العدد 4802 - الجمعة 30 أكتوبر 2015م الموافق 16 محرم 1437هـ

آفاق التعاون المشترك بين «الإسلاميين» و«العلمانيين»

رضي السماك

كاتب بحريني

مضى حين من الدهر سادت خلاله أجواء من انعدام الثقة فصائل المعارضة في الأقطار العربية، وتحديداً بين القوى والأحزاب والحركات اليسارية من جهة، والقوى والأحزاب والحركات الاسلامية في الأقطار العربية، حتى بلغ الصراع أوجه بتحوله إلى صراع مسلح، كما هو الحال في البلدان العربية التي تتمكن فيها القوى السياسية من امتلاكه، والمثل الأبرز هنا لبنان وفلسطين.

ومع رياح التغيير التي هبت على العالم مطلع تسعينات القرن الماضي إثر انهيار دول المعسكر الاشتراكي وانتشار الأفكار المنادية بتشييد الأنظمة الدستورية المنتخبة والتعددية الحزبية أو الإصلاحات الجذرية لإعادة بناء الدول المترهلة على مثل هذه الأسس الجديدة تبنت جل القوى المعارضة في العالم العربي تلك الأفكار الليبرالية الجديدة ما ساهم بدوره في انحسار الصراع نسبيّاً بين قوى المعارضة في البلدان العربية، بيد أن هذا الصراع، للأسف، لم يتبدد كليّاً حتى على رغم ما بات يجمع كلا التيارين، الإسلامي واليساري (بفصائله القومية والماركسية) من أهداف ومطالب مشتركة في النضال من أجل الاصلاحات الدستورية والديمقراطية في بلدانهما.

ولئن كان من نافلة القول إن الأنظمة لعبت وتلعب دوراً في تغذية تلك الصراعات، إلا انه ينبغي الاعتراف أيضاً ثمة قوى متطرفة في كلا التيارين تغذي أيضاً هذا الصراع، وتقف بكل تعنت ضد أي مشروع أو خطوة مهما تكن صغيرة الشأن للعمل المشترك بينهما على قاعدة القواسم المشتركة التي تجمعهما.

فعلى الجانب العلماني يعتبر المتشددون أن أي شكل من أشكال التعاون مع الاسلاميين هو تبعية مجانية «للقوى الرجعية»، وخيانة للفكر العلماني او الماركسي او القومي، وأن تبني الاسلاميين قيم الحداثة الديمقراطية ليس سوى خداع وكذب تكتيكي لما يبطنونه من أجندة خفية سيطبقونها ما إن يصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع أو عندما يحصدون غالبية كراسي البرلمان.

وبالمثل تنظر القوى المتشددة في التيار الاسلامي إلى أن أي شكل من أشكال التنسيق والتعاون المشترك مع العلمانيين هو انجرار وراء القوى العلمانية «الكافرة « التي لا يؤتمن لأجندتها السرية لفرض القوانين الوضعية ومحاربة الشريعة الاسلامية.

والحال ان كلتا النظرتين المتشددتين في كلا التيارين تفتقر إلى المنطق السليم والرؤية الواقعية في الانسجام مع ما تؤمن به من قيم ومبادئ ديمقراطية جديدة والتي من ضمنها احترام الرأي الآخر، وحق الاختلاف، والتعددية السياسية، والانتخاب، وفصل السلطات الثلاث.

فالعلمانيون لا يحق لهم التفتيش في نوايا شركائهم الاسلاميين إن هم آمنوا حقّاً بجدوى العمل المشترك بين قوى المعارضة، حتى لو تمسك الاسلاميون بمبادئهم الدينية وأشهروها كهدف من أهدافهم، فهذه هويتهم الايديولوجية التي يميزون بها، والاسلاميون من جهتهم لا يحق لهم تكفير العلمانيين استناداً إلى فهمهم الملتبس لمعنى العلمانية المتعارف عليه في علم السياسة وفي كل قواميس العالم والذي لا يعني بالضرورة أن من لا يؤمن بالدولة الدينية لا يؤمن بالله، فلا يعلم ما بالسرائر سوى الله جل جلاله.

ويمكننا القول إن كثيراً من العلمانيين الذين خبرتهم وصقلتهم التجربة المديدة باتوا اليوم شديدي الاعتدال والاحترام لدين شعبهم وأهلهم وأقل تعالياً على من يتبنونه كأيديولوجية سياسية، بل إن بعض العلمانيين يؤمن بدينه حقًّا، وإن كان لا يؤمن بتوظيفه كإيديولوجية لإقامة دولة دينية أو غير ملتزم بانتظام بفروض الاسلام واركانه. والحال ان آفاق التعاون بين الجانبين مازالت واعدة إذا ما صفيت النوايا وبُنيت العلاقة على أسس راسخة من التفاهم والاحترام المتبادل في حق الاختلاف وفي الحريات الشخصية، والتمسك بقاعدة القواسم المشتركة وتطويرها في النضال من أجل تحقيق إصلاحات راديكالية عصرية في أوطانهما تقوم على الدساتير العقدية التي تُشرع الفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث، وتضمن الحريات العامة كافةً، وبضمنها حرية التعبير، وحرية التظاهر، وحرية الصحافة، وحق قيام المؤسسات المدنية المستقلة المنتخبة، وحق تشكيل الاحزاب الحرة ، وضمان تداول السلطة، إلخ. وبدون ذلك، في عالمنا اليوم، لا يستطيع غلاة الاسلاميين شطب العلمانيين بجرة قلم من الساحة السياسية لمجرد ضعف قوتهم الراهنة، ويتوهم غلاة العلمانيين إن هم ظنوا في المقابل سيكتسبون الجماهير إلى صفوفهم اعتماداً على قواهم المحدودة المتضعضعة الراهنة وبعيداً عن الجماهير وساحات العمل المشترك مع سائر القوى المناضلة في الساحة السياسية والاكتفاء فقط بالتنظير ضد الاسلاميين مع رفاقهم وأنصارهم وهم قابعون في الغرف والصالات المغلقة أو في منابرهم الاعلامية، وفي جميع الأحوال فإن الانظمة الاستبدادية هي وحدها الرابح الاكبر من استمرار صراعهما.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4802 - الجمعة 30 أكتوبر 2015م الموافق 16 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:50 م

      تحليل منطقي

      هو توصيف للحالة التي نعيشها بل ازيد عليها أن من ينفخ في المواضيع المختلف عليها هم المتنفعين من الوضع الحالي وأكثرهم ممن تقاعد عن كل شئ سوى التغني بأمجاد الماضي

اقرأ ايضاً