ظلت أسواق النفط متخمة بالمعروض منذ بداية عام 2014. وعندما فاق نمو المعروض نمو الطلب، فقدت الأسواق التوازن، ما أدى إلى تراكم كبير للمخزون من النفط وانخفاض حاد في أسعاره. لكن أسواق النفط، كغيرها من الأسواق الأخرى، تميل للتكيف والتخلص من فائض المعروض. وكان يُتوقع أن يأتي تكيف الأسواق في شكل خفض المعروض من قبل منتجي النفط عالي التكلفة (وخصوصاً في الولايات المتحدة)، وكذلك أن يأخذ شكل ارتفاع في الطلب نظراً لأن انخفاض الأسعار يشجع على زيادة الاستهلاك. وتشير أحدث البيانات إلى أن عملية التكيف جارية بالفعل، على الرغم من أنه ليس من المتوقع للسوق أن يتخلص من فوائض النفط حتى النصف الثاني من 2016، حسبما أفاد تقرير لمجموعة QNB.
اتسم إنتاج النفط في الولايات المتحدة بالصمود أمام انخفاض أسعار النفط، ولكنه بدا مؤخراً أقل صموداً مما كان يعتقد في السابق. ففي أغسطس، غيّرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية المنهجية التي كانت تتبعها فيعمل تقديرات إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة. وتعتمد المنهجية الجديدة على جمع المعلومات مباشرة من المنتجين بدلاً من الاعتماد على البيانات غير المكتملة الصادرة من جهات حكومية. وتشير التقديرات الجديدة بأن الولايات المتحدة تضخ كميات من النفط أقل مما أُعلن سابقاً. فعلى سبيل المثال، فإن الفرق في شهر يونيو كانحوالي 149 ألف برميل في اليوم. وبالرغم من أن كلتا المنهجيتين القديمة والجديدة توضحان بأن انتاج الولايات المتحدة من النفط بلغ ذروته في أبريل من هذا العام، إلا أن الانخفاض الذي تلى ذلككان أعلى سرعة وفقاً للمنهجية الجديدة.
كما أن تراجع عدد منصات النفط، الذي بدأ مجدداً بعد أن توقف في منتصف العام، يؤكد أيضاً أن انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ربما يكون قد تجاوز ذروته بالفعل. وقد شرحنا في السابق أنه لا توجد علاقة بين عدد المنصات وانتاج النفط لأن المنتجين يميلون إلى إغلاق الآبار في المناطق الأقل انتاجاً أولاً (أنظر تقريرنا السابق، هل تتجه أسعار النفط نحو الانتعاش؟). لكن بيانات إدارة معلومات الطاقة تشير الآن إلى تسارع وتيرة هبوط الانتاج في المناطق السبع الأكثر إنتاجية. وبالإضافة إلى ذلك، من المستبعد أن تتعافي أنشطة الحفر على المدى القصير وذلك بسبب التخفيضات الكبيرة للإنفاق الرأسمالي. وعليه، فإن وكالة الطاقة الدولية تتوقع تراجع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري الخفيف بحدود0.4 مليون برميل في اليوم في الفترة من 2015 إلى 2016.
أما في جانب الطلب، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب الإضافي إلى أعلى مستوى له في خمس سنوات في 2015 ليصل إلى 1.7 مليون برميل في اليوم، ويعدّ ذلك أمراً مدهشاً بالنظر إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي أدنى مستوى له في ست سنوات خلال العام الحالي (أنظر تقريرنا السابق، هل ستمثل الأسواق الناشئة الموجة الثالثة من الأزمة المالية العالمية؟). ويرجع سبب تسارع نمو الطلب إلى انخفاض أسعار النفط الذي يشجع على زيادة الاستهلاك، خاصة بين سائقي السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية. وتعزز الطلب أيضاً بفعل موسم الشتاء البارد في أوربا في الربع الأول من العام الحالي واستمرار الصين في شراء النفط الخام، على الرغم من تباطؤ اقتصادها والمشاكل التي تشهدها أسواقها المالية، وذلك جزئياً بغرض ملء مخزوناتها الاستراتيجية.
ماذا يعني ذلك لتوازن العرض والطلب؟ رغم النمو القوي للطلب، لا زال متوقعاً أن يظل المعروض في الأسواق أعلى من الطلب بواقع 1.5 مليون برميل في اليوم في 2015، مما يعكس زيادة الإنتاج من قبل الدول الأعضاء في أوبك وكذلك الدول التي لا تنتمي لهذه المنظمة. ومن شأن النمو المتواصل للطلب في عام 2016 (1.2 مليون برميل في اليوم حسب آخر توقعات وكالة الطاقة الدولية) وخفض الإنتاج في البلدان غير الأعضاء في أوبك (0.4 مليون برميل في اليوم، أغلبها من النفط الصخري الأمريكي) أن يعيد التوازن للسوق في النصف الثاني من عام 2016 (أنظر الرسم البياني). غير أن احتمال زيادة الإنتاج من قبل أوبك بسبب رفع العقوبات الاقتصادية على إيران قد يؤخر إعادة التوازن للسوق حتى عام 2017.
عموماً، لا زلنا نتوقع استقرار أسعار النفط عند حوالي 55.0 دولار للبرميل في المتوسط في 2015 و2016 قبل الارتفاع إلى 60.2 دولار للبرميل في عام 2017 مع انتهاء تخمة المعروض بشكل تدريجي. إذن،تجري عملية التكيف في السوق على النحو المتوقع، ولكنها تمضي بخطى بطيئة.