ظهرت العديد من الدراسات التي تتبعت نشأت المآتم الحسينية التي تقام فيها شعائر إحياء ذكر استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. وقد لوحظ وجود تطور معين للمأتم عبر الزمن، الذي بدأ بتخصيص مكان معين، وكذلك، حدث تطور في الشعائر التي تمارس في هذا المكان، من قراءة شعر ورثاء وبكاء ولطم، وتلا ذلك تخصص في كتابة الشعر وكتابة "المقتل".
وقد وصل تطور الشعائر الحسينية ذروتها في القرن العاشر الميلادي. وبحلول القرن الحادي عشر الميلادي، انتشرت شعائر إحياء ذكرى عاشوراء في جميع المناطق التي دخلها الإسلام في تلك الحقبة. وبلا شك، فإن شعائر إحياء ذكرى عاشوراء تطورت في كل منطقة من المناطق التي انتقلت لها وذلك بحسب ثقافة المنطقة. فقد تم توظيف الفنون الثقافية في كل منطقة لخدمة إحياء هذه الشعائر. وبهذه الصورة، تعددت مظاهر هذه الشعائر من منطقة لأخرى.
ومن المناطق التي انتشرت فيها شعائر إحياء عاشوراء، هي الأندلس، الذي يعتقد العديد أنها كانت أموية الفتح، أموية السقوط. بالرغم أن التشيع انتشر فيها قبل التواجد الأموي، إضافة لظهور دويلات شيعية حكمت في الأندلس، ينظر في ذلك دراسة محمود علي مكي (1954م) "التشيع في الأندلس منذ الفتح حتى نهاية الدولة الأموية". وبذلك، ظهر العديد من الشعراء الذين رثوا الإمام الحسين عليه السلام، ووثقوا فاجعة كربلاء، ينظر في ذلك دراسة حسين جوبين (1969م)، "الامام الحُسين عليه السلام في أدب الأندلس"
الجدير بالذكر، ظهور كتاب في الأندلس وثقوا أحداث عاشوراء بصورة كتابة "المقتل"، فقد وصل لنا مخطوط لابن الأبار القضاعي الأندلسي (توفي العام 1260م)، وهو رسالة بعنوان "درر السمط في خبر السبط". وقد تم تحقيقها وإصدارها ككتاب.
ومن الدراسات الحديثة التي تناولت إحياء صدى عاشوراء في الأندلس دراسة رضا هادي عباس (العام 2009م) "ثورة الحُسين عليه السلام في التراث الأندلسي". والذي استفاد فيها من ظهور طبعة جديدة لكتاب "أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يتعلق بذلك من الكلام" للسان الدين ابن الخطيب (توفي العام 1374م) تحقيق سيد كسروي حسين (العام 2003م)؛ حيث وجد فيه إشارة ذات أهمية كبرى عن عادات أهل الأندلس عامة وأهل شرق الأندلس خاصة في ذكرى استشهاد الإمام الحُسين عليه السلام من التمثيل بإقامة الجنائز وإنشاد المراثي ووصف إحدى هذه المراسيم وصفاً حياً يُخيل لنا أننا نرى إحياء الذكرى في إحدى مدن العراق، وذكر أن هذه المراثي كانت تسمى الحُسينية وأن المحافظة عليها بقيت إلى أيام ابن الخطيب الغرناطي في عهد مملكة غرناطة (1238 – 1492م)، ومما ذكره ابن الخطيب في كتابه سالف الذكر (طبعة دار الكتب العلمية 2003، ج1، ص74-75):
" ولم يزل الحزن متصلاً على الحسين والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس ويختلفون لذلك ليلة ويوم قتل فيه بعد الأمان من نكير دول قتلته ولاسيما بشرق الأندلس. فكانوا على ما حدثنا به شيوخنا من أنهم بالشرق (أي شرق الأندلس) يقيمون هم الجنازة في شكل من الثياب يسجوه خلف سُترة في بعض البيت ويحتفل بالأطعمة والأضواء والشموع وتجلب القراء، يوقد البخور ويتغنى بالمراثي الحُسينية... والحُسينية التي يستعملها اليوم المُسمعون، فيلوون العمائم الملونة ويبدلون الأثواب في الرفض كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل، بقية من هذا لم تنقطع بعد وأن ضعفت، مهما قيل: الحُسينية أو الصفة، لم يُدّرَ اليوم أصلها".
يلاحظ هنا، مسمى الحُسينية، وهو اسم المكان الذي تقام فيه الشعائر، ولفظ المسمعون، وهم الذين يقومون بقراءة الراثي، وهو مسمى لازال معروف في بلاد المغرب العربي. كذلك، تجدر الملاحظة لمدى تطور شعائر إحياء ذكرى عاشوراء في القرن الرابع عشر الميلادي في الأندلس، ومدى توظيف عناصر ثقافية فنية مختلفة إثناء إقامة تلك الشعائر.
الخلاصة، أن استشهاد الامام الحسين عليه السلام، لاقى صدى واسع الانتشار، ومنذ بداية الحدث وذكرى استشهاد الامام عليه السلام، يحتفى بها، وعلى مر العصور تطورت تلك الشعائر، واتخذت مظاهر مختلفة بحسب التوسع في التوظيف لعناصر ثقافية مختلفة، كلها تعمل في خدمة توصيل تفاصيل فاجعة كربلاء للعالم.