قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ليس حركة دينية، مؤكدا ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد اليوم من أجل البدء في إعادة بناء سورية، معتبرًا أن النزاع في اليمن بات في مراحله الأخيرة.
جاء ذلك خلال جلسة «الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي الإيراني»، ضمن جلسات حوار المنامة الذي استمرت أعماله يوم أمس السبت (31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، في فندق «ريتز كارلتون».
وخلال كلمته، أبدى الجبير ترحيبه بالاتفاق النووي الإيراني، من منطلق أنه يضع إيران تحت الرقابة وفي كيفية تنظيم برنامجها النووي وإنتاجها لليورانيوم، إلا أنه استدرك بالقول: «لكننا لا نعرف ما إذا كانت هذه فرصة لإعادة اندماج إيران في المنطقة، وما إذا كانت إيران ستلعب دوراً فعالاً في المنطقة، وستتوقف عن سياستها العدائية أم لا».
وأضاف «نعرف أن إيران تواجه الكثير من التحديات على مستوى البُنى التحتية المحلية، وهي بحاجة إلى تحديث قطاعها الصناعي، وبحاجة إلى معالجة الكثير من المسائل التي ستكلفها نحو 700 مليار دولار»، مبدياً أمله أن تستغل إيران عائدات رفع العقوبات عنها في التنمية بدلا من استخدامها في تمويل سياساتها السابقة، وأن تكون عضوا فعالا في المنطقة، لا أن تستمر في سياستها العدائية.
أما فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المنطقة، فأشار الجبير، إلى أنه بغض النظر عن الاتفاق النووي الإيراني، فإنها مرتبطة بسورية والعراق واليمن والإرهاب، لافتاً إلى أن الفرص الماثلة في المنطقة ترتبط بثلاثة محاور، تتمثل في التنمية الاقتصادية والاستثمار والشباب والتكنولوجيا.
واعتبر أن عوامل الاستقرار في المنطقة تقوم على توحيد دول مجلس التعاون الخليجي، وإقامة علاقات صداقة مع ايران، وهو ما سيحتاج إلى وقت طويل حتى يتحقق، لافتاً إلى أن التحديات التي تواجهها سورية في الوقت الحالي، تتمثل في الحرب التي أودت بحياة 360 ألف سوري، ونزوح نحو 12 مليون شخص من سورية، وما خلفه ذلك من تأثيرات مترتبة على الدول المجاورة.
وقال: «المسألة الأساسية تعتمد على تغيير القيادة في سورية، وكذلك صياغة دستور جديد؛ لكي تتمكن سورية من الانتقال إلى مستوى أفضل من دون دور يلعبه بشار الأسد مستقبلا، وهذه الأهداف التي نضعها نصب أعيننا وهو ما تتطلع إليه أيضا الأسرة الدولية، وفقا لما بنيت عليه مبادئ جنيف».
وأضاف «في اجتماع فيينا تم التوصل إلى توافق بشأن عدد من الموضوعات المتعلقة بأهمية المحافظة على سلامة وتكامل الأراضي السورية، وتحدثنا أيضاً عن الشكل المستقبلي المرجو لسورية، وهو الجمهورية الديمقراطية، وكذلك حماية الأقليات، كما تطرقنا إلى السعي لإنشاء دولة سورية تحترم مبادئ جنيف1».
وتابع «تحدثنا عن التطلع إلى إنشاء دولة سورية تشكل جزءا لا يتجزأ من المنطقة، وتحدثنا عن ضرورة توفير المساعدات والإغاثات الإنسانية لسورية».
أما النقاط الخلافية بين المشاركين في اجتماع فيينا، فأوضح الجبير أنها تمثلت في توقيت رحيل بشار الأسد، وتوقيت ووسائل انسحاب كل القوات الأجنبية من سورية، وخصوصا الإيرانية.
وعلى رغم تفاؤله بما أفضى إليه اجتماع فيينا، فإن الجبير اعتبره غير كاف، مبينا أن هناك اجتماعا آخر سيعقد للتباحث بشأن إيجاد حل للمسألتين المختلف بشأنهما.
وأكد استمرار دعم بلاده للمعارضة السورية المعتدلة، مؤكدا أن سياسة السعودية تجاه سورية لم تتغير، مطالبا باستمرار العمل بتطبيق مبادئ جنيف1، وإنشاء مجلس حاكم انتقالي يقود البلاد في المستقبل بطريقة مؤقتة ويصيغ الدستور ويعقد انتخابات، وينشئ دولة سورية جديدة، لا يكون لبشار الأسد أي دور فيها.
كما أشار إلى مساعي بلاده لإنشاء دولة سورية لا يكون فيها أي قوى أجنبية، وخصوصاً القوات الإيرانية، معتبرا أن ذلك أمر مهم لضمان عدم استطالة الأزمة السورية.
وعلى صعيد العراق، قال الجبير: «إن العراق بذل الكثير من الجهود من خلال حكومة العبادي من أجل تطبيق الميثاق الذي تم التوصل إليه في الصيف الماضي، من أجل إنشاء دولة عراقية تتمتع فيها كل الأقليات الاثنية والعرقية بحماية لحقوقها، وتشارك في بناء الدولة العراقية».
وأضاف «واجه العراقيون في مساعيهم هذه تحديات جمة، لكنهم يحدثون الكثير من التقدم، ونحن ندعم جهودهم في هذا الإطار».
أما فيما يتعلق بالعلاقات بين سورية والعراق على صعيد مواجهة «داعش»، فقال الجبير: «لدينا مسألتان مهمتان على هذا الصعيد، بشار الأسد والإصلاحات في العراق، وطالما أن الأسد موجود في سدة السلطة، فإنه سيعمل على جذب القوى التي تريد أن تحارب داعش، وأي مساع لمحاربة داعش في المنطقة من دون التطرق إلى جذور المشكلة، المتمثلة بالأسد، فإنها محكومة بالفشل».
وأضاف «مشكلة داعش في العراق، مرتبطة ارتباطا مباشرا بالإصلاح، فما إن تنفذ الإصلاحات، فإن الأرض الخصبة التي تستغلها داعش للعمل في العراق، لن تكون موجودة بعد اليوم، وسيكون من الأسهل بالنسبة إلينا أن نحشد القوى في البلاد لتدمير داعش بالكامل».
وفي الشأن اليمني، اعتبر الجبير أن ما يدعو إلى التفاؤل في اليمن، أن قوى الحكومة الشرعية أعادت سيطرتها على معظم الأراضي في البلاد، واستطاعت أن تفتح أبوابها أمام المساعدات والإغاثات الإنسانية الأجنبية، وفقا له، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن القوات الحوثية وقوات علي عبدالله صالح، قبلت بقرار مجلس الأمن 22/16، آملا أن يتواصل الدعم لهذه المساعي، متوقعا الكثير من العثرات في هذا المجال، إلا أنه يرى أن هذا النزاع دخل في مراحله الأخيرة، على حد تعبيره.
وفي حديثه عن الإرهاب، برر الجبير انتشاره في المنطقة بسبب انهيار وفشل عدد من الدول، على الأقل في سورية وليبيا واليمن، مؤكدا في هذا الصدد ضرورة أن يعمل صناع القرار على تحقيق الاستقرار وتقوية المؤسسات في تلك الدول، وتوفير شروط التنمية الاقتصادية في تلك البلدان؛ لكي تولد الفرص الاقتصادية، وليتم اجتثاث جذور الإرهاب، وخصوصا ذلك المرتبط بتنظيم داعش والقاعدة.
وختم كلمته بالحديث عن دول الخليج، قائلا: «لدينا اعتقاد أن علينا في الخليج أن نسخر طاقات الشباب من خلال الحياد في دربهم، ومن خلال توحيد قوانيننا الاقتصادية، وأن تكون تدخلات الحكومة أقل من القطاع الخاص، وأرى أن التحديات التي نواجهها قابلة للحل، ونحن عازمون في دول الخليج على العمل باتجاه تحقيق أهدافنا، وأي شخص يراهن ضد مجلس التعاون الخليجي سيخسر لا محالة».
وفي رده على الأسئلة التي وُجهت إليه بشأن موعد رحيل الأسد، قال الجبير: «يجب أن يغادر اليوم بعد الظهر، فكلما أسرعنا في رحيله أسهمنا في إعادة بناء سورية، ويجب أن نضمن ألا يؤدي رحيله إلى انهيار مؤسسات الدولة وألا يترك فراغا في سورية، وكان التفكير أن يتم تشكيل مجلس انتقالي؛ كي يكون هناك تسهيل للعملية الانتقالية، وهذا المجلس يجب أن يكون مجلسا ممثلا لكل الفئات السورية».
وأكد الجبير استمرار خيار بلاده في دعم المعارضة المعتدلة عبر منحها المزيد من الأسلحة.
وفي تعليقه على زيارة الأسد الأخيرة لروسيا، قال الجبير: «زيارة بشار الأسد لروسيا مثيرة للاهتمام؛ لأنها كانت بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، آملا أن تتخذ روسيا هذه الفرصة لإقناع الأسد بالمرحلة الانتقالية بعد أن دخلت القوات الروسية سوريا لدعم الأسد».
أما في تعليقه على تنظيم «داعش»، فقال: «داعش ليست حركة دينية، وإنما مجموعة من الأفراد الذين يذهبون للمشاركة في الحرب، وهم إما من الإيديولوجيين، أو ممن يرون أنهم ذاهبون لتأدية رسالة دينية من خلال مشاركتهم في حرب طائفية، أو من الشباب الضائعين الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة».
وأضاف «بإمكان التطرف أن يكون مرتبطا بالايديولوجية وسوء تفسير الدين من قبل أية ديانة، فما الفرق بين مستوطن إسرائيلي متطرف وعنصر من داعش متطرف؟، كل يساوي الآخر في تطرفه».
وقال الجبير، في رده على مستوى التحالف الخليجي مع دول الغرب بعد الاتفاق النووي: «ما زلنا حلفاء للغرب، وعلى تواصل مع وكالة الطاقة الذرية، لكن مسئولية تنفيذ الاتفاقية تبقى على البلدان الموقعة عليها لاستشراف تنفيذها».
وفي حديثه عن علاقة السعودية بالعراق، أكد الجبير مساعي بلاده لتحقيق الاستقرار في العراق، وقال: «نعلم أنه مسار شاق، لكنه في الاتجاه الصحيح»، معلنا افتتاح سفارة سعودية في بغداد وقنصلية في أربيل.
أما في تعليقه على الوضع الاقتصادي للسعودية مع تراجع أسعار النفط، فأكد الجبير أن السعودية وجاراتها من الدول تمكنت من زيادة مخزونها، وأن السعودية من أقوى عشرين اقتصاداً في العالم، ناهيك عن تمتعها بمنشآت تجارية مزدهرة وقوانين جاذبة للاستثمارات الخارجية، وفقاً له.
ونفى أي مساع لدى بلاده لتغيير سياستها على صعيد المساعدات الخارجية، باعتبار أنها جزء لا يتجزأ من سياستها الخارجية من أجل حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
العدد 4803 - السبت 31 أكتوبر 2015م الموافق 17 محرم 1437هـ