لم يوفر المنتمون إلى تنظيم «داعش» الإرهابي الألعاب الإلكترونية، إذ استخدموها للتواصل بين الأعضاء، الذين يخوضون معارك إلكترونية افتراضية في إحدى الألعاب، ويقومون بالتخطيط والتواصل في ذلك العالم، بعيداً عن عيون المراقبة المباشرة، ذلك أن الأجهزة الخادمة لتلك الألعاب موزعة في جميع أنحاء العالم، ويسهل التنقل بينها، وفي المقابل تصعب مراقبتها، حسبما نقلت صحيفة "الحياة".
وأوضحت حملة «السكينة للحوار» (التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد)، في دراسة حول هذه الظاهرة، أن التنظيم يحاول الاتصال باللاعبين بطرق مختلفة، مثل الدردشة معهم صوتياً، أو نصياً ومحاولة تضليلهم، أو محاولة تجنيد أطفال في الولايات المتحدة من داخل لعبة «Roblox» الطفولية، بهدف تنفيذ عمليات إرهابية داخل أراضيهم.
وسجل التنظيم أيضاً عروض فيديو لألعاب عنيفة مثل: «Grand Theft Auto 5»، وأخبروا اللاعبين بأنهم يستطيعون تكرار ما يحدث للشخصيات. ولكن في العالم الحقيقي تماماً مثل عالم اللعبة، وبمجرد الانضمام إليهم. وطورت المجموعة كذلك تعديلاً مجانياً للعبة «آرما 3» الحربية المعروفة بواقعيتها في محاكاة الأسلحة والآليات في المعارك، وذلك بهدف تدريب جنودها على سيناريوهات مستوحاة من الواقع، إضافة إلى التأثير في الأطفال والشباب لتمجيد دور المجموعة.
وبدأت هذه التعديلات على شكل ملفات تحوي شخصيات تنتمي لمجموعة «داعش» يجب على اللاعب قتالها، ولكن بعض التابعين للمجموعة حصلوا على تلك الملفات وعدلوها ليصبح بإمكان اللاعبين استخدام تلك الشخصيات، باعتبارها شخصيات رئيسة، وعدلوا المراحل وأضافوا أعلامهم وشعاراتهم وملابسهم. وليس من البعيد أن يتأثر الأطفال والمراهقون بذلك، ويتمنوا تجربة ما يحدث في عالم الألعاب الإلكترونية العنيفة خارج منازلهم، وهو ما يوقعهم ضحايا لهذه المحاولات. ما يحتم على الأسر توخي الحذر عند اقتناء هذه الألعاب، وتوعية الأطفال أن ما يحدث في عالم الألعاب الإلكترونية هو أمر خيالي ولا يجوز تقليده في العالم الحقيقي، وتوضيح الأضرار الناجمة عن ذلك.
«دعشنة» ألعاب شهيرة
تسابق مقاتلو تنظيم «داعش» الإرهابي على الإعلان عبر منتديات ومواقع التواصل الاجتماعي و«يوتيوب» عن لعبة إلكترونية جديدة تحاكي لعبة «Grand Theft Auto» الشهيرة، وحملت اسم «صليل الصوارم»، ويظهر في اللعبة علم «داعش»، كما تحمل اللعبة خلفية موسيقية لإحدى الأناشيد الجهادية، مع ترديد شخصيات اللعبة عبارة «الله أكبر» عند قتل أو تفجير الخصوم. وفي «كول إف ديوتي 8» يتمكن «الدواعش» من دخول هذه اللعبة ومحادثة من يلعبها، مستغلين خبراتهم في استخدام التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك، لحشد تعاطف الناس عامة والأطفال خاصة، أو لمهاجمة معارضيهم. وكذلك لعبة «آرما 3»، وهي لعبة إلكترونية ثلاثية الأبعاد، تضم أساساً الجيش الروسي والصيني والأميركي والهندي، يمكن أن يصل عدد لاعبيها إلى 40 شخصاً عبر الشبكة الإلكترونية. وفيما تم تطوير النسخة الجديدة من اللعبة، ضمت هذه الأخيرة إضافات وتحديثات أتاحت لمناصري «داعش» القيام بشنّ هجمات افتراضية على مواقع للجيش السوري والبيشمركة و«الرافضة»، بحسب ما نقل موقع «فوكاتيف» عن أحد المنتديات الخاصة بالتنظيم، ودارت نقاشات حول اللعبة، وتم الاتفاق على إطلاق عشرات النسخ منها، وتوزيعها مجاناً على كل من ينادي بـ«الخلافة الإسلامية».
وجاء اختيار «داعش» لعبة «آرما 3»، لأنها حربية ومفتوحة أمام أي مستخدم، وتتيح إجراء التعديلات التي يريدها وتغيير نوعية الأحرف والتصاميم المستخدمة، إضافة إلى تغيير عناصر اللعبة وشخصياتها، بحسب ما أفاد موقع «فوكاتيف»، الذي أشار إلى أن انضمام «داعش» إلى اللعبة سيتيح للاعبين حول العالم أن يقوموا بشنّ هجمات على «التنظيم الإرهابي»، بعدما أصبحت هذه الميزة متاحة أمامهم.
آثار في الأطفال
وأكدت دراسة بعنوان: «الإعلام والثقافة وفنون الطفل»، تأثير المشاهد المرئية في ثقافة الطفل بنسبة 40 في المئة، بينما تمثل الأسرة والمدرسة والجيران والمجتمع مجتمعين النسبة المتبقية. ولفتت الدراسة إلى أن المنظمات الإرهابية التي تعمل على استقطاب الناشئة في صفوفها كانت أكثر وعياً بأهمية الوسائط الإعلامية الحديثة، وأثرها الطاغي في الأطفال والشباب، فسارعت جاهدة باستخدام تلك الوسائل حتى تضمن تأسيس جيل موالٍ لها يعتنق أفكارها المريضة، كما أدركت أهمية القوى الناعمة في التأثير.
وأشارت الدراسة إلى أن أحد التنظيمات الإرهابية صمم لعبة إلكترونية لاختراق عالم الأطفال، بإثارة الوسائل السمعية والبصرية، إلا أن 70 في المئة منها يحوي معارك تقوم على تعليم الطفل كيف يقتل جنوداً من الجيوش النظامية لدول عربية، باعتبارهم «أعداء» له. كما تتضمن كمائن لتفجير المركبات العسكرية، مبينة استخدام الإرهابيين لكل وسائل الإعلام الحديثة في الوصول إلى الشباب، مثل مواقع التواصل الاجتماعي التي اتخذوا منها ساحة للتواصل وبث أفكارهم المسمومة، لاستقطاب الشباب، منتقدة سطحية وتواضع قنوات الأطفال العربية، سواءً من ناحية الكم أم المضمون.
ولفتت إلى أنه في مقابل 50 قناة أوروبية تهتم بالطفل لا توجد سوى خمس قنوات عربية. وقاست الدراسة نسب تأثير الوسائط الإعلامية المختلفة على الطفل، وكانت: السمعية والبصرية 60 إلى 70 في المئة، والتفاعلية كألعاب الكومبيوتر بين 20 إلى 30، والسمعية بين 10 إلى 20، والبصرية المقروءة بين 10 إلى 20. ويعد التلفاز والأجهزة الحديثة مثل «البلاستشين» والأجهزة اللوحية الذكية الوسيلة الإعلامية الأكثر تأثيراً، وهو ما يتطابق أيضاً مع آراء الخبراء الذين يؤكدون في بعض الدراسات، أن التلفاز يأتي بعد الأم والأب مباشرة في التربية الحديثة.
«صليل الصوارم» لعبة إلكترونية «داعشية»
من بين الإصدارات الإعلامية لتنظيم «داعش» الإرهابي لعبة إلكترونية باسم «صليل الصوارم»، أطلقها التنظيم أيلول (سبتمبر) 2014، في مسعى منه لرفع معنويات «المجاهدين» وتدريب الأطفال والمراهقين على مقاتلة قوات التحالف الغربي والإقليمي. وتتيح لمستخدميها بحسب العرض الدعائي لها، تنفيذ عمليات تفجير وقنص واقتحامات. والأبطال فيها عناصر «داعش»، فيما العدو هم الجيوش الإسلامية والعربية وتم التحذير منها عالمياً. وهي نسخة عن اللعبة المعروفة «غراند ثيفت أوتو 5».
وتضمن اللعبة مراحل عدة، تبدأ بالقتال، ثم التفجير إلى تحرير المناطق، يتقمص خلالها اللاعب دور أحد أفراد التنظيم الإرهابي الذي يقوم بعمليات قنص، واشتباكات، وسرقة السيارات، وفك القنابل، والذبح، وتفجير المساجد والمنازل، وخلال ذلك ينفذ عناصر التنظيم عمليات إرهابية ضد قوات عسكرية، ومنشآت بمختلف أنواع الأسلحة، ويظهر في الخلفية الموسيقية «صليل الصوارم» النشيد الرسمي للتنظيم الذي يدعو إلى القتل. ويبدأ «برومو» اللعبة الذي نشر قبل أيام على موقع يوتيوب بتوجيه رسالة تحذيرية، ورد فيها: «ألعابكم التي تصدرونها، نحن نمارس هذه الأفعال الموجودة نفسها في ساحات القتال»، ليظهر بعده CD اللعبة التي حوت صورة «مجاهد كرتوني» مُقنَّع، ومن خلفه دمار وآثار تفجير، وعليها اسم الإصدار «صليل الصوارم»، وحوى البرومو بدلاً من الموسيقى، نشيداً جهادياً باسم اللعبة يدعو إلى القتال.
وقسّم البرومو اللعبة بحسب التكتيكات المعروفة عن «داعش»، إذ تمارس الشخصيات الإلكترونية الشبيهة بمقاتلي التنظيم أعمالها بكمائن لتفجير المركبات العسكرية، وأخرى متخصصة في القنص، وثالثة بقتال الصاعقة وهجوم على المنشآت العسكرية بالسلاح الأبيض والمسدسات الكاتمة للصوت. وتمر مراحل اللعبة بمهاجمة الجيش العراقي ثم القوات الأميركية، ومع كل نجاح مهمة باللعبة تطلق الشخصيات الكرتونية صيحات وتكبيرات مع بكاء وعناق فرحة بالنصر، كما تنال الشخصيات الكرتونية من ضحاياها بإطلاق الرصاص والذبح، في محاكاة لما يفعله مقاتلو التنظيم على أرض الواقع. ونصحت الدراسة بمُعالجة المشكلة عبر التحرك في ثلاثة اتجاهات بشكل سريع: الأول: الاتجاه التقني، وهو تخصيص وحدة لكشف مثل هذه الألعاب ومنعها أو حجبها والتواصل الرسمي مع الشركات المُنتجة لإيقافها. والثاني: الفكري، فشبكات الضلال لن تتوقف عند وسيلة أو أسلوب وفي كل فترة ستظهر لدينا برامج ووسائل تحريض جديدة فأهم عنصر هو «التحصين»، ورفع مستوى الوعي لدى الأطفال والشبان والفتيات والأسر، وهذا لا يتم إلا عبر برامج ومشاريع ميدانية تصل لكل فئات المجتمع.
أما الثالث: فهو الواقع، إذ يتطلب إنشاء مركز وطني تقني فكري يتعامل مع شبكات التواصل والتقنيات الحديثة، ويواجه الحرب الإلكترونية التي تنطلق من منصات متعددة الخلفيات، وتهدف إلى صناعة فوضى واستقطاب أكبر قدر ممكن من شبابنا، ومركز يتعاطى مع الرأي العام ويقيس ويحلل ويكون حاضراً ببرامجه في الميدان. فالمواجهات والمعالجات المبعثرة مشكورة وتؤدي ما تستطيع، لكن الواقع ومهدداته يتطلب عملاً مؤسسياً مُركّزاً.