طالب رئيس أساقفة سبسطية الروم الأرثوذكس بالقدس الشريف المطران عطا الله حنا الحكومات العربية والإسلامية وكذلك الشعوب بعدم الإكتفاء بإدانة تنظيم «داعش» والإرهاب واستنكار جرائمهم، داعيًا إلى عدم الاكتفاء بالمعالجة الأمنية بل تنشيط المواجهة الثقافية والفكرية.
ووصف عطا الله في محاضرة استضافها مركز عيسى الثقافي مساء أمس الأول الأربعاء (28 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، بالتعاون مع الكنيسة الإنجيلية الوطنية في مملكة البحرين تحت عنوان: «القضية الفلسطينية والسلام العربي والعالمي»، وصف (داعش) بأنها مشروع صهيوأميركي مدمر للمنطقة عبر تكريس الخطاب الدموي العنيف لتمرير مشاريع الصهاينة العنصرية.
بيئة حاضنة لـ «داعش»
وشدد بصراحة على أن (داعش) لاقت بيئة حاضنة لها في بعض المناطق العربي؛ بسبب الجهل والتخلف والفقر، والتنظيم الإرهابي يستعين بالخطاب الدموي، ما يوجب على علماء المسلمين والمسيحيين العمل سويًا من أجل تكريس الخطاب الإنساني السلمي والحضاري الذي لا يكفر الآخر ويقبل الآخر.
ومن جهته، ألقى الرئيس التنفيذي لمركز عيسى الثقافي الشيخ خالد آل خليفة كلمة رحب فيها بالمطران عطا الله، تناول فيها بضع محاور منها أن القضية الفلسطينية هي أساس كل ما يحدث اليوم في المنطقة بل اقليمياً وعلى المستوى الدولي، وذلك عن طريق تأثيراتها وانعكاساتها، وبالتالي فإن حل القضية الفلسطينية هو الحل الأمثل لمشاكل السلام وللقضاء على التطرف؛ لأنها في الحقيقة القضية التي جذورها تمتد إلى كل ما يحدث اليوم من تطرف وكراهية وعنف لا مسبوق في تاريخ المنطقة، مضيفًا أن «كل ما نشهده اليوم من أشكال هذا العنف هو في الحقيقة لم يحدث في تاريخ هذا المنطقة بهذا الشكل العنيف والقبيح».
جماعات لا دين لها ولا مذهب
وأضاف «الدعوة إلى نشر التسامح الديني دعوة مهمة لأننا لن نستطيع العيش في هذا العالم ما لم نحل هذه القضايا ونتكاتف لمواجهة ما تقوم به الجماعات الإرهابية مثل داعش وغير داعش، وهي جماعات لا دين لها ولا مذهب وليس لها مكان، وبالتالي تستمد هذا العنف وهذا الفكر من قضايا ظلت من غير حل»، لافتًا إلى دور المطران عطا الله الذي يكافح الإرهاب عن طريق الفكر ولا يمكن هزيمة التطرف إلا عن طريق محاربته فكريًا، فالعنف واستخدام السلاح وغيرها من أدوات غير مسبوقة لن تجدي بل ستكون حلًا مؤقتًا ثم يمتد الفكر المتشدد إلى أماكن أخرى، انظروا إلى القاعدة... بدأت في افغانستان وامتدت إلى كل مكان وهي ليست تنظيمًا بل فكرًا».
وتفصيلًا لما تناولته محاضرة المطران عطا الله، فإنه عرج على الأوضاع العصيبة في الأمة العربية قائلًا: «في أمتنا العربية: الدمار والخراب سيد الموقف... انظروا إلى سورية والعراق... العنف والقتل والموت، وهنالك محاولات حميمة من أعداء أمتنا العربية لتفتيتنا من خلال داعش، وهي مشروع أميركي صهيوني هادف لتفتيت المنطقة العربية، ومعها أخواتها من الجماعات المسلحة التي لا علاقة لها بالإسلام... فالإسلام لا يحلل الذبح والاعدامات والدمار، كل ما يفعلونه لا يقبل به أي منطق أو أي انسان عنده ضمير... لقد أتي بهم إلى منطقتنا ليدمروا هذه المنطقة ويضعفوها لكي تتمكن اسرائيل من تمرير مشاريعها العنصرية».
لقاء صاحب السمو ولي العهد
وأطلع الحضور على ما دار في لقائه مع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، حيث دار الحديث مع سموه عن القضية الفلسطينية، وعن الحوار بين الأديان وضرورة أن نعمل سويًا مسيحيين ومسلمين من أجل القضاء على الخطاب المتطرف الإقصائي الذي لا يحترم الإنسان، وأكدنا على أهمية التلاقي والحوار المسيحي الإسلامي... متسائلًا: «كيف يمكننا أن نحرر فلسطين ونحن مشتتون ونعيش حالة فتن هنا وهناك؟ علينا أن نتوحد من أجل القدس وفلسطين، وإذا ما كانت هناك رسالة يجب أن أنقلها إليكم ومن خلالكم إلى أمتنا العربية... إلى المسلمين والمسيحيين في المشرق العربي وفي أي مكان، هي أننا يجب أن نتوحد، فالقدس تناشدنا وتدعونا لأن نكون موحدين في مواجهة المؤامرات والمخططات التي تستهدف مقدساتنا وشعبنا وتاريخنا وحضورنا».
وأثنى على البحرين التي يزورها للمرة الخامسة، قيادةً وشعبًا، معبرًا عن حبه لهذا البلد بالقول ان من يأتي إلى البحرين يحب هذا البلد ويتمنى زيارته؛ لأنه يلقى وجوهًا طيبة نيرة محبة، فكل التحية لمملكة البحرين التي نتمنى لها الخير والسلام والطمأنينة والرخاء، وأن يكون أهلنا وأحباؤنا في وضع يمكنهم من أن يكونوا دومًا إلى جانب الشعب الفلسطيني كما كانوا دومًا إلى جانب قضيته العادلة، فهي قضيتنا جميعًا وهي ليست فقط قضية المسلمين أو المسيحيين أو الفلسطينيين، هي قضيتنا جميعًا حيث ما كنا وحيثما وجدنا، وهي قضية كل إنسان حر في هذا العالم يدعو إلى العدالة والسلام.
عصية على الاحتلال والعنصرية
«ذهبنا إلى باحات المسجد الأقصى المبارك، وكان ذلك قبل شهرين من الزمن، وحاولت السلطات الاحتلالية أن تمنعنا من الوصول، إلى أن أتى الشباب من الداخل ومسئولي الأوقاف الإسلامية وساعدونا حتى دخلنا الأقصى»... هكذا وصف المطران عطا الله زيارته على رأس وفد من الكنائس إلى القدس، وعبر عن ذلك المشهد بالقول: «وما أجمل هذه الصورة حين وقفنا وقلنا أن القدس لنا وفلسطين لنا، فقد ذهبنا لنقول أن من يعتدي على المسجد الأقصى المبارك فهو يعتدي علينا جميعًا... على هويتنا العربية وعلى تاريخنا... وقلت أمام السادة العلماء بأن من يعتدي على المسلمين يعتدي على المسيحيين، ومن يعتدي على الأقصى يعتدي على القيامة والعكس... هذه هي فلسطين هذه هي الصورة الرائعة لفلسطين التي لا تقبل القسمة ولن تقسم وستبقى عصية أمام العنصرية والاحتلال البغيض».
وبعد أن نقل تحيات كنائس القدس للحضور، أبلغهم بأن أجراسها تُقرع مبشرة بقيم السلام والمحبة والعدالة بين الناس وستبقى أجراسنا تقرع ومآذن مساجدنا تصدع، وسنبقى ننتمي -مسيحيون ومسلمون- إلى شعب واحد... فالاحتلال يتآمر علينا كما يتآمر على الأمة العربية في أماكن مختلفة من مشرقنا العربي، فيتآمرون على الشعب الفلسطيني يريدوننا ممزقين ومشتتين عبر إثارة الطائفية في صفوفنا وبين ظهرانينا لاستهداف شعبنا ومقدساتنا، ولكن شعبنا الفلسطيني لن يسمح بذلك، وإن اتهمونا بأننا إرهابيون نعشق الموت، نقول بأننا نعشق السلام، أما الإرهاب فهو الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948.
طائفة واحدة تنادي بالقيم
وتطرق بالقول إلى أننا عندما نتحدث عن فلسطين وعن القدس، فنحن لسنا طوائف بل طائفة واحدة تنادي بالقيم الإنسانية والحضارية وبالدفاع عن حقوق الإنسان وعن حرية الإنسان، فالقدس الشريف هي عاصمتنا الروحية والوطنية وهي قبلتنا، وبالنسبة للمسلمين هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، أما بالنسبة لنا كمسيحيين فهي قبلتنا الأولى والوحيدة ولا توجد لدينا قبلة أخرى سوى مدينة القدس التي تحتضن الأماكن المقدسة المرتبطة بحياة السيد المسيح وأمه العذراء البتول والقديسين والرسل والآباء... الكنسية انطلقت من القدس إلى مشارق الأرض ومغاربها، وهناك قديس من دمشق امسه يوحنا الدمشقي عاش في دير مار سابات وصف القدس بأنها أم الكنائس.
شباب يمثلون الأمة
وفي شأن انعكاس ما يجري في المنطقة العربية، اختصر القول بأن فلسطين الجريحة تناشدكم وتطالبكم بأن تلتفتوا إليها وأن تكونوا مع شعبها وأن تكونوا مع مقدساتنا، فالأقصى مهدد والقيامة مهددة... ذلك لأن الصهاينة يستغلون الاوضاع المأساوية في الوطن العربي لتمرير مشاريعهم الإقصائية العنصرية بحق شعبنا الفلسطيني، ولكن هذا الشعب لن يتنازل عن حقوقه... فهناك شعب مناضل أبيّ... وهنالك شعب يقاوم ويناضل... وهنا شباب يناضلون.
وألهب الحضور بالتصفيق حينما ذكر أن شباب في فلسطين يمثلون الأمة العربية كلها في دفاعهم عن القدس بصدورهم العارية دفاعًا عن المقدسات، ليقولوا للعالم بأننا لن نتنازل ولن نرضخ للابتزاز الصهيوني... فهاهم يغتالون أبناءنا في الشوارع ويوجهون بنادقهم نحو الشباب الفلسطيني المنتفض، ولكنهم تناسوا أنه مع كل شهيد ينتقل إلى جوار ربه يأتي شهداء ومناضلون من أجل قضية فلسطين العادلة.
العدد 4801 - الخميس 29 أكتوبر 2015م الموافق 15 محرم 1437هـ