في ذكرى عاشوراء

سرى لكم من داره كل راكب

وكل حبيب بين ماض وآيب

تقر عيون العاشقين إذا رأوا

منازل عنها الوشم ليس بغائب

ومالي إذا عزمي توجه نحوكم

تقر عيوني ... بالأمور الغرائب

خليلي مالي ومال الهوى غير أنني

أعانق تلك الدار من كل جانب

ولي همّة تعلو على كل همة

تسابق في النعمى مجال الكواكب

ولكنني لما بلغت ديارهم

تذكرت سورات النوى والنوائب

ديار لهم في كربلا طاب ريحها

فسيقت لها الآهات سوق النجائب

تطاول مزهواً سماك بنائها

بمن ضمه قبر علا بالمناقب

تحدر ذاك الطود من صلب هاشم

وتلك المعالي من لؤي بن غالب

ويوم به الأقدار دارت بعصبة

وماجت ثنايا الموت بين الكتائب

تداركها سبط النبي بعضبه

كبرق هوى فوق العدا غير هائب

فأورد تلك الخيل شقراً وردها

عليها إهاب النقع حمر العصائب

له الطعنة النجلاء في صدر ضيغم

لتختلج الأكباد من هول ضارب

ومن حوله من آل فهر يقودهم

أخوه أخو الهيجاء ماضي الضرائب

جثوا كالروابي في ظلال سيوفهم

وقد وهبوا للدين كل الأطايب

ترفرف رايات الحسين عليهم

فتذكي نفوساً للوغى والحرائب

ضراغم إن داعي الكفاح دعاهم

يشدون نحو الموت شد الركائب

جيوش المنايا تستظل رماحهم

فإن وثبوا هبت بعوج المخالب

إذا صال من فتيان فهر تقلبت

عيون العدا نحو الطيور الهوارب

وما هي إلا غدوة وعشية

إذ اهتز ركن الدين بين القواضب

فخرّ صريعاً والمواضي تكالبت

عليه، وسمر الخط مثل العقارب

كأني به قد قال: يا نفس هوني

ولا تجزعي، فالموت سهل لطالب

ولكنه – والحر يجزع أن يرى –

كرائم بيت الوحي تسبى لغاصب

حواسر بين القوم والبيد سترها

فتدمي قلوباً بالدموع السواكب

فيا كربلا كم فيك معترك الأسى

وكم فيك مثوى للشموس الغوارب

سلام عليهم ما أناخت ركائب

وما كبر الساعون فوق النجائب

محمد حسن كمال الدين

في ذكرى سيد الشهداء

لابن بنت الرسول أرقَلتِ العيسُ

وألْوَتْ أعنةُ الفرسانِ

فلها موعدٌ مع الفجر والفجرُ

خضيب الإهاب كالأرجوانِ

رُويتْ بالدّماء أرضُ الغريّين

وفاحت شقائقُ النعمانِ

وأناخت بها قلوب المحبين

وحطّت رواحل الأظعانِ

وبكى القلبُ مثخناً بالجراحات

وغصّت بدمعها المقلتانِ

وعلى قبره المكفّن بالحُزنِ

تراءت مواكبُ الأحزانِ

فبَنُو المصطفى على الأرض صرعى

داميات النحور والأبدانِ

و«حسينٌ» بروحه ينصرُ الدينَ

بلا ناصرٍ ولا أعوانِ

فقضى نحبه ولماّ تفارقْ

شَفَتَيْهِ تلاوةُ القرآنِ

إيه يا كربلا فمازلتِ رمزاً

للبطولات... سرّها والمعاني

فبكلِّ الأزمانِ منك شهيدٌ

ومُدلّ بالظّلمِِ والطّغيانِِ

فوق جرح الزمان يعلو حسينٌ

ويزيد لا ينتمي لزمانِ

ونفوسٌ مخلداتُ كرامٌ

ونفوسٌ تَبُوءُ بالخسرانِ

صولةُ البغي ساعة ثم تفنى

ونعيمُ الأحرارِ ليس بفاني

تقي محمد البحارنة

عذب كالشهد الموت دونك

أبا الأحرار يا نشيد الخلود

لترابك انحنيت

وأثيرك شممت

بقبابك استجدي

هامت فئام بوجدك

تتهجد بترتيلة سحرك

حجتك جحافل حرة

تسعى بهيامك سبعا

أيا قرة عين الوجود

وقطب المعالي

ووجد كل ثائر

أيا تريب المحيا

ونصب المتيّمين

مخضرم ثراك

مسدد عنوانك

يا بهجة الأحرار

وسكن الثكالى

ومربع اليتامى

استجديك

علني أحظى بأثيرك

يا قبلة العارفين

ومحراب المستضعفين

يا سنا المستميتين

تستبسل ثوار بأثرك

لا تساوم... لا تنثني... لا تركع

لترابك انحنيت

عذب كالشهد

الموت دونك

تحنن على أماقي ترنو هلالك

بدمائك خططت ربيع الشهادة

واجتثثت شنار المستكبر

تحمم نهضتك العصماء

وتصدح واعيتك

هيهات منا الذلة

عوالم تسبح بغديرك

تمرغ ناصيها بنحرك

لو انشطر فؤادها

لتبتل حسين حسين حسين

يا موئل كل حر

وقسم كل مستنصر

وطريق معبد لكل متعثر

يا منعة الثائرين

يا معجم لكل مستبصر

وحقيقة قائمة منذ الأزل

يا أكليل المستضعفين

وأنشودة الغضب المتحرر

بركان لا يخمد وهجه

يا علما شامخا يرفرف للخلود

يا حسين...

نهاية الحواج