات دول الخليج - وهي الاقتصاديات الكبرى - التي تلعب دوراً متنامياً في التكامل الإقليمي. إذ تستفيد اقتصاديات الدول الخليجية من قوة ما طرحه قطاع النفط والغاز من حركة على مر السنوات، فضلاً عن التركيز المتزايد الذي توليه المنطقة لأهداف التنمية البعيدة المدى من خلال التنوع الاقتصادي الذي يشكل عاملاً إيجابياً نحو النمو المستدام.
وعلى رغم أن أوجه الاختلاف بين إفريقيا والشرق الأوسط أكثر من أوجه الشبه، إلا أن المنطقتين تتشاركان في محركين رئيسيين عندما يتعلق الأمر بالإمكانيات الاقتصادية المستقبلية: الديموغرافيات والتوسع السريع في الممرات التجارية.
تنعم إفريقيا - بوصفها المنطقة الأكثر شباباً من العالم - بأسرع الطبقات المتوسطة نمواً بنسبة تفوق 60 في المئة من سكان المنطقة تحت سن الـ25 عاماً. وسيكون لدى إفريقيا خلال عقدين من الزمن أكبر قوة عاملة في العالم، مع اتجاه نيجيريا إلى أن تصبح الدولة الرابعة في العالم من حيث عدد السكان. وعلى رغم أن توفير فرص العمل في القطاع العام لايزال يمثل مشكلة، إلا أن الأمور الأخرى تعد متوازنة، وهذا الجانب الديموغرافي يجب أن يدعم النمو في إفريقيا ويوجه إنفاق الاستهلاك وأسعار الأصول، وكذلك يدعم مدخرات التقاعد للمزيد من الاستثمار.
وتأتي منطقة «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» بعد إفريقيا في نسبة الشباب بين التعداد السكاني، إذ إن نصف سكان المنطقة دون سن الـ25 عاماً. وتتوقع تقديرات صندوق النقد الدولي زيادة التعداد السكاني من 445 مليون نسمة عام 2000 إلى 720 مليون نسمة خلال 5 سنوات. وتأتي النسب العالية من الوافدين بين السكان في دول الخليج لتعزز الهيكل الديموغرافي وتدفع الحاجة إلى وجود خدمات مالية متطورة.
تظل التجارة مصدراً جيداً للدخل لكلتا المنطقتين، والممرات التجارية في إفريقيا معروفة بشكل واسع - لا سيما مع آسيا؛ المنطقة التي يُتوقع لها تجاوز أوروبا كأكبر شريك تجاري للقارة بحلول عام 2020. كما تلعب منطقة الشرق الأوسط دوراً أكثر تكاملاً في الممرات التجارية في العالم حيث توفر دبي حلقة وصل لبعض أسرع طرق التجارة نمواً، ويتجاوز حجم التجارة بين إفريقيا وآسيا الآن 50 مليار دولار أميركي.
يذكر أن الصادرات غير النفطية من الشرق الأوسط إلى إفريقيا تشكل معظم هذا الطريق التجاري حيث تستورد الدول الإفريقية المزيد من المنتجات المصنعة والسلع الرأسمالية. كما تعمل دول الخليج على تسهيل عدد من الشراكات التجارية بين إفريقيا والهند، وتُقدر هذه العلاقة الثلاثية الأطراف في الوقت الحالي بقيمة 200 مليار دولار أميركي، ويُتوقع أن ترتفع إلى 2.7 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2030.
وعلى رغم أن السلع الأساسية تظل مُهيمنة على صادرات إفريقيا، إلا أنه يوجد تغيُّر واضح منذ عام 2001 مع الزيادة في قاعدة المستهلكين في إفريقيا. ويذكر أن المعدلات المرتفعة للاستهلاك الخاص في الفترة الأخيرة فاقت صافي الصادرات في توجيه النمو بشكل عام.
لقد شهدت الاقتصاديات الإفريقية الغنية بالنفط أقوى معدلات النمو، ولكن بصفة عامة وعلى مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الأخيرة شهدت الاقتصاديات الإفريقية تسارعاً في نمو الناتج المحلي الإجمالي - سواء الغنية منها أو الفقيرة في الموارد.
قد تؤدي الحرب المستمرة على تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط والهجمات الإرهابية المتقطعة في إفريقيا والاضطراب السياسي الذي تشهده بعض الأسواق إلى غرس المخاوف في نفوس بعض المستثمرين المحتملين. ومع ذلك، فإن هناك إدراكاً متزايداً من الحكومات أن الأمن الاقتصادي والأمن السياسي يمضيان يداً بيد. وقد مهد هذا السبيل إلى تكتلات إقليمية وتعاون أكثر قوة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني.
وعلى رغم التحديات المعقدة، إلا أن الفرص الأساسية في كلتا المنطقتين تبشر بمنافع مفصلية. فعلى سبيل المثال، لننظر إلى أسواق رأس المال السريعة التطور في إفريقيا: فخلال ثلاث سنوات فقط، وصلت 12 دولة من الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى إلى سوق السندات الأوروبية، جالبة ما يزيد على 17 مليار دولار أميركي من رأس مال التنمية في القارة. مُدد القروض تتزايد، والمزيد من البنوك المحلية تشارك الآن في القروض المشتركة، التي هيمنت عليها المصارف الأجنبية بشكل تاريخي - ما يمهد الطريق لمشاركة أوسع ومنحنيات عائد أطول.
إن إقبال منطقة الشرق الأوسط على منتجات الأعمال المصرفية الإسلامية المُعززة يفتح الباب أمام البنوك والمؤسسات المالية في المنطقة للاستجابة إلى ذلك بذكاء. فإمكانيات النمو في هذا القطاع المتخصص عالية مع وضع التزايد السريع في تعداد المسلمين حول العالم في الاعتبار، إضافة إلى أن نسبة 1 في المئة فقط من السوق المالية النامية في العالم متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. ونضيف إلى ذلك التزام دبي بخططها المتمثلة في أن تكون مركز التمويل الإسلامي عالمياً.
خلاصة القول، ففي الوقت الذي تتشارك فيه إفريقيا والشرق الأوسط في محفزين أساسيين للنمو الاقتصادي المستقبلي، فإن كلاً منهما يتطلب منهجاً فريداً في استيعاب الثقافات المتنوعة والالتزام التنظيمي والإدارة الفعالة للمخاطر. كما أن المؤسسات المالية التي تعتمد على التكنولوجيا في الارتقاء بحلولها وخدماتها المالية وتيسير طرق الوصول إليها، مع العمل على توفير الدعم المتخصص في قطاعات النمو - مثل التمويل التجاري - تلعب دوراً مهماً في تحويل الإمكانية الاقتصادية لهذه المناطق الإقليمية الديناميكية إلى واقع.
إقرأ أيضا لـ "سونيل كاوشل"العدد 4803 - السبت 31 أكتوبر 2015م الموافق 17 محرم 1437هـ