يقرأ المراقبون في علم الجغرافية السياسية بأن منطقة الشرق الأوسط مقبلة خلال سنوات على تغييرات جذرية في التحالفات، وربما تتعدى التحالفات إلى إنشاء كانتونات جديدة على غرار سايكس- بيكو، فجنوب السودان كان بداية، والاستقلال الذاتي للأكراد مقدمة لتأسيس دولة كردية، وربما تقود الأحداث في سورية والعراق وبعض دول المنطقة الأخرى إلى نفس المصير. ومن المتوقع أن يشهد إقليم الشرق الأوسط، متغيرات رئيسية، تشكل إقليماً جديداً مختلفاً عما كان موجوداً من قبل، سواء من حيث نوع القوى التي تؤثر على تفاعلاته، أو فيما يتعلق بحالة الاستقرار والأمن فيه.
وهناك من يقرأ عدم رغبة واشنطن في الهيمنة على دول هذه المنطقة كما كان في الماضي، إذ لم تعد الولايات المتحدة القوة الرئيسية المهيمنة على تفاعلات الشرق الأوسط، بمعنى آخر لم تعد منطقة الشرق الأوسط بؤرة اهتمام السياسة الأميركية، وذلك لأسباب خاصة بتغير أولويات واهتمامات واشنطن مع تزايد اهتمامها بآسيا ودول المحيط الهادي.
فمن بعد مرحلة «الربيع العربي» فإنه يبدو أن ما تمر به شعوب المنطقة سيكون أكثر قساوة بسبب تراجع عدة عوامل منها تفاقم الاضطرابات واستمرار القمع، وغياب دور الدولة الوطنية في مقابل انتشار الجماعات المسلحة، والتي تشهد زخماً كبيراً والتي سيصاحبها مرحلة من الفوضى الأمنية، وهو ما تعيشه دول الربيع العربي الآن سواء التي شهدت ثورات أو احتجاجات. وهو أمر لا تريد واشنطن الاستغراق فيه بقدر أنها تبحث عن أقاليم أخرى أقل إزعاجاً وأكثر فائدة من دول المنطقة العربية.
ومن الصعب فهم سرعة هذه المتغيرات في المنطقة التي تعد أكثر غموضاً ومفاجأة خلال العقود الأخيرة، فمنذ العام 1973 توقفت الحروب الموسعة في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، وبدلاً منها حلّت مسألة الحروب المحلية المحدودة، والتي امتازت بحرب مع تنظيمات إرهابية، أو الحروب الثلاثة الكبرى التي حدثت في منطقة الخليج مثل حرب العراق-إيران، وحربي الخليج، وهذا التغيير مرتبط بمتغيرين أقل أهمية وهو أن معظم رؤساء الدول العربية تبنوا فكرة حل النزاع العربي الإسرائيلي عن طريق السياسة وليس عن طريق الحرب.
أما عن القضية الفلسطينية فهي في نهاية سنوات التسعينيات كان واضحاً أن هذه القضية تخطو باتجاه الحل؛ لكنها دخلت إلى طريق مغلق واستمرار العنف حتى اليوم. كما أن الدول العظمى الموجودة في الشرق الوسط تبدلت؛ تأثير بريطانيا وفرنسا في المنطقة انتهى منذ نهاية الخمسينيات، وبدلاً منهما حلت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، تأثير الاتحاد السوفياتي تقلص في نهاية السبعينيات مع تحول مصر للتوجهات الأميركية، وانهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات، أبقى الولايات المتحدة الأميركية الدولة العظمى الوحيدة في العالم لكن هذا الدور بدأ يتغير.
فمن ناحية، اتجهت روسيا مؤخراً، إلى المنطقة سعياً منها لتقديم نفسها كبديل، أو منافس موازٍ للولايات المتحدة في المنطقة بعد تدخلها في سورية. كما لم تعد القوى الآسيوية تلعب دوراً اقتصادياً فقط في المنطقة، لا سيما الهند والصين، حيث تمر سياسات هذه الدول تجاه المنطقة بتحولات تعيد دورها كفاعل سياسي وليس اقتصادي بل صانع للقرار في أحيان كثيرة، كما هو الوضع في حالة الصين، إذ لعبت بكين دوراً مهماً في إتمام الاتفاق النووي الذي أبرم في جنيف بين إيران ومجموعة «5+1» في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، على نحو يعكس رؤية محددة لها فيما يتعلق بقضية الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط.
كما تقدمت الصين بمبادرة النقاط الأربع من أجل تسوية الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل في مايو/ أيار 2013، وطرحت مبادرة لتسوية الصراع في سورية سلمياً في نوفمبر 2012. وفي حالة الهند، فإنها لم تعد مصدر العمالة الرخيصة فقط، إذ يلاحظ بداية تحولها إلى فاعل أمني، إذ أصبح هناك دور أمني محتمل يمكن أن تقوم به في المنطقة، خاصة في منطقة الخليج، التي يعد أمنها جزءاً من الأمن القومي الهندي، وهو ما تكشف عنه مناقشات حوار المنامة التي تعقد سنوياً وكان أهمها للدول الآسيوية في العام 2013. أضف إلى ذلك التقارب الأميركي - الإيراني وتداعياته على المنطقة.
إن القراءة الجديدة لشكل المنطقة العربية يعود بالدرجة الأولى مع «انقلاب» 3 يوليو في مصر والذي أدى إلى بداية تقسيم ورسم جديد للمنطقة وخاصة أنه لا يعني مثلاً اتفاق هذه الدول على أن إسقاط حكم الإخوان، وجود توافق بينها حول مستقبل دول المنطقة، إذ إن هناك خلافات بين هذه الدول، أحدها مرتبط بالصراع في سورية، والموقف من التدخل الدولي، هذا إلى جانب الاستمرار في خلق نزاعات هنا وهناك داخل المجتمعات ضمن صراعات مذهبية وأخرى مازال يغيب عنها عنصر الأمن والاستقرار أو تعيش تحت قبضة الدولة الأمنية.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4803 - السبت 31 أكتوبر 2015م الموافق 17 محرم 1437هـ
الصراع الطائفي
يؤلمني ان أقول هذا الشيء و لكن الحقيقة هي ان الصراع في سوريا صراع طائفي بحت حيث ان الغالبية الساحقة من الشعب السوري سنه و لازيريدون ان يحكموا من قبل أقلية