مثل إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر المرحلة الأخيرة من خطوات العودة المبشرة بالديمقراطية، بعد أكثر من عامين على الإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد مرسي على يد الجيش. لكن منظمات حقوقية تقول إن البلاد تشهد قمعا أشد من أي وقت مضى؛ وذلك وفقاً لتقرير نشره موقع "بي بي سي عربي".
وتؤكد الحكومة أن فرض مجموعة من القيود الصارمة على الحريات المدنية، إنما هي إجراءات تهدف للحفاظ على الأمن، لكن الكثير منها يقيد حرية التعبير، ومن بينها حرية الإعلام.
ويصف صحافي "بي بي سي" في القاهرة وائل حسين في هذا التقرير كيف أصبحت مهمة الصحفيين في مصر محفوفة بالمخاطر على نحو متزايد.
هناك تشريع جديد ونهج أكثر صرامة تجاه الصحفيين يجعل عملنا اليومي أكثر صعوبة وخطورة.
هناك مخاطر مستمرة للتعرض لتهديدات ومضايقات والاعتقال. وجاء الإفراج عن ثلاثة من صحفيي الجزيرة هذا العام ليضفي حالة من الارتياح، لكن يعتقد أن هناك 18 إعلاميا لا يزالون خلف القضبان.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لشبكة "سي إن إن" الأمريكية الشهر الماضي: "لدينا حرية صحافة غير مسبوقة في مصر، لا أحد في مصر يمكن أن يمنع أي شخص يعمل في وسائل الإعلام أو الصحافة أو التلفزيون من التعبير عن رأيه".
لكن الحقيقة مختلفة تماما.
فقد أصدرت السلطات قانون مكافحة الإرهاب في أغسطس/آب الماضي بهدف محاربة أعمال العنف التي يشنها جهاديون، لكنه يمثل أيضا أداة لقمع المعارضة وفرض قيود على الصحافة.
وينص القانون على غرامات باهظة تصل إلى نحو 64 ألف دولار "لمن ينشر معلومات كاذبة" أو ينشر أخبارا تتناقض مع الروايات الحكومية في حالة وقوع "هجمات إرهابية".
ولهذا بالفعل تأثير واضح، إذ إنه لم يعد من الممكن للصحفيين الاعتماد على ما يشاهدونه أو المعلومات التي يحصلون عليها من المصادر، في كتابة أي تقرير يتعلق بهجمات الجهاديين. لكن يجب عليهم الانتظار لحين الإعلان عن الموقف الحكومي، إذا أعلن.
وهذه التغييرات تجعل من الصعب بشكل خاص تغطية الأحداث في منطقة شمال سيناء المضطربة، والتي أصبحت الآن منطقة عسكرية مغلقة تخوض فيها قوات الجيش قتالا ضد جماعة محلية مرتبطة بما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية".
هناك قيود أخرى تفرضها الأوامر القضائية بحظر النشر، والتي أصبحت الآن شائعة في القضايا البارزة.
ووعد وزير الخارجية المصري سامح شكري في سبتمبر/أيلول الماضي بإجراء "تحقيق شفاف" بعد أن قصف الجيش عن طريق الخطأ مجموعة من السائحين المكسيكيين ومرشديهم في الصحراء الغربية، وأسفر هذا عن مقتل 12 شخصا.
لكن بعد ساعات، أصدر النائب العام قرارا بحظر النشر في القضية، سواء لوسائل الإعلام المحلية أم العالمية.
صراع على السلطة
ولم يكن عمل الصحفيين في السابق - في واقع الأمر - عملا سهلا على الإطلاق، فخلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، كانت هناك خطوط حمراء على الصحفيين لم يتجاوزوها.
لكن هذه القواعد أعيد صياغتها خلال الانتفاضة التي وقعت عام 2011 وأطاحت بحكم مبارك.
ورغم أن وسائل الإعلام الحكومية بدأت تتهم الصحفيين الأجانب بأنهم "عملاء"، فإن الصحفيين المحليين اضطروا أيضا للتكيف مع واقع متغير.
ففي الأيام العصيبة التي أعقبت الإطاحة بمبارك كان من الصعب معرفة الحدود التي يقف عندها الصحفيون.
وفي أحد الأيام، حينما سألت أنا وزميلة لي، ضباط شرطة عن الإصلاحات المطلوبة لتحسين الأداء الأمني، نقلنا إلى مقرهم الأمني وتوقعنا أن يجري اعتقالنا.
لكننا فوجئنا بدعوتنا لتناول القهوة مع أحد مسؤولي الشرطة الذي أجاب على جميع استفساراتنا بكل سرور.
لكن الأوضاع اضطربت مرة أخرى سريعا لتجد وسائل الإعلام نفسها محاصرة في صراع للسلطة بين الجيش المصري والقضاء والقوى السياسية العلمانية من ناحية، والقوى الإسلامية من ناحية أخرى.
وبعد فوز محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين بالانتخابات الرئاسية عام 2012، انعكس الاستقطاب في البلاد على وسائل الإعلام بشكل متزايد.
وفي السنة التالية، وبعد أن أطاح الجيش بمرسي من الحكم عقب احتجاجات حاشدة عليه، أغلق العديد من وسائل الإعلام المؤيدة لمرسي.
وبعد فترة قصيرة أغلق أيضا مكتب قناة الجزيرة القطرية في ظل اتهامها من قبل السلطات المصرية بدعم جماعة الإخوان التي صنفت لاحقا كمنظمة إرهابية.
وكان هناك بعض الصحفيين من بين مئات القتلى والجرحى خلال فض قوات الأمن لاحتجاجات تدعم الرئيس المخلوع، بينما جرى اعتقال آخرين، مثل المصور الصحافي محمود أبوزيد الشهير بـ(شوكان)، والذي لا يزال مسجونا وتدهورت حالته الصحية وأحيلت قضيته فقط مؤخرا إلى المحاكمة.
رقابة شعبية
وفي الوقت الذي تواجه فيه مصر أعمال العنف التي يشنها جهاديون، فإن هناك حساسية من جانب السلطات إزاء أي انتقادات، وهذا يعني أن هناك حالة من الريبة المتزايدة والعداء تجاه الصحافة الأجنبية.
وبحسب ما نشره موقع "البي بي سي عربي" فإنه حينما يطلب الصحافيون تعليقات من المسؤولين، فإنهم في الغالب يرفضون، ومن يقبل الرد على الاستفسارات يطلب عدم الكشف عن هويته. وهناك أيضا مشاكل مستمرة تتعلق بالردود البطيئة والحق في الرد، مما أسفر عن بعض المشاحنات العلنية.
ووصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد أبوزيد في تغريدة على موقع تويتر مراسلة صحيفة واشنطن بوست بأنها "تفتقد للخبرة السياسية".
وفي مناسبة أخرى، اتهم أبوزيد مراسل نيويورك تايمز "بالتحيز" في تغطيته لسجن محمد سلطان، المواطن المصري الذي يحمل الجنسية الأمريكية.
وقال في تغريدة له "إنه من غير المقبول ولا المنصف أن يسأل (مراسل نيويورك تايمز في القاهرة) ديفيد كيرك عن معلومات قبل ساعات من النشر، وفي المساء قبل نهاية الأسبوع، ثم يتوقع ردا فورا".
وقُدم أيضا دليل استرشادي للصحفيين الأجانب للمصطلحات التي ينبغي استخدامها في وصف "الجماعات الإرهابية".
وأطلقت هيئة الاستعلامات المصرية مكتبا جديدا بعنوان " Fact Check Egypt" أو "مكتب التحقق من المعلومات بمصر" لمراقبة التقارير الصحفية والتأكد من طبيعة المصادر وصحة المعلومات المنشورة.
وكان للجهد التطوعي لمن يطلق عليهم وصف "المواطنون الشرفاء"، وهم المصريون العاديون الذين يراقبون الشارع نيابة عن السلطات تأثير أيضا في هذا الصدد.
وبمجرد رؤية صحفي أجنبي، فإن بعض السكان المحليين يطالبونه بإبراز جواز السفر والبطاقة الصحفية، بل حتى إذن التصوير، والبعض يتعامل بعنف مع المراسلين.
وخلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2014، اعتقلت الشرطة فريق "بي بي سي" لفترة وجيزة، وجاء ذلك بعد أن أبلغ سكان الشرطة بوجودنا خلال مقابلة مع زوجة أحد الأشخاص الذي قتل في العام السابق.
وما يثار دائما من مخاوف هو تشويه صورة البلاد، لكن المنظمات المدافعة عن حرية الإعلام تشير دوما إلى أن طريقة تعامل السلطات مع الصحفيين هي التي تنعكس سلبا على صورة البلاد.