يوم الثلثاء، التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول سنة 680م كان مختلفاً. إنه يومٌ قُتِلَ فيه الحسين بن علي بن أبي طالب، وابن فاطمة بنت محمد بن عبدالله (ص)، حيث كان مقتله في الطَّف. وهذه المنطقة هي أرض «من ضاحية الكوفة في طريق البَرِّيَّة» بحسب توصيف الطبري.
ولفظة البَرِّيَّة عند العرب تعني الصحراء. لكن ربما يخالف ذلك ما ذكره البعض من أن الحسين قُتِلَ «بالطّف من شاطئ الفرات بموضع يُدعَى كربلاء» حيث لا يتفق وجود الصحراء والجفاف مع الأنهار والنداوة. لكن ووفقاً لجغرافيا اليوم فإن التدقيق في خارطة العراق يعطينا تفسيراً لذلك.
فعندما نأتي إلى نهر الفرات، فإننا سنجد أنه يشق المنطقة الممتدة من شرق الكوفة وناحية العباسية وطريق البركة وصولاً إلى منطقة الكفل فالحيدرية وعلى الجهة المقابلة حيث منطقة بيرس حتى تخوم كربلاء. لذلك فإن الترجيح لمكان واقعة الطف أنها في منطقة وسط ما بين بَرِّيَّة الكوفة وحدود كربلاء. وربما سمَّى الطبري ذلك لاختلاف المسميات والمناطق قديماً، حيث لم تكن هناك معالم صارمة للحدود، بل هي خطوط رجراجة، يكون فيها هامش التداخل أكبر من الآن.
أعود للحديث عن قتل الحسين بن علي بن أبي طالب. فقد كانت شخصية الحسين تمثل أهمية كبرى في ثلاث زوايا: في قريش وعند العرب وعند المسلمين. هذا يعني أننا نتحدث عن مُشكَلة قبلية ومشكلة قومية ممزوجة بمشكلة أممية. هذه الزوايا جعلت الأمر خطيراً جداً.
لقد كانت قريش متفرعة عملياً إلى 11 بطناً من نسل عبدمناف بن قصي، بالإضافة إلى سبعة بطون أخرى تنتسب إلى تلك القبيلة عبر خيط رفيع. وكان ذلك التفرُّع القبلي ينطوي على صراعات مكتومة وظاهرة لكنه أيضاً كان يأخذ جانباً من التحالف الداخلية بين تلك البطون. وكانت درجة الأفراد تتمايز من خلال تسلسلها بين أسياد البطون الرئيسية في قريش.
في المسألة العربية فقد كان الأمر واضحاً في تلك الفترة، وبالتحديد ما بين عرب الجزيرة وعرب اليمن، اللذين يُشكلان بالأساس مادة العرب وأصلهم. لذلك، كانت إحدى النصائح السياسية التي قُدِّمت إلى الحسين من قِبَل ابن عباس، هي أن يذهب إلى اليمن كي يستند بعربها وميلهم لأبيه في المطالبة بالخلافة. وكان المنطق القومي حساساً للعرب، لذلك استخدمه الحسين نفسه لحظة الصراع العسكري، عندما قال لخصومه: «ارجِعوا إلى أحسابِكُم إن كُنتُم عرباً كَما تَزعُمون».
أما المسألة الأممية، فقد بدأت بواكيرها منذ السنة الثالثة عشرة للهجرة بسبب الفتوحات والتوسع في الدولة الإسلامية. فقد سبق قتل الحسين أنْ دخل العراق ودخلت الشام ومصر وفارس وتركيا وقبرص وأرمينيا وبلاد السند وأفغانستان ووسطي آسيا وأوربا إلى الدولة الإسلامية، وهو ما خلق شعوراً بالانتساب إلى الأمة من الأقوام غير العربية. هذا الأمر انعكس على حادثة مقتل الحسين فسّرته الثورات التي تلت مقتله من شخصيات عربية وغير عربية كذلك، والتي أضعفت من شوكة الدولة الأموية على المدى البعيد.
لذلك قال الهيثم بن عدي نقلاً عن عيّاش قال: حدثني بكير أبو هاشم مولى مسلمة قال: «لم يَزَلْ لبني هاشم بيعة سرّ ودعوة باطنة منذ قتل الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم نزل نسمع بخروج الرايات السود من خراسان وزوال ملك بني أمية، حتى صار ذلك». لقد أصبح قتل الحسين عنواناً لتحالفات عديدة، وصلت حتى إلى تحالف أنصار أهل النهروان مع حركة المختار الثقفي. كما استثمر ذلك العباسيون كونهم من آل العباس بن عبدالمطلب أي قرشيين وأقرباء للنبي (ص).
ليس ذلك فحسب، بل قام البعض وعبر طلب المشروعية إلى الادعاء بأشياء كاذبة كاستخدام أسماء بعض القيادات التاريخية في الدولة الإسلامية في الحادثة. أذكر هنا رواية نقلاً عن روح بن زنباع عن أبيه عن الغاز بن ربيعة الجرشي أنه كان عند يزيد بن معاوية، فأقبل زحر بن قيس الجعفي حتى وقف بين يدي يزيد، فقال: ما وراءك يا زحر؟ فقال: أبَشِّرك يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، قَدِمَ علينا الحسين في سبعة عشر رجلاً من أهل بيته، وستين رجلاً من شيعته، فبَرَزنا إليهم وسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير أو القتال، فأبَوا إلاّ القتال، فغَدَونا عليهم مع شروق الشمس، فأحطناهم من كل ناحية، حتى أخذت السيوف مأخذها من هَام الرجال فجعلوا يلوذون منا بالآكام والحُفَر كما يلوذ الحمام من الصقر، فلم يكن إلاّ نحر جزور أو قوم قائم، حتى أتينا على آخرهم: فهاتيك أجسامهم مجزّرة وهامهم مرمّلة وخدودهم معفّرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح بقاع سبسب، زوّارهم العقبان والرخم».
لكن هذه الرواية فيها نظر. فـ زحر الجعفي هذا كان أحد أصحاب علي بن أبي طالب، وقدّمه على أربعمئة من أهل العراق، وولاه المدائن «وشهد معه صفين، وبقي معه مُؤمَّراً، ثم أدرك نجله الحسن الذي طلب منه أخذ البيعة، وكان شريفاً فارساً، وله ولد أشراف» كما ذكر ذلك الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن، وورد ذلك في بغية الطلب في تاريخ حلب. لذلك ليس صحيحاً ما نُقِلَ عنه أنه قال شيئاً في الحسين. وقد اعتُبِرَ ما ذُكِرَ أن اشتباهاً قد وقع بين اسمين متشابهين. لكن ما يبدو أن أصل ذكره كان طمعاً في استمالة أسماء دون سند، فقط لكسب شرعية الحدث.
الحقيقة، أن مسألة قتل الحسين هي من المسائل المفصلية في تاريخ قريش والعرب والمسلمين ودولتهم. وينبغي قراءتها وتناولها من غير توجيه مزيد من ألم الأمة ونحن نعيش 1400 عام بعدها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4795 - الجمعة 23 أكتوبر 2015م الموافق 09 محرم 1437هـ
هذا ما نحتاجه
التحليل المعتمد على ترابط الأفكار ولغة الأرقام هو المقنع والسليم كهذا المقال المتميز
احسنت وبارك الله في جهودك المتميزة
من اروع ما قرأت جميل تحليلك اخ محمد
شهادة الحسين تلك الصدمة التي كانت الأمة بحاجة اليها بعد سبات
لقد كانت الأمة بحاجة لصدمة توقظها من سباتها وتهزّ ضميرها. حيث اصبح تحوّلت الخلافة والتي كانت مسؤولية عظمى يقوم بها الخليفة اصبحت ملكا عضوض كما اخبر النبي بذلك واصبح الدين في حالة وهن وضعف وبدأ الناس يبتعدون عن الدين حيث كانت الدولة الأموية الوراثية تخطط لإبعاد الناس عن جوهر الاسلام الاصيل.
لذلك كانت شهادة الامام الحسين مبشر بها من قبل جبرئيل في يوم ولادته وعلى ضوء ذلك فهي تكميل للخطة الالهية لتثبيت الاسلام لكي لا يضمحّل ويصبح ملكا يتوارث
كلمة حق يراد به الباطل
" الحقيقة.... وينبغي قراءتها وتناولها من غير توجيه مزيد من ألم الأمة ونحن نعيش 1400 عام بعدها. " منقول..... كل الروايات المنقولة عن الأئمة سلام الله عليهم تدعوا وتوجه لإستمرارية الألم الى يوم القيامة لحكمة غائبة، والعلم يؤيد ذلك ، والذكاء العاطفي إحدى ركائزه. أقول فقط وفقط إتبعوا الروايات المنقولة عن المعصومين في قضية الحسين عليه السلام ، وأما التحليلات السطحية ماهي إلا تحليلات ومحاولات غير ذا قيمة في وجود منبع العلم والتحليل والتمحيص العملي وهم الأئمة والمجتهدين اليوم .
الحسين في قريش
يعجبني أبو العلاء المعري وهو عربي من معرة النعمان
*أليس قريشكم قتلت حسينا وكان على خلافتكم يزيد *