في كل عام يجتهد عدد من الخطباء الحسينيين في اختيار مواضيعهم والذي يسبق قراءتهم الحسينية طوال فترة عشرة محرم، وكم كان الأمر صعباً حينما بدأ هؤلاء الخطباء مشوارهم هذا؛ إذ واجهوا رفضاً شرساً من قبل الشارع العام الذي لم يكن يتقبل فكرة أن يطرح موضوع اجتماعي أو اقتصادي بحت على المنبر الحسيني في فترة مخصصة لإحياء ذكرى أهل البيت (ع) بشكل عام، وإحياء ذكرى واقعة الطف بوجه خاص، ولما لهذه الفترة من خصوصية ينتظرها البعض بكل شوق وترقب لتجديد؛ فقد كان الأمر الاعتيادي حينها أن تطرح المنابر مواضيع اجتماعية عادية ترتبط بأخلاق الرسول (ص) وأهل البيت (ع) بحسب مناسبة اليوم، فتطرح مواضيع متعلقة بالإيثار والوفاء في اليوم السابع من محرم، وأخرى متعلقة بالزواج مثلاً في اليوم الثامن، وبالصبر والجلد في العاشر وهكذا.

وعلى رغم كل هذا الرفض استمر هؤلاء الخطباء في فكرتهم وواصلوا مشوارهم في تثقيف المستمع إليهم وتنويره في مختلف المجالات، فبدأ بعض الناس يتقبل الفكرة ويروج لها، الى أن ازداد عدد حضور المجالس التي تقدم طرحاً مختلفاً، وازداد عدد الخطباء الذين انتبهوا إلى هذا الأمر وأهميته، حتى ان المجالس التي يحييها هؤلاء الخطباء باتت الأكثر حضوراً؛ لأن المتلقي صار يفضلها على تلك التي تطرح المواضيع المكررة، وها هم الخطباء يطرحون اليوم حتى المواضيع المختصة بالعلوم البيئية وعلوم الطاقة وتطوير الذات إضافة إلى الأمور الحياتية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

مثل هذا التنوع في الطرح يجعل من موسم عاشوراء موسماً للثقافة ونشر المعرفة بمختلف أشكالها، وإيصالها إلى المتلقي مهما يكن سنه ودرجة ثقافته بشكل يسير، وهو ما يسهم في جذب بعض الشباب والمراهقين ممن عزفوا عن حضور مثل هذه المناسبات الدينية التي لا يرون فيها إلا تكراراً للمواضيع ذاتها واجتراراً للدمع، وهو ما يقوله بعض الشباب واقعاً حين تسألهم عن سبب قطيعتهم لهذه المجالس.

إن هذا التنوع في الطرح يجعل من الحسينية أو المأتم مكاناً لتلقي العلم والثقافة العامة إلى جانب الدينية، ويعيد لها عهدها التنويري والتعليمي؛ فقد طالعنا بعض الخطباء بمواضيع مهمة، تقدم من على المنبر الحسيني.