تتباين السلع في مستوى الجودة والنوعية. فهناك المتقن الصنع والعالي الجودة الذي لا يشكل خطراً يذكر على مقتنيه ومستخدمه، ويمكن إصلاحه إذا تعطل، وقد يدوم طويلاً. وهناك السلع الرديئة والمقلدة التي قد تشبه السلع الجيدة وتكون أرخص ثمناً، إلا أنها متدنية الجودة وفي كثير من الأحيان لا تعمر طويلاً وسرعان ما تتحول إلى نفايات، ما يعني أن المشتري دفع سعراً غالياً في مقابل منفعة أقل وربما تعرض لضرر قد يصل إلى حد الموت. هذه البضائع شاعت في أسواقنا مؤخراً، آتية خصوصاً من دول شرق آسيا التي دخلت أسواق الإنتاج الصناعي حديثاً وبدأت تغزو العالم بمنتجاتها، الجيد منها والرديء. يتوجه الجيد إلى الدول التي تفرض اشتراطات وقيوداً لحماية المستهلك، فيما تسوق السلع الرديئة في الدول التي لا تهتم ولا تدقق في نوعية هذه السلع.
وتشهد البضائع الرديئة والمقلدة إقبالاً منقطع النظير من المتسوقين، ولاسيما النساء. ويتركز بعضها في محلات تحمل شعارات مثل «كل شي بدولار» أو «بنصف دينار» أو «بريالين». وتكون هذه المحلات ثابتة تفتح حيناً ثم تغير نشاطها التجاري، أو متنقلة، أو حتى على قارعة الطرق وفي الأسواق الشعبية وقرب المجمعات الكبيرة. وقد تتخذ من بعض المواسم فرصة لتسويق منتجاتها، كالأعياد والمهرجانات والمناسبات الدينية. تديرها زمرة من التجار الذين يهدفون إلى الربح السريع والاستثمار القصير الأجل، فالتعامل مع المستهلك في معظمه لمرة واحدة فقط يختفي بعدها البائع والمروج وقد يظهر لاحقاً في مكان آخر فتصعب ملاحقته.
كانت السلع الرديئة والمقلدة تتركز في ألعاب الأطفال والهدايا والقرطاسية وأدوات المطبخ والمفروشات والملابس وأدوات الزينة ومساحيق التجميل والشامبو والعطور، لكنها امتدت لتشمل الأدوات الكهربائية والإلكترونية وقطع غيار السيارات وحتى الأدوية والمواد الغذائية. وقد عمد الكثير من الدول المتقدمة كدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان، وبعض الدول العربية، إلى منع دخول الكثير منها أو تسويقها في أراضيها، أو جعلته حكراً على المناطق الحرة بهدف إعادة تصديرها إلى الدول التي تضعف فيها الرقابة أو تتفشى في قطاعها الجمركي المحسوبية والرشوة.
وكثيراً ما يعود سبب المنع إلى النتائج المقلقة لفحص هذه السلع. على سبيل المثال، الرصاص في الطلاء والمعجون عنصر سام، ويؤدي ارتفاع معدله في الجسم إلى انخفاض مقياس الانتباه لدى الأطفال ويسبب مشاكل في السلوك والتعلم واللغة، وحتى تلف الدماغ والأعصاب. والكادميوم قد يعرض المستهلك للإصابة بالسرطان أو العقم، ويمكن أن يضر بنمو الأجنة. ومجمل العناصر الثقيلة تتراكم مع الزمن في الأجهزة الحساسة لجسم الإنسان وقد تسبب المرض العضال وحتى الموت. أما البوليمرات في المواد البلاستيكية، وتحديداً البولي كلوريد الفينيل والبولي ستيرين والإيثيلين والبروبلين، فتصبح خطرة بعد تعرضها للحرارة، وقد تسبب أضراراً للجهاز العصبي والكبد والكليتين. كما تحوي مواد التجميل وأدوات الزينة الرخيصة أصباغاً ومواد كيميائية قد تسبب أمراضاً مثل الربو والحساسية وضيق التنفس. والأدوية المغشوشة قد تؤدي إلى تفاقم المرض وربما الموت.
أما قطع غيار السيارات والأدوات الكهربائية ومواد التمديدات الصحية الرديئة الصنع أو المقلدة فغالباً ما تتعرض للأعطال سريعاً، وقد تؤدي إلى نتائج كارثية. وسرعان ما تصبح نفايات يتم ردمها لتتحول المشكلة من سلع خطرة على الإنسان إلى نفايات خطرة تهدد البيئة ومواردها، لاحتمال تسرب ما تحويه من عناصر ثقيلة كالرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم والبريليوم مع السوائل المرتشحة من المطامر فتهدد المياه الجوفية والكائنات الحية.
تشير تقارير صحافية إلى أن هذه التجارة مع دول شرق آسيا ازدهرت مؤخراً في المنطقة العربية ووصلت إلى بلايين الدولارات في مقابل صادرات على رأسها النفط. ويتم تصريفها بشكل خاص في بعض الدول العربية التي ينشغل جهازها الرقابي بالقضايا الأمنية الداخلية أو الخارجية. وهذا أفسح المجال لإغراق الأسواق بسلع رديئة ومغشوشة، خاصة في المدن والقرى والأحياء البعيدة عن أعين أجهزة حماية المستهلك والجمارك ووزارتي التجارة والصحة وغيرها، التي كانت تمثل خطاً أحمر في حالات الاستقرار السياسي. على سبيل المثال، بينت دراسة أجريت عام 2014 في محافظة نابلس الفلسطينية أن 95 في المئة من المواطنين يقتنون المنتجات الصينية لأسعارها الزهيدة، ويعتبر 93 في المئة أنها رديئة ودون المستوى المطلوب، ويعتقد 76 في المئة أنها تسبب السرطان، ويرى 92 في المئة أن التجار هم سبب دخول هذه البضائع بهدف الربح على حساب الفرد والمجتمع والبيئة والاقتصاد الوطني.
وفي السعودية منع دخول 122 مليون سلعة عام 2013 لعدم مطابقتها للمواصفات، وتم ضبط وإتلاف 125 مليون سلعة. وفي العام 2014 منع دخول 77 مليون سلعة، وتم ضبط وإتلاف 88 مليون سلعة وتغريم أصحابها.
نظراً لتباين قدرات الدول العربية على التصدي لمشكلة السلع الرديئة والمغشوشة، يتعين عليها التعاون في درء مخاطرها، من خلال اعتماد مواصفات عربية أو دولية للسلع المستوردة، ووضع استراتيجية موحدة للتجارة والاستيراد تتضمن عدة أهداف أهمها ضمان نوعية السلع المستوردة وجودتها وعمرها الافتراضي مشفوعة بشهادة الجودة ISO، وحظر الإعلان أو الترويج للمنتجات الرديئة. ولا بد من تخصيص مختبرات مركزية لفحص السلع في المنافذ والمدن الحرة وعدم الاكتفاء بشهادات بلد المنشأ، وإحكام الرقابة على المنافذ الجمركية، وبناء القدرات الوطنية في مجال التفتيش والرقابة، واتخاذ إجراءات رادعة ضد المتورطين بما يتجاوز الغرامات المالية إلى إتلاف البضائع أو إعادتها إلى دول المنشأ على نفقة المستورد وصولاً إلى المنع من مزاولة التجارة والتشهير والسجن. كما يجب محاسبة هيئات حماية المستهلك وهيئات الدواء والغذاء على تهاونها أو قصورها.
ولا بد من رفع الوعي بمخاطر اقتناء هذه السلع على الفرد والأسرة والمجتمع، من خلال التعليم والإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، كي لا تصبح دولنا أشبه بمكب للبضائع المنبوذة دولياً.