(مقال كتبه هنري كيسنجر في «وول ستريت جورنال» بتاريخ 17 اكتوبر 2015 وترجمته صحيفة «الحياة»)، الخطوة الروسية الأحادية في سورية هي العَرَض الأخير من سلسلة أعراض تداعي دور أميركا في إرساء استقرار نظام الشرق الأوسط. والدور هذا برز إثر الحرب العربية - الإسرائيلية في 1973. وحينها، تخلت مصر عن علاقاتها العسكرية بالاتحاد السوفياتي وانضمت إلى عملية مفاوضات تدعمها أميركا. وأفضت هذه العملية إلى اتفاقي سلام بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والأردن، وإلى اتفاق فك اشتباك برعاية أممية بين إسرائيل وسورية - والتزم هذا الاتفاق طوال أكثر من أربعة عقود، ولم ينتهكه المشاركون في الحرب الأهلية السورية - ودعم دولي لوحدة لبنان وسيادته.
وحين شن صدام حسين حرب ضم الكويت إلى العراق، هزمه تحالف دولي على رأسه الولايات المتحدة. وشنت القوات الأميركية حرباً على الإرهاب في العراق وأفغانستان، ودعمت الدول العربية المساعي الأميركية. وتبدد النفوذ الروسي العسكري في المنطقة.
واليوم تعم الفوضى هذا النموذج الجغرافي - السياسي الأميركي. وخسرت 4 دول في المنطقة سيادتها على أراضيها. وصارت ليبيا وسورية واليمن والعراق في مرمى حركات لا تلتزم أصول العلاقات بين الدول والقوانين الدولية. وترمي هذه إلى الهيمنة وفرض سلطتها. وفي مساحات كبيرة من العراق وسورية، أطلق جيش راديكالي عقائدي ديني على نفسه صفة «الدولة الإسلامية»، وهو يناصب النظام الدولي المستقر العداء، ويرمي إلى إحلال «خلافته» محل دول النظام العالمي، فتبرز إمبراطورية إسلامية تحتكم إلى الشريعة. وصبغت مزاعم «داعش» الشقاق السني - الشيعي بصبغة نزاع كارثي وأخروي. وتشعر الدول السنّية أنها مهددة على جبهتي الحماسة العقائدية الدينية «الداعشية» والإيرانية على حد سواء.
وإيران هي اليوم أقوى دولة في المنطقة. وهي تقدم نفسها على أنها دولة فيستفالية تلتزم دبلوماسية تقليدية، ويدور كلامها حول حفظ النظام الدولي، من جهة. وتمسك بمقاليد حركات ليست بدولة (حركات لا تلتزم أصول العلاقات بين الدول والقوانين الدولية) وتستخدمها في بسط نفوذها، من جهة أخرى. وهذه الحركات، («حزب الله» في لبنان وسورية، و»حماس» في غزة والحركة «الحوثية» في اليمن) تسعى إلى الهيمنة الإقليمية ورفع لواء مبادئ جهادية. ويتهدد الشرق الأوسط السنّي خطر اجتياح 4 عناصر له: الحكم الشيعي في إيران وإرث التوسع الامبريالي الفارسي؛ وحركات أيديولوجية دينية متطرفة تسعى إلى إطاحة البنى السياسية؛ ونزاعات في كل دولة بين إتنياتها وجماعات دينية جُمعت مع بعضها اعتباطيّاً بعد الحرب الأولى في دول (بعضها يتداعى اليوم)؛ وضغوط داخلية مردها إلى سياسات اجتماعية واقتصادية وسياسية سلبية.
ومآل سورية اليوم هو مرآة هذه الحال. فما بدا أنه ثورة سنّية ضد بشار الأسد، المستبد العلوي، انتهى إلى شق الدولة إلى مكونات جماعاتها الدينية والإتنية، ودعم ميليشيات «ليست بدول» (خارجة على القوانين الدولية) أطراف متناقضة من النزاع، في وقت سعت القوى الخارجية إلى ضمان مصالحها الاستراتيجية
. وترى طهران أن نظام الأسد هو العمود الفقري للهيمنة الإيرانية التاريخية الممتدة من العاصمة الإيرانية إلى المتوسط. وتتمسك الدول العربية بإطاحة الأسد لإحباط المشروع الإيراني، وتسعى إلى هزيمة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من دون أن يكتب النصر لطهران.
وتعاظمت الأزمة في المنطقة إثر الاتفاق النووي مع إيران. وهذه النزعات المتضاربة والمتنازعة والانسحاب الأميركي من المنطقة، هي وراء العمليات الروسية العسكرية في الشرق الأوسط. وشاغل روسيا هو ما يترتب على سقوط الأسد: فوضى تشبه الفوضى الليبية وبلوغ «الدولة الإسلامية...» السلطة في دمشق، وتحول سورية إلى جنة العمليات الإرهابية، وتمدد نفوذها إلى المناطق المسلمة في روسيا. ويبدو في نظرة سريعة أن التدخل الروسي يخدم سياسة إيران الرامية إلى دعم الشيعة في سورية. لكن التدخل الروسي كلاسيكي، ويرمي إلى إرساء توازن قوى يبعد التهديد الإرهابي الإسلامي السنّي من الحدود الروسية الجنوبية. فموسكو تسعى وراء هدف جغرافي – سياسي غير إيديولوجي.
ومالت السياسة الأميركية إلى تأييد جزئي لمختلف الأطراف، وهي تكاد تخسر القدرة على التأثير في مآل الأمور. وأميركا تعارض أو لا تؤيد كل دول المنطقة. فهي على خلاف مع مصر حول حقوق الإنسان، ومع السعودية حول اليمن، ومع كل جماعة من الجماعات السورية حول الأهداف المتباينة. وتسعى روسيا وإيران و»الدولة الإسلامية...» ومنظمات إرهابية أخرى إلى ملء الفراغ الذي خلفته أميركا: فموسكو وطهران يؤيدان الأسد. وإيران تعزز التوسع الجهادي. وتخشى الدول السنّية غياب بنى سياسية بديلة، وتحوّل سورية إلى ليبيا جديدة. وتتربع إيران في قلب السياسة الأميركية الشرق الأوسطية. وأعلنت الإدارة الأميركية أنها ستقف في وجه الخطط الإيرانية التوسعية الجهادية وتجابه بحزم الانتهاك الإيراني للاتفاق النووي. لكن يبدو أن الإدارة تسعى كذلك سعياً محموماً إلى قلب الجانب العدواني من السياسة الإيرانية رأساً على عقب، إثر المفاوضات ومآلها التاريخي.
وغالباً ما يقارن مؤيدو السياسة الأميركية إزاء إيران بانفتاح إدارة نيكسون على الصين. لكن المقارنة لا تقوم لها قائمة. فالانفتاح على الصين في 1971 استند إلى إقرار مشترك بأن الحيلولة دون الهيمنة الروسية على أوراسيا هو مصلحة مشتركة. وعززت هذا الرأي مرابطة 42 فرقة عسكرية سوفياتية على الحدود الروسية – الصينة. ولا نظير لمثل هذا التوافق الاستراتيجي بين واشنطن وطهران. فإثر الاتفاق النووي الإيراني، وصف المرشد الأعلى الإيراني الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر، ورفض المفاوضات معها على مسائل غير نووية. وواصل تشخيصه الأحوال الجيو - استراتيجية بالتنبؤ بزوال إسرائيل بعد 25 عاماً. وأهداف إيران الرئيسية تتحقق لدى البدء بإرساء الاتفاق. لكن الفائدة التي ترتجيها أميركا مؤجلة وهي وثيقة الصلة بالأداء الإيراني في مدة من الزمن. ولم يكن الانفتاح على الصين مبنيّاً على توقعات تغير النظام الداخلي الصيني، بل على تغيرات ملموسة. وتزعم فرضية أميركية متفائلة أن حماسة الحرس الثوري الإيراني ستفتر على وقع التفاعل الثقافي مع العالم الخارجي.
والسياسة الأميركية تغامر بتأجيج الظنون. وهي تجابه تحدياً كبيراً: المواجهة بين كتلتين متصلبتين و «أخرويتين»: مصر والأردن ودول الخليج من جهة؛ والكتلة الشيعية المؤتلفة من إيران والجزء الشيعي من العراق مع العاصمة بغداد، وجنوب لبنان الشيعي الواقع في قبضة «حزب الله» على الحدود مع إسرائيل، والجزء الحوثي من اليمن الذي يحكم الطوق على العالم السنّي. وفي مثل هذه الحال لا وزن للأقوال المأثورة التقليدية على غرار عدو عدوي صديقي. ويميل نظاما القوى في المنطقة إلى المواجهة، على نحو ما حصل في أوروبا قبيل الحرب العالمية الأولى. والحفاظ على توازن قوى بين كتلتين متصلبتين يقتضي القدرة على تقويم موازين القوى، وإدراك الفروق التي قد تؤثر في هذا التوازن. وتدور الأزمة اليوم في عالم تكنولوجيا نووية غير تقليدية وسيبيرنيطيقية. وفي وقت تسعى القوى المتنافسة إلى حيازة قدرات متشابهة، قد يتداعى نظام الحد من الانتشار النووي في الشرق الأوسط. وحري بالولايات المتحدة أن تعقد العزم على الحيلولة دون تداعي نظام الحد من الانتشار النووي، وإلزام دول المنطقة الطامحة إلى قدرات نووية بمبادئ الحد من الانتشار.
ونحتاج إلى نهج استراتيجي وإلى ترتيب الأولويات وفق المبادئ/ العوامل الآتية:
- طالما بقي تنظيم «الدولة الإسلامية...» يمسك بإقليم جغرافي محدد، تفاقمت توترات الشرق الأوسط. فهو يهدد كل الأطراف وأهدافه تتجاوز المنطقة إلى خارجها. وهو قد يجمد مواقعه أو يسعى إلى مشروع جهادي امبريالي (توسعي). ويتصدر الأولويات تدمير «الدولة الإسلامية...»، وليس إطاحة بشار الأسد الذي خسر نصف المساحة التي كان يمسك بها في السابق. ويساهم المسعى العسكري الأميركي غير الحاسم في زيادة وتيرة تجنيد «الدولة الإسلامية...» العناصر. ففي وسعه الزعم أنه وقف في وجه القوة الأميركية.
- قبلت الولايات المتحدة بالدور العسكري الروسي. وعلى رغم أن ما يجري أليم على مهندسي نظام الشرق الأوسط في 1973، يجب عدم إغفال الأمور الأساسية. فحين اختيار استراتيجية من الاستراتيجيات، يحبذ أن تلتزم استراتيجية تقضي بأن تستعيد أراضي «الدولة الإسلامية...» قوى سنية معتدلة أو قوى خارجية ليست إيران الجهادية ولا قوى امبريالية. وإذا قصرت روسيا دورها العسكري على حملتها المعادية للدولة الإسلامية، قد يسعها تفادي العودة إلى ظروف الحرب الباردة مع أميركا.
- وجوب تسليم الأراضي المستعادة إلى حكم القوى المحلية السنّية التي كانت سائدة قبل انهيار السيادة العراقية والسورية. ويجب أن تؤدي الدول السيدة في شبه الجزيرة العربية ومصر والاردن دوراً راجحاً في هذه الخطوة. وفي وسع تركيا المساهمة.
- وحين تفكك المنطقة الإرهابية وتعود إلى سيطرة سياسية غير متطرفة، يبحث بالتزامن مصير الدولة السورية. وقد ترسى بنية فيديرالية بين العلويين والسنّة. فإذا ضمت المناطق العلوية إلى النظام الفيديرالي السوري، وسع الأسد أن يؤدي دوراً. وهذا الدور يقلص مخاطر الإبادة أو الفوضى التي ترجح كفة الإرهاب.
- الدور الأميركي في مثل هذا الشرق الأوسط هو توفير الضمانات العسكرية للدول السنّية التقليدية، والنزول على ما التزمت به خلال النقاش حول الاتفاق النووي الإيراني.
- وفي هذا السياق، قد يكون دور إيران حيويّاً. وعلى الولايات المتحدة الاستعداد للنقاش مع إيران حين تعود إلى دورها كدولة فيستفالية تنضوي في حدود محددة.
وعلى الولايات المتحدة تحديد دورها في القرن الحادي والعشرين. والشرق الأوسط هو امتحانها الفوري وربما الأقسى. فالمسألة ليست وثيقة الصلة بقوة الأسلحة الأميركية بل العزم الأميركي على فهم العالم الجديد وتوجيه دفته.
إقرأ أيضا لـ "هنري كيسنجر"العدد 4796 - السبت 24 أكتوبر 2015م الموافق 10 محرم 1437هـ
لعب الكاو بوي والهنود الحمر وزهايمر رونالد ريغان
يامن لعبت به شمول ....
قد لا يختلف إثنان على أن النبي محمدا بعث متمما لمكارم الأخلاق. فليس من الخلق الحسن ولا من الأحسن أن تتدخل بعض الدول في شئون البعض الداخليه بلا إذن من شعوبها. فالهنود الحمر كانوا شهودا ولم يكونوا عبيد للدولار ولا للذهب. فهل الأمريكي اليوم الكاو بوي نسي ما فعله أجداده؟
المغزى من المقال
ان كيسنجر ينصح بتقسيم الاراضي العربية في العراق و سوريا واليمن تقسيم طائفي والهدف هو ان تستعيد امريكا مكانتها في الشرق الاوسط لان سياسة فرق تسد نجحت ولسنين في السيطرة على منطقتنا
سقوط أمريكا فى الوحل .
__________________
الجماعات الإسلامية والدول الدينية
هدفها البعيد نشر الإسلام الذي تعتقده ولايهمها ماذا يحصل بل تعتقد هذا أمر الله سبحانه وتعالى وهذا ما لاتعرفه امريكا ولا روسيا
الترجمة للاسف
اقرأ المقالة الاصلية ! حتى الترجمة للاسف محذوف افكارها
لو لم يكن باراك حسين أوباما من أصول أفريقية لتم محاكمته بتهمة الخيانة العظمى.
بشرة باراك حسين أوباما السوداء شفعت له و أعطته حصانة، فلا أحد يستطيع انتقاده أو لومه على أخطاءه، و إلا فتهمة العنصرية جاهزة. الرجل لا نعلم من تاريخه أي شيء يستحق الذكر، درس القانون في شيكاغو و عمل (منظم اجتماعي community organizer) و ترشح للكونغرس عن ولاية أوهايو لأربع سنوات ثم بعدها أنتخب كرئيس لامريكا!
شخص متردد ضعيف قصير الذاكرة قليل الخبرة ساذج كل ما يهمه حقوق الشواذ جنسيا و التغير المناخي! تعطيه ملفات خطيرة كالشرق الأوسط فأنذر بالخراب العاجل!
عون محمد علي
اضن الطريقة الأحادية التي استخدمتها أمريكا انتهت ..الان زمن التغير ...للقطب ...
إيران نمر من ورق كما كان عبدالناصر نمر من ورق! إيران ليست قوية، لكن أوباما فاشل و ضعيف.
كفو يا كيسنجر، وضعت النقاط على الحروف، ضربة قاصمة من مهندس السياسة الخارجية الأمريكية ألى الرئيس الضعيف قليل الخبرة الفاشل الحالم باراك حسين أوباما.
العار يقع كله على الشعب الأمريكي الذي لم يعاقب باراك حسين أوباما و يقصيه من الرئاسة في انتخابات 2012 بعد فشله في الولاية الأولى. كل ذلك كان خوفا على مشاعر السود! و النتيجة كوارث حلت على أمريكا و العالم بأسره! و إلا هل يعقل أن روسيا (ذات الإقتصاد الأقل حجما من إيطاليا) تمارس كل هذا النشاط و أمريكا تتفرج؟
سامحني
علقت و كأن الرئيس في امريكا لديه القرار. القوي الخفية هي التي تحكم. اما اوباما فحاول جهده لعدم التورط في حرب مباشر مع اية دولة.
زائر 11 سامحتك ... كلامك صحيح و لكن ناقص
نعم النظام السياسي في أمريكا مصمم على طريقة أن يكون الرئيس ضعيف، فعلا الذي رفع رجل من أصول أفريقية متواضعة ليصبح رئيس أقوى دولة في العالم (إقتصاديا و عسكريا) هم القوى الخفية كما تفضلت ... و أنا عندما أنتقد ظاهرة باراك حسين أوباما فإني أنتقد تلك القوى الخفية العبثية العدمية ... لكن لا يمكن أن تقول أن الرئيس في أمريكا لا يستطيع أن يكون له نفوذ و تأثير .... انظر إلى أوباما كيف يتلاعب به بوتين كما لو كان يلعب كرة قدم، بهدله في أوكرانيا و الآن يبهدله في سوريا!
أوباما بالمقياس الامريكي شخص فاشل.
ايران ليست نمر من ورق سيكون لها دور استراتيجي ... ام محمود
اولا الرؤوساء الامريكان ليس هم من يحكمون بل الأمور تدار بواسطة الصهيونية العالمية او اللوبي الصهيوني المتمكن في امريكا و لذا ترى السياسة الامريكية منحازة لإسرائيل بدرجة 180 و لهذا السبب الفتن و القتل لا يهدأ لانه يهدف الى توسعة الدولة اليهودية و تدمير الاسلام كعقيدة و هم السبب في الانحلال الاخلاقي و الشباب الساقط في .....
ثانيا هناك دول عربية تحالفت مع امريكا و ساعدتها في تحقيق احلامها في الشرق الاوسط
ثالثا ايران تم محاربتها و تهميشها و طعنها و هناك ضربات ستوجه لها و بعدين سيتضح دورها الاقليمي
من انتم لترسموا لنا انماط حياتنا ؟
فكو وحلوو عنا دعونا وشأننا ندير حياتنا انتم الوسواس الخناس الذي يغوي الجن والانس اتركونا وحالنا تطيب لنا عيشتنا دونكم
فشل فعل ماضي مبني علي الفتح
جميع ما يحصل لنا من الأحداث و الحروب، مخطط لها منذ اكثر من عقد أو أكثر بواسطة الغرب و خاصة الولايات المتحدة. كاتب المقال كان احد المخططين. الان و بظهور قوي جديدة لاعبة و مؤثرة فشلت خططهم التدميرية. ابعدوا عننا و ستصلح أمورنا. أنتم اساس البلاء و الدمار.