رائحة غريبة مشوبة بالكيميائيات تغزو خياشيمك، وتجعلك تشعر بالحاجة إلى ارتداء قناع واق، تسبقك قبل الوصول إلى مقر شركة «ريكوبيرو إمبالاجي» التي تعالج النفايات في منطقة كامبانيا، جنوب إيطاليا، وعاصمتها مدينة نابولي.
عندما تصل إلى الموقع، ترى العمال بالملابس الواقية منشغلين في فرز الأوعية البلاستيكية وورق التعبئة والتغليف والمواد الأخرى، في حين يتولى قسم آخر تحويل بعض النفايات إلى مواد خام ثانوية يمكن إعادة استخدامها في الصناعة.
كمية النفايات مذهلة. ولكن ليس في إيطاليا فقط. فتنتج دول الاتحاد الأوروبي ثلاثة مليارات طنٍ من القمامة سنوياً، منها 90 مليون طنٍ من النفايات الخطرة.
هكذا قررت بلدان الاتحاد الأوروبي -وعددها 28 دولة- البحث في كيفية خفض هذه الكميات الضخمة من النفايات، وذلك في مؤتمر عقدته في مدينة نابولي الإيطالية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
من جهته، قال مفوض البيئة في الاتحاد الأوروبي يانز بوطوكنيك، إن «تشريعات الاتحاد الأوروبي قد قادت بالفعل لبداية ثورة في إدارة النفايات الأوروبية»، لكن الواقع هو أن بيانات جهاز الإحصاء الأوروبي «يوروستات» تقدر أن تزداد نفايات الاتحاد الأوروبي في ال2020 بنسبة 45 في المئة مما كانت عليه في العام 1995.
في هذا المجال تعتبر إيطاليا حالة ملفتة للانتباه سواء من جانب الاتحاد الأوروبي أو من قبل المدافعين عن البيئة في العالم. فتعتبر مدينة نابولي على الصعيد العالمي، «حالة نموذجية» لسوء سياسات إدارة النفايات، حيث تتسبب عمليات التخلص غير المشروع من النفايات -والتي تمارسها عصابات إجرامية- في تلوث بيئي واسع النطاق.
ويأتي هذا التلوث الضخم الذي يؤثر مباشرة على الهواء والتربة والمياه، من عمليات حرق وإلقاء النفايات التي تتولاها المسماة «مافيا البيئة»، في حين يحذر الخبراء من علاقة التلوث بزيادة معدلات الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى في هذه المنطقة.
وفي محاولة لتنظيف صورتها ورفع مستوى الوعي العام، استضافت نابولي في وقت سابق من هذا الشهر المنتدى العاشر لوسائل الإعلام الدولية لحماية الطبيعة، الذي تنظمه منظمة «غريين أكورد» البيئية ومقرها روما.
هذا المنتدى السنوي، المعنون «الناس تبني المستقبل: مستقبل خال من النفايات»، جلب خبراء وصحافيين ومعلمين من جميع أنحاء العالم، في مبادرة للتأكيد على الحاجة إلى الحد من النفايات لحماية البيئة، والتخفيف من آثار التغيير المناخي وحماية الصحة.
وأكد العالم بالمعهد الوطني لأبحاث السرطان في جنوا وأحد المشاركين في المؤتمر فدريكو فاليريو، أن «هناك أدلة كافية على أن تلوث الغلاف الجوي يسبب مرض السرطان».
وبدوره، قال المعلم بمدرسة أوزفالدو كونتي التقنية بالقرب من نابولي روزاريو كابوني، إن «المعلمين والطلاب قد ضاقوا ذرعاً بسبب الاستجابة السياسية البطيئة لمشاكل التلوث وتأثيرها على الصحة... هناك العديد من المعلمين والطلاب في مدرستنا الذين تم تشخيصهم بالفعل بالإصابة بمرض السرطان».
أما وفقاً للاتحاد الأوروبي، «فتشكل مدافن (النفايات) المخالفة للتشريعات الخاصة بالنفايات في الاتحاد الأوروبي تهديداً خطيراً على صحة الإنسان والبيئة»، ومن ثم، يهدف الاتحاد الاوروبي للتخلص تدريجياً من عمليات دفن النفايات في الأرض.
وقال المفوض بوطوكنيك إن الأولويات هي الحد من النفايات وتعظيم عمليات إعادة التدوير وإعادة الاستخدام، والحد من حرق المواد غير القابلة لإعادة التدوير.
وأفاد المفوض الأوروبي «إننا نعمل على حل مشكلة بيئية خطيرة جداً ومرئية جداً. فكل عام، تنتهي أكثر من 8 مليارات أكياس بلاستيكية في القمامة في أوروبا، مما يتسبب بأضرار بيئية».