العدد 4800 - الأربعاء 28 أكتوبر 2015م الموافق 14 محرم 1437هـ

سقوط طائرتين في مياه البحرين العام 1950... وبدايات «التقاعد»

مهدي عبدالله يُصدر الجزء الرابع من «نكهة الماضي»...

مهدي عبدالله - جيمس بلجريف
مهدي عبدالله - جيمس بلجريف

بصدور الجزء الرابع من كتاب القاص والمترجم البحريني، مهدي عبدالله «نكهة الماضي... مواضيع وحكايات من تاريخ البحرين الحديث»، عن دار «فراديس»، في 300 صفحة تقريباً من الحجم الكبير، يثبت مؤلفه جلده وصبره وانكبابه على هذه النوعية من الموضوعات التي تُعنى بجانب من تاريخ البحرين القديم والحديث. من بين موضوعات الكتاب «سقوط طائرتين في مياه البحرين»، وهو عنوان الموضوع الذي كتبه جين دي جونج، ونشر في مجلة «Bahrain This Month»، في عدد يونيو 1999، متناولاً فيه سقوط طائرتين مدنيتين قبل خمسين عاماً منذ ذلك التاريخ (1999)، في مياه البحر؛ إذ في مساء 12 يونيو 1950، كانت طائرة تقل 44 راكباً وطاقمها المكوَّن من 8 أشخاص، على مشارف الوصول إلى مطار البحرين. الطائرة وهي من طراز «دي سي - 4» «في رحلة مقررة من سايغون إلى باريس، مع توقف في كل من كراتشي والبحرين. وفي الساعة التاسعة والربع مساء، أشعَر القبطان برج المراقبة بقرب وصوله النهائي وسمح للطائرة بالهبوط. بعد ذلك لم يحدث أي اتصال من جانب القبطان أو الطاقم».

في اليوم التالي أسفر البحث عن العثور على الطائرة في المياه الضحلة التي تبعد نحو 3 أميال عن مدرج المطار في المحرق، ووجد 6 أشخاص فقط على قيد الحياة.

وبعد يومين (14 يونيو)، كانت طائرة من الطراز نفسه، ومسار رحلتها من سايغون إلى باريس عبر كراتشي والبحرين أيضاً، كانت تقل 45 مسافراً، وطاقمها المكون من 8 أشخاص. من بين الركَّاب مفتشون رسميون تم إرسالهم لتقييم حطام الطائرة المنكوبة. «حينما اقتربت الطائرة من مطار البحرين أعطى طاقمها الإشارة بالهبوط على الميدان رقم 1، وكان الوقت حينها هو الساعة 9:15 مساء، وريح الشمال مازالت تهبُّ بقوة، وفشلت الطائرة مرة أخرى في الهبوط على الميدان، وخلال دقائق تم تنفيذ عملية إنقاذ ثانية، وبعد مرور ساعات تم اكتشاف الطائرة مقلوبة رأساً على عقب على بعد ميل واحد من موقع المأساة الأولى، وعلى عمق 12 قدماً من البحر. لقي الطيار واثنان من الطاقم، بالإضافة إلى 37 مسافراً حتفهم في الماء، بينما تم إنقاذ 13 راكباً».

بدايات نظام التقاعد

واستناداً إلى التقرير السنوي لحكومة البحرين العام 1955، يتضمن الكتاب موضوعاً تحت عنوان «بدايات نظام التقاعد في البحرين»، جاء فيه أن الحكومة بدأت تطبيق مشروع التقاعد اعتباراً من يناير/كانون الثاني 1955، وقد شمل النظام الموظفين الحكوميين المعيّنين برواتب شهرية، مع شرط أن تزيد خدمتهم على سنة، وأعمارهم بين 25 و 50 سنة، وبالنسبة إلى المدرِّسات ورجال الشرطة، اشترط القانون أن تكون أعمارهم بين 25 و 45 سنة، وحدَّد القانون سن التقاعد للموظفين بـ 55 سنة، وللشرطة والمدرِّسات بـ 50 سنة.

ويوضح الموضوع المذكور أن الأعضاء في مشروع التقاعد يساهمون في المشروع بمعدل آنة واحدة (6 فلوس) لكل روبية؛ أي بنسبة 25.6 في المئة، من راتبهم الشهري، بينما تساهم الحكومة بالمبلغ المتبقي من الكلفة الكلية.

يذهب كتاب مهدي عبدالله هذه المرة باتجاه تفاصيل المكان، ويبدأ كتابه بالتعريف بكتاب «البحرين ترحِّب بكم»، الدليل الإعلامي السياحي، الذي وضعه جيمس/حمد بلجريف، والذي كان رئيس دائرة العلاقات العامة والإذاعة في البحرين منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حتى نهايتها. الدليل كان يصدر في نسختين، عربية وإنجليزية «لتعريف الأجانب والسوَّاح بإمارة البحرين, وقد صدرت الطبعة الأولى منه في العام 1953».

يحتوي الكتاب على تعريف بقرى ومدن البحرين، مع مرور عابر على التاريخ أيضاً. التاريخ الذي يتصل بتلك الأمكنة، من دون التورط في التفاصيل باعتبار الكتاب موجَّهاً إلى الزائرين، وعلى رغم ذلك، يتجاوز كونه دليلاً سياحياً بالحجم الذي ظهر عليه في حدود 200 صفحة؛ بحسب إشارة المترجم. وسيتم استعراض هذا الفصل في ثنايا هذه الكتابة.

في المحرق... العناء البحريني الجميل

في ترجمة المُؤلف لجانب من «البحرين ترحِّب بكم»، لجيمس بلجريف، استعراض لجانب تاريخي وجغرافي لعدد من مواقع ومناطق وقرى ومدن البحرين، وردت كالآتي: المنامة، المحرق، جدحفص والبديِّع، الدراز والجسرة والمالكية، جبل الدخان وجو، عالي وعوالي والصخير، الرفاعان: الغربي والشرقي، جزيرة النبيه صالح وسترة وجِدَه، بلاد القديم وعذاري، عين قصَّاري، الزلَّاق ورأس البر، أم النعسان وجزر حوار.

في هذا الجزء تحديداً ثمة ما يلفت، ويعود بنا إلى الزمن الجميل، يوم كان الإنسان البحريني يذهب إلى عنائه الجميل، مباشراً عمله... تجارته... نشاطه الاقتصادي، بغضِّ النظر عن حجمه ومحدوديته. كل شيء كان بحرينياً خالصاً.

يشير بلجريف في تلك الفترة من خمسينيات القرن الماضي إلى أن المحرق «لاتزال نموذجاً للمدينة العربية الطابع، وهي حقيقة يفتخر بها سكَّانها, فمعظم الدكاكين هنا يملكها بحرينيون، ولا يشغلها هنود أو إيرانيون، كما في المنامة. ورغم أن المدينة كانت في يوم ما عاصمة للبحرين، ومركزاً لصناعة اللؤلؤ وبؤرة التجارة؛ حيث يتذكَّر المحرقيون هذه الأشياء باعتزاز، إلا أنها تطورت بصورة أبطأ من المنامة».

لم تعد الصورة الآن كما هي قبل عقود. ليست المحرق وحدها. كل شيء إلى تحوُّل وتبدُّل، أحياناً بطبيعة التحوُّل والتبدُّل في الزمن، واتساع الإمكانيات، وحفاظ هذه الجزيرة على أن تكون نافذة مفتوحة على العالم؛ إلاَّ أن تغيُّرات حدثت على المكان، وتعدُّد البشر، ليس بالضرورة امتثالاً لطبيعة التحول والتبدُّل الذي نرمي إليه.

عام التقسيم

في هذا الباب يأخذنا الكتاب إلى التقرير السنوي لحكومة البحرين للأعوام 1367هـ - 1369هـ (1947 - 1949)، حين تظاهرت مجاميع كبيرة من الشعب البحريني، كرد فعل على تقسيم فلسطين العام 1947، وما نتج عن ذلك الحدث من تداعيات كبرى على الوجود العربي وقتها؛ بل وإلى اليوم.

«في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1947، الذي صادف يوم العشرين من محرم 1367هـ (1947م)، خرجت مسيرة كبرى في البحرين احتجاجاً على تقسيم فلسطين، وقد بدأت المسيرة بخروج طلبة المدارس في مدينة المحرق، تبعهم طلبة مدارس المنامة».

بذلك الحدث، استمرت المسيرة لمدة ثلاثة أيام، وتم فيها إلقاء الخطب التي طالبت بتحرير فلسطين «وكانت الخطب تلقى من فوق شاحنة لوري مكشوفة تتقدم المسيرة».

وتنوعت الفعاليات المناصرة للقضية الفلسطينية في ذلك العام؛ حيث تم تنظيم سباق للخيل، ذهب ريعه لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.

افتتاح دور للسينما

ومن التقرير السنوي للعام 1947 - 1949، يورد عبدالله عدداً من الفعاليات والأحداث؛ إذ في العام 1948، تم افتتاح دارين جديدتين للسينما في العاصمة (المنامة)، ودار ثالثة كانت قيد الإنشاء «وبذلك يصبح عدد دور السينما في المنامة والمحرق خمساً، جميعها تعرض أفلاماً مصرية معظم الأوقات، بالإضافة إلى بعض الأفلام الهندية والإنجليزية والأميركية أحياناً».

الحديقة المائية

في العام نفسه صادف افتتاح حديقة عامة في المنامة، على طرف الشارع الموصل بين المنامة والرفاع (الحديقة المائية)، ويشير التقرير إلى أن الحديقة كانت في السابق مستنقعاً كبيراً تم تحويله إلى بحيرتين.

وفي التقرير نفسه إشارة إلى مغادرة مدير التربية والتعليم (المعارف) البحرين في العام 1944، وكان يشغل المنصب منذ العام 1941، ليخلفه في المنصب ك. إم. ويلي، الذي ترك منصبه بعد أشهر، نتيجة متاعب صحية؛ ليتم في العام نفسه تعيين أحمد العمران كمدير للمعارف بالوكالة، ليكون بذلك أول بحريني يتولى هذا المنصب، وتم تثبيته بعد 27 شهراً. وفي العام نفسه تم تثبيت كاظم العصفور كمسئول لدائرة الجوازات، وإبراهيم خلفان كسكرتير لبلدية المحرق.

وشهد العام نفسه إكمال شركة البرق واللاسلكي، بناء مقرها الرئيسي المكوَّن من عمارتين تقعان جهة البحر.

ومن القضايا التي وردت في التقرير في العام 1948، وقوع محاولة قتل على ظهر باخرة راسية بمرفأ سترة، حينما تشاجر أحد أفراد طاقمها مع زميل له وطعنه بالسكِّين، و «قد حكم على المجرم بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات؛ ونظراً إلى كونه يعمل في صناعة الأحذية فقد أُخذ للعمل في ورشة الأحذية التابعة إلى السجن».

التعليم في العام 1959... إحصاءات

وتضمَّن الكتاب جانباً من التقرير السنوي لحكومة البحرين العام 1959، تناول فيه إحصاءات بعدد الطلَّاب المسجَّلين في مدارس البحرين؛ حيث بلغ 12.364 طالباً «بزيادة قدرها 1270 طالباً عن العام السابق»، وفي العام نفسه تم افتتاح ثلاث مدارس جديدة للبنين، إحداها في المحرق، والثانية في المنامة، والثالثة في قرية الجَسرة. وتم تعيين الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة، مراقباً عاماً لدائرة التربية والتعليم.

وفي السياق نفسه، تم توظيف 50 مدرِّساً جديداً لمواجهة التوسُّع السنوي في المدارس، من بينهم 14 مدرِّساً من الخارج، في الوقت الذي التحق فيه ثلاثة جامعيين بحرينيين بسلك التدريس في المرحلة الثانوية. وجاء في التقرير أنه تم تعيين جليل العريض مفتشاً للعلوم بعد فترة من التدريس في المدرسة الثانوية، وكان حاصلاً على بكالوريوس في العلوم.

بقدر ما يتصدَّى أحدنا لالتقاط وتسجيل تفاصيل وأحداث من أجل تحصين الذاكرة بذلك الفعل والإجراء، بقدر ما في ذلك الالتقاط والتسجيل - بدرجة صغُرت أو كبُرت - نزوع وحنين إلى المُستتب والمضيء وما يبعث على إثراء الروح والحياة عموماً.

كتابة التاريخ هي في جانب منها: صك براءة أو صك إدانة، بالنظر إلى حركة الحاضر، والقيمة المُتحصَّلة منه، والشواهد التي تعطي مؤشرات إلى قدرة أمة على الدخول إلى المستقبل بثقة، أو اليأس منه تماماً؛ مادامت عاجزة عن صنع الفارق، وما يدل على الحياة في حاضرها.

الجزء الرابع من الكتاب يذهب في هذا الاتجاه. الاشتغال على ذاكرة المكان عبْر تسجيل الحدث وتوثيقه، وهذه المرة ليس باعتباره شاهداً عليه أو معاصراً له؛ بل باعتباره أحد أبناء تلك اللحظة التاريخية.

ليس ذلك فحسب. في الكتاب استعراض لبعض الإصدارات، من كتب ومجلات، وإضاءة على حياة وتاريخ بعض الشخصيات التي رحلت، وشخصيات مرَّت من هنا (البحرين)، وحتى بعض الجرائم، والإحصاءات، وغيرها من القضايا والموضوعات المتنوعة.

هذا الجهد للكاتب والقاص والمترجم مهدي عبدالله، مُقدَّر لأهميته، وتثبيته لذاكرة الأحداث والشخصيات والإصدارات، والتي هي جزء من ذاكرة المكان. جهد متواصل وملفت، ويتم بصمت وبحب أيضاً. لن يكون هو الأول الذي لا ضوء مسلَّطاً عليه كما يجب، ولن يكون الأخير. حسبه أنه أمام دور ومسئولية ورسالة، عليه أن ينجزها بكل ما تتطلبه من عناء وجهد ووقت، وعزاؤه أن الحب يخفف من وطأة ووقع ذلك.

ضوء

يذكر أن جيمس بلجريف، ولد في البحرين، دون وجود مصدر ليوم ولادته، باستثناء الشهر والعام (أبريل/نيسان 1929)، وهو نجْل مستشار حكومة البحرين السابق، تشارلز بلجريف. تلقَّى تعليمه التحضيري في المملكة المتحدة في العام 1936، ثم انتقل وأكمل تعليمه في كراتشي في العام 1940 بسبب ظروف الحرب العالمية. أدَّى الخدمة في الجيش البريطاني في فلسطين العام 1947.

تخرّج من جامعة لندن، متخصصاً في الدراسات الإفريقية الشرقية. شارك في الخمسينيات في تأسيس مجلة «صوت البحرين». عمل في مهنة قياس النفط في حكومة البحرين لمدّة عامين، ثم عمل مديراً للعلاقات العامة والإعلام لحكومة البحرين، وكان من مهامه الإشراف على إذاعة البحرين ومجلة «هنا البحرين».

أشرف على نشرة «النجمة الأسبوعية» الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). أسَّس مكتباً للعلاقات العامة بعد استقلال البحرين، وكان مكتباً متخصصاً في العلاقات العامة والتسويق ويخدم عدَّة حكومات، وكان يعمل معه الإعلامي البريطاني المعروف مايكل رايس. فتح شركته الخاصة للعلاقات العامة «الشركة العربية للاستشارات». كما عمل رئيساً للتحرير بمجلة «غلف ميرور» الأسبوعية.

توفى في 29 يونيو/ حزيران 1979، عن عمر ناهز الـ 50 عاماً، ودفن بمقبرة المسيحيين في سلماباد في البحرين.

يُشار إلى أن مهدي عبدالله، قاص ومترجم بحريني. حصل على بكالوريوس إدارة أعمال، ودبلوم في القصة القصيرة من أحد المعاهد الأميركية. يعمل محرِّراً ومُترجماً متعاوناً مع إحدى الصحف المحلية.

أصدر الكتب الآتية: «مذكرات بلجريف، مستشار حكومة البحرين سابقاً» (1991)، «نكهة الماضي... حكايات تاريخية عن البحرين»، الجزء الأول (1994)، باللغتين العربية والإنجليزية، والجزء الثاني باللغة العربية العام 1996، والجزء الثالث العام 2007، «تجربة»، قصص قصيرة (1999)، «قصص مختارة من الأدب العالمي»، مترجَم، الجزء الأول (2002)، والجزء الثاني (2006)، «ساحل القراصنة»، مترجم بالاشتراك مع فاروق أمين (2006)، «قصص هاربة»، مجموعة قصصية (2010)، «قصص قصيرة من الأدب الأميركي الحديث (2011).

يتولى حالياً مسئولية رئاسة النشاط الثقافي بمركز شباب جدحفص. عضو أسرة الأدباء والكتَّاب. عضو مركز عبدالرحمن كانو الثقافي، ومدير تحرير الكتاب الدوري «الملتقى» سابقاً. شارك في أمسيات قصصية، وندوات أدبية في كل من: الكويت، الأردن، السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. أقام ندوات أدبية وتاريخية بجمعية تاريخ وآثار البحرين، وأسرة الأدباء، ومركز شباب جدحفص، ومركز كانو الثقافي، وعدد من المدارس.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً