العدد 4795 - الجمعة 23 أكتوبر 2015م الموافق 09 محرم 1437هـ

الساحل الغربي والجذور الأولى لحضارة دلمون

مواقع الاستيطان في الساحل الغربي للبحرين
مواقع الاستيطان في الساحل الغربي للبحرين

تشير الدراسات الآثارية إلى أن الاستيطان بدأ في البحرين منذ أن تكونت كجزيرة، ويمكن تحديد فترات استيطان متتابعة في البحرين منذ نهاية الألفية الخامسة قبل الميلاد، أي قرابة 4000 ق. م. ويعتبر الساحل الغربي لجزيرة البحرين أفضل منطقة لدراسة التسلسل الزمني للاستيطان الذي سبق تكوين حضارة دلمون في البحرين؛ حيث يوجد على امتداد هذا الساحل عدة مواقع آثارية تعود لعدة حقب سبقت تكون حضارة دلمون. تلك الحقب الزمنية، في مجموعها، تمتد ما بين 4000 - 2700 ق. م. وقد صنفت هذه المواقع تحت ثلاث مسميات: مواقع عثر فيها على لقى آثارية تعرف باسم المجموعة «د» Group D artifacts، ومواقع فخار العُبيد (4000 - 3500 ق. م.)، ومواقع جمدة نصر (3200 - 2700 ق. م.) وهذه المواقع تتركز، في الغالب، على امتداد الساحل الغربي للبحرين.

ففي الفترة ما بين 4000 - 3500 ق. م، استوطنت البحرين جماعات مهاجرة من جنوب الرافدين، وهي جماعات أسست لنفسها حضارة في تلك المنطقة عرفت باسم العُبيد، وذلك قبل ظهور المدن السومرية. وتُعَدُّ فترة العُبيد أقدم تلك الحضارات وقد عرفت بهذا الاسم نسبة لتل العُبيد الذي يقع على بعد ثمانية كيلومترات إلى الجنوب الغربي من موقع أور المشهور، وقد تمكن الباحثون من تقسيم فترة العُبيد إلى أربع مراحل رئيسية، تؤرخ جميعها إلى ما بين نهاية الألف السادس ومنتصف الألف الرابع قبل الميلاد، عندما بدأت حضارة الوركاء بالانتشار (الغزي 2006)، (Nayeem 1992، p. 303). وقد استند تقسيم فترة العُبيد إلى التسلسل الطبقي في تل العُبيد ومواقع أخرى، بالإضافة إلى نتائج دراسة المادة الأثرية وخاصة الأواني الفخارية المكتشفة في التل المذكور، والتي تظهر مدهونة بلون واحد إما أن يكون أسود أو بني نفذت به عناصر زخرفية لها أشكال هندسية ونباتية ورسوم لحيونات بحرية وبرية، وقد يجمع العناصر الزخرفية الثلاثة نموذج زخرفي واحد. وحيث أن هذا النوع من الفخار قد نال اهتمام الباحثين نظراً لتميزه، فقد أصبح المادة الأساسية التي تعرف بها تلك الفترة وتقسيماتها الفرعية داخل بلاد الرافدين وخارجها (الغزي 2006). ونلاحظ هنا أن فخار العبيد أصبح رمزاً يدلل على هوية الشعوب التي أسست الحضارة التي سبقت حضارة السومريين.

هذا، وتتميز فترة العُبيد في البحرين بنوعين من الآثار، فخار العُبيد و لقى آثارية تعرف باسم المجموعة «د».

اللقى الآثارية المسماة المجموعة «د»

في الجزء الجنوبي من الساحل الغربي للبحرين، وبالتحديد في هورة عنقه وبالقرب من رأس الجزائر، وكذلك على المنحدرات الغربية لجبل الدخان، تم العثور على أدوات تتميز برؤوس سهام محدبة على شفرات من حجر الصوان مضغوط سطحها، وهي تعرف باسم المجموعة (د)، وقد عثر على العديد من اللقى التي تنتمي لهذه المجموعة وذلك في العديد من المناطق في شبه الجزيرة العربية (Cleuziou 1999).

ويعود تاريخ هذه اللقى للفترة ما بين 4000 - 3500 ق. م، وهي نفس الفترة التي بدأ يظهر فيها فخار العُبيد في البحرين (Nayeem 1992، p. 303). يذكر أن اللقى الآثارية التي تنتمي للمجموعة «د»، وجدت بصورة حصرية في تلك المناطق على الساحل الغربي، بخلاف فخار العُبيد الذي انتشر في مناطق أخرى في البحرين.

انتشار فخار العبيد في البحرين

بدأ ظهور فخار العبيد في البحرين في نهاية الألف الخامس قبل الميلاد حيث وجدت هذه الكسر بشكل خاص في مستوطنات صيادي السمك في منطقة المرخ، بالقرب من رأس الجزائر، على الساحل الغربي للبحرين. كذلك، فقد عثر على هذا الفخار في موقع عين أم إجراي في كرزكان، على الساحل الغربي، وعثر عليه أيضاً في منطقة ثالثة تقع ما بين قريتي الدراز وباربار، على الساحل الشمالي للبحرين (Larsen 1983، appendix II). تلك النتائج أدت لاستنتاج أن أولى المناطق الساحلية التي سكنت في البحرين هو الخط الساحلي الغربي الممتد من الشمال وحتى منطقة المرخ في رأس الجزائر، أي على امتداد 30 كم (Larsen 1983). ويلاحظ أن تلك الأماكن الساحلية التي سكنها شعب تلك الحقبة تمثل المناطق المرتفعة القريبة من السواحل والسبب في ذلك هو ارتفاع منسوب مياه البحر الذي كان يغطي المناطق الساحلية المنخفضة المعروفة حالياً.

هذا، وقد تم العثور على فخار العُبيد في مناطق مختلفة في البحرين وشرق الجزيرة العربية. وهناك خلاف حول نوعية استيطان الجماعات التي استخدمت فخار العُبيد في البحرين وشرق الجزيرة العربية، فهل كانت تمثل تلك المواقع مواقع استيطان حقيقية أم مجرد مواقع لزيارات عابرة من قبل تلك الجماعات؟.

يرى عبدالله حسن مصري، في رسالة الدكتوراه التي قدمها عام 1974م، أن الفخار المكتشف في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية العائد إلى فترة العُبيد كان نتيجة لاستيطان وتطور محلي، بينما ترى Oates، أن فخار العُبيد مجرد مخلفات أقوام جاءوا من بلاد الرافدين إلى شرقي الجزيرة العربية وأقاموا إقامة موسمية إما لنقل التجارة أو لأغراض أخرى، وترى أوتس أن تحاليل الفخار بينت بشكل جلي أن منشأ الفخار هو بلاد ما بين النهرين (الغزي 2006).

ويرجح Cleuziou أن العُبيديون قد كان لهم توجه بحري وكانوا يسافرون في زوارق على طول ساحل الخليج العربي ويجلبون معهم الأواني الفخارية المتميزة التي كانوا يصنعونها، و كانوا يستقرون على الجزر وسواحل شرق الجزيرة العربية ويخلفون وراءهم بصمتهم المميزة وهي أوانيهم الفخارية، ويحتمل أن يكونوا قد أقاموا علاقات مع السكان المحللين وأعطوهم أو باعوهم أوانيهم الفخارية المطلية ربما مقابل سلع أخرى، وبذلك أدخلوا لتلك المناطق تقنية جديدة وهي تقنية صنع الفخار (Cleuziou 1999).

بينما يرجح عدد من الباحثين، اعتماداً على نتائج حديثة، أن تلك الجماعات، استوطنت البحرين ومناطق أخرى على سواحل الخليج العربي، وأقاموا بها، بل أن هناك تطوراً محلياً لهذه الجماعات في تلك المناطق (Frifelt 1989)، (Beech et. al. 2000).

ما بعد العُبيد

بعد الحقبة العُبيدية حدثت قطيعة بين الجنوب الرافدي وشرق الجزيرة العربية؛ وربما يعود ذلك لتغير الظروف المناخية التي أدت إلى أن تكون منطقة شرق الجزيرة العربية شبه خالية من السكان (Uerpmann 2003). وفي قرابة العام 3300 ق. م.، أي في بداية حقبة جمدة نصر في الجنوب الرافدي، بدأت العلاقات تعود بين شرق الجزيرة العربية والجنوب الرافدي. يذكر أنه في البحرين، عثر على عددٍ من اللقى الآثارية التي تعود لحقبة جمدة نصر، الفترة ما بين 3200 - 2600 ق. م.، وذلك في ثلاثة مواقع أساسية في البحرين هي: موقع معابد باربار(Mortensen 1986)، وموقع الحجر (Rice 1971، 1988)، وشرق كرزكان (Laursen 2013). ويلاحظ أن هذه المواقع الأثرية تقع بالقرب من المواقع الأثرية التي عثر فيها على آثار الحقبة العُبيدية.

الخلاصة، إن دراسة المواقع الآثارية على الساحل الغربي، تضيف العديد من المعلومات الجديدة حول تسلسل الاستيطان في البحرين؛ حيث يلاحظ وجود تسلسل للاستيطان في البحرين، قبل أن تتأسس حضارة دلمون، بدءاً من 4000 ق. م. وحتى 2600 ق. م. وربما يمثل هذا الاستيطان الجذور الأولى لحضارة دلمون، ومما يرجح ذلك ظهور قرى دلمونية بالقرب من هذه المواقع القديمة، وقد سبق أن تطرقنا لبعضها، وسوف نتناول في حلقات قادمة قرى دلمونية أخرى نشأت على الساحل الغربي.

العدد 4795 - الجمعة 23 أكتوبر 2015م الموافق 09 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً