أطفال السياسة والإعلام ومغرضيهما، لا يميزون بين الحكم والحكومة، ويجهلون أو يتجاهلون، أن سلطات الدولة، التنفيذية (الحكومة)، والتشريعية والقضائية، هي ليست إلا عملية تفويضية شعبية، عبر الانتخاب و/أو التزكية، لإدارة شئون الدولة، بما يخدم المواطنين، ففي الدولة المدنية الحديثة، ليس هناك ما يسمى بالحزب الحاكم، أو الحزب الحكومي، بل هناك الحزب المفوض عبر الانتخاب الشعبي، لتتشكل السلطة التنفيذية (الرئيس والحكومة) من كوادره وحلفائه السياسيين، ليدير ويحافظ على وينمي، مقدرات الوطن البشرية وثرواته، من أجل خدمة المواطنين على قدم المساواة، ممتثلاً لنظام حكم الدولة، المنصوص عليه في الدستور، تلك الوثيقة العقدية التي تتوافق عليها جميع مكونات المجتمع البشرية أو غالبيتها، عبر التصويت المباشر من دون أية وكالة، عدا عن إعداده كمسودة، وتنقيحها بما يرقيها لتصويت الشعب عليها. وبمقتضاه، إما أن يُعين رئيس الدولة المنتخب شعبيّاً، رئيساً للحكومة، ويكلفه تشكيل الحكومة، عبر ترشيح أعضائها، ليصدر الرئيس مرسوم قرار تعيينهم، أو ينتخب الشعب رئيس الحكومة بشكل مستقل عن انتخاب الرئيس، وبهذا يشكل الديوان الرئاسي والحكومة، السلطة التنفيذية للدولة، قبالة السلطتين الأخريين، السلطة التشريعية والرقابية (البرلمان)، والسلطة القضائية، وهذا من خصال نظام الحكم الرئاسي، أما في النظام الملكي، فعادة ما يكون للملك، من السمو المشروط بالعدل المساوي للمواطنين، بمعيار المواطنة فقط، ما يجعله بحكم القبول المجتمعي العام، ملكاً يملك ذاتاً مصونة لا تُمس، من خلال حرصه على صيانة وضمان تطبيق الدستور، والذود عن الوطن وأمن المواطنين، وحفظ حقوق المواطنة، وهو بهذا يقوم هنا مقام الرئيس، في تمثيل اسم الدولة، وضمان عدالة القضاء، وإصدار المراسيم والقوانين، التي يقرها المجلس النيابي، ويوجه الحكومة بما لا يخرج على الدستور والقوانين الدولية، وهو المنزه عن الولوغ في المماحكات السياسية وتنفيذها، بعدم ممارسته إياها، ليكون قادراً على حفظ التوازن المجتمعي بين جميع مكوناته السياسية والدينية والمذهبية والعقائدية المتعددة، وضمان احترام الكل لمعتقدات الآخر المختلف. أما رئاسة الحكومة في النظام الملكي، فيتم تحديد شخوصها من المواطنين عبر الانتخاب الشعبي العام، ليختار رئيس الحكومة بقراره الوزراء، ويرفع لائحته بهم إلى الملك، الذي يصدر مرسومه بتحديد وتسمية وزراء الحكومة. وفي كلا النظامين، يجب على الحكومة تقديم لائحتها الوزارية، لكل وزارة بشخص وزيرها ووكلائه، وعرض مؤهلاتهم وخبراتهم، بالانسجام مع مشروع البرنامج الحكومي، الشامل للجوانب السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والدفاعية والأمنية، والخدمية... الخ، وذلك لكل عام أو عامين، مشفوعاً بمشروع موازنة الدولة للدورة الزمنية ذاتها، الى مجلس النواب، المنتخب أعضاؤه شعبيّاً، لإقراره أو رده أو بعضه، الى الحكومة لتعديله بما يواكب ملاحظات النواب، بما يلبي في النهاية الطموحات والاحتياجات الشعبية. ولمجلس النواب في كلا نظامي الحكم، المرتبة الأعلى على الحكومة، بالرقابة والمحاسبة، وواجب الرئيس أو الملك، تحمله مسئولية وفاء الحكومة، بتنفيذ برنامجها المقر من قبل مجلس النواب، والإحالة الى المجلس أي مسببات تؤثر بطبيعتها على مسار تنفيذه والوفاء به، مرفقاً بمشروعات التعديل ودعاماتها في الموازنة، وقطعاً تحتاج التعديلات إلى إقرار مجلس النواب، كما في البدء. ومن هنا فإن الدولة المدنية الحديثة، تهتم أول ما تهتم بمعايير العمليات الانتخابية، لتعكس مخرجاتها الإرادة الشعبية الحرة ونضجها المتطور تراتبيّاً، البعيدة عن التأثير الحكومي أو الديني، وذلك من خلال إدارة العمليات الانتخابية، عن طريق الهيئات المتخصصة المستقلة، التي لا سلطة عليها من قبل أيٍ من، سلطات الدولة القائمة وقت الانتخابات، ويشرف على أداء هذه الهيئات، مراقبون محليون ودوليون، وفريق من القضاة العُدَل.
ويُستكمل النظام الانتخابي بجعل البلاد دائرة انتخابية واحدة، من حيث جعل أصوات جميع المواطنين هي القاعدة التي تنبني عليها الثقة الشعبية في النائب، لكي يكون النائب بحق يمثل الشعب بأسره، جراء حصده أصوات الناخبين على مستوى كامل الخريطة الشعبية، ومن ناحية أخرى، عدم جعل الإنابة الشعبية للنائب سرمدية، طوال الفصل التشريعي، بغض النظر عن سلبية أداء النائب، أو عدم وفائه بوعوده الانتخابية، فلايزال الشعب هو صاحب الحق، دون حق الاعتراض من قبل المجلس، في الإبقاء على النائب أو عزله ومحاسبته على شططه، من خلال سحب الثقة الشعبية منه بنسبة معلومة، قياساً على ما ناله من أصوات أدخلته المجلس النيابي.
ولضمان الفصل بين السلطات، باستقلال كل منها عن الأخرى، إنشاءً ونظاماً وإدارةً وموارد، وجعل جل همها خدمة الوطن والمواطنين، بناءً على الضمير الوظيفي، الخاضع للمحاسبة من قبل المواطنين، فيسري عليها وعلى شخوصها ما يسري على النواب من حقوقية الخلع الشعبي لأي منها.
وللسلطة القضائية، ربما حالتها الخاصة، التي تستدعي واجب إجراءات التعيين والإعفاء، منوطاً بأكثر من سلطة، يشترك فيها الرئيس/ الملك، ومجلس النواب، ومجلس القضاء الأعلى، من حيث ان الأخير هو هيئة قضائية مستقلة، لا تأتمر إلا بقرارات هيئاتها العليا، وذلك في نطاق المختصين من المواطنين، بالسلك القانوني والحقوقي والقضائي.
وتبقى الحاجة المجتمعية، لضبط حالة الوعي، ومسئولية القرار لدى أفراد الشعب، ولن يتأتى للمجتمع تحميل الفرد مسئولية قراره، إلا بتطبيق القانون دون أدنى تمايزات ولا تفريقات بين المواطنين، لأي سبب كان، فالناس سواسية أمام القانون وفي الحقوق والوجبات، وهي مهمة تتولاها السلطة القضائية الخاضعة للمحاسبة الشعبية، التي تحال إلى الجهات المعنية كما هو عاليه، للتصرف بالعزل والإبدال إذا اقتضى الأمر.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4792 - الثلثاء 20 أكتوبر 2015م الموافق 06 محرم 1437هـ
درس و ثقافة
رعاك الله استاذ، كل مقال لك يحمل فكراً وثقافة وعلماً ودرس .. لو كل فرد قرأ مقالاتك لكان عَلم و فهم واستوعب و أدّى.
هذا كل ما يمكن قوله الآن.
في حفظ الله.
خادم مدني
يعجبني المصطلح المستخدم في الدول المتقدمة للشخص الذي يعمل في اجهزة الدولة. اذا سألت واحد شنو تشتغل، يرد عليك خادم مدني Civil Servant يعني اخدم العامة. متى نوصل لهذا المستوى؟ احنا حتى الفراش يعتبر نفسه فوق الوزير.
صح لسانك يا استاذ:
نعم كلام معقول ولكن اين نحن مما تقوله يا عزيزى ؟ فأنتهكنا الدستور وجميع القوانين فقط ابقينا ماهو صالح لنا كأفراد فقط وليس كشعب وبلد بأكمله.