استضافت «جمعية المرسم الحسيني للفنون» مجموعةً من الفنانين من «ملتقى نحّاتي الخليج»، للمشاركة بتقديم أعمالهم الإبداعية، التي مثّلت مشاركةً نوعيةً في عاشوراء البحرين هذا العام.

الملتقى الذي تشكل قبل عامين، يضم نحاتين من: البحرين والسعودية والكويت والإمارات وعُمان، كان يتم التواصل بينهم عبر فضاء الانترنت، وبدأ بعشرة أشخاص، وهو يضم حالياً أكثر من 35 نحاتاً، بين محترفين ومبتدئين.

تجربة خليجية

وتبلورت فكرة التجمع بعد مشاركة عدد منهم في «مهرجان الدوخلة» في عيد الفطر الأخير الذي ينظم في جزيرة تاروت بالقطيف، حيث طرحها السيدرضا في أول لقاء للنحّاتين من السعودية والبحرين، الذي يقول: «كان الهدف تبادل الخبرات والاستفادة من التجارب المختلفة وإفادة المبتدئين». ويضيف «النحت مظلوم بالنسبة للفنون الأخرى، وخصوصاً النحت على الخشب، فكانت فرصة للعرض على الجمهور. وجاءت هذه الفرصة للعرض في البحرين من خلال المرسم الحسيني في هذا الموسم».

الفنان البحريني محمد أبوإدريس، خريج هندسة معمارية العام 1994، ولكنه اشتغل بالديكور، وأهم خاماته الخشب، الذي يعشقه، فهو «يزيد نسبة الأوكسجين في داخل البيت وخصوصاً البامبو» كما يقول. وبدأ بالعمل على تطبيق فكرة المجوهرات الخشبية، بإدخال الفضة في الأعمال الفنية الخشبية. وظل ينفق على الإنتاج دون مردود يذكر حتى العام 2013، وقدمها في معرضين، وفي المعرض الثالث بدأ يتلقى عروضاً من الشركات أو الأفراد لإنتاج منحوتات خشبية مطعّمة بالفضة أو الذهب والنحاس.

يقول ابوإدريس: «ليس كل الأعضاء نحاتين، لكن كل من دخل الملتقى أحب النحت، وأصبحوا (مجانين خشب) يشمونه قبل البدء بالنحت»! ويضيف «حين عرضنا الفكرة على المجموعة مع المرسم كنا نتوقع مشاركة 10 أشخاص، لكن العدد وصل إلى 23، من السعودية وعمان، واعتذر بعض الزملاء من الكويت والإمارات بسبب ظروفهم الخاصة».

المجموعة عملت 3 أيام متواصلة على إنجاز بعض المجسمات الفنية، وكان أكبرها باستخدام خشب ساج نادر الوجود وغالي الثمن، عمره 50 سنة، لتنفيذ بعض الحروفيات.

إبداعات شرقية

النحّات حسنين الرمل (الإحساء)، مدرس تربية فنية، له اهتمام كبير بالخشب، منذ المرحلة الإعدادية، حيث كان والده المرحوم يهتم بإلحاقه بورش النجارة أيام الإجازة الصيفية. وفي المدرسة «التقيت بطالب جميل الخط، وبالتالي اهتممت بالخط العربي وأخذت أبحث عن كتب الخط رغم شحّتها. أنا لم أخط ولكني حاولت توظيف الخط، بالبحث عن استخداماته، والمعتاد في الخط العربي هو استخدامه في بعدين (2D)، ففكّرت في أن أجسّمه. كنت آخذ أعمال الخطاطين المشهورين في العراق وتركيا وإيران ومصر والهند وأنفّذها مجسّمة، سواءً على الخشب أو الجبس وغيره، من أجل إظهار جماليات جمال الخط العربي والخشب».

ويعلق على المشاركة في المرسم بقوله «إنها تجربة جميلة في جو روحاني مع جماعة فنية، وهو شرفٌ لي، فالحسين هو عشقٌ للعالم أجمع وليس للشيعة فقط، ومن يحب الرسول (ص) لابد أن يحب الحسين، فهو ثقافة وأخلاق وألفة وسلام وتسامح ومحبة، وهي القيم التي حاولنا أن نبيّنها كنحاتين خليجيين من بلدان ومناطق ومذاهب مختلفة، جمعنا حب الحسين».

من السعودية أيضاً، شاركت الفنانة بشرى حسين علي، شاركت في عدة مهرجانات فنية، أغلبها مدرسية بحكم عملها كمعلمة تربية فنية لمدة 18 عاماً، وتمارس الرسم وتعمل على الطين والخشب والمعادن. وهي عضوة بملتقى نحّاتي الخليج، وقد التحقت بهم في البحرين في اليوم الثالث، حيث تقول: «إنها تجربة رائعة، كل عضو بالمجموعة لديه تجربة ينقلها للآخرين، والأجواء هنا أجواء أخوة جميلة وكأننا نعرف بعضنا من زمان».

نحاتو عمان في المرسم

من بين الـ23 نحاتاً، شارك في فعاليات النحت بالمرسم 5 فنانين عمانيين، وكلهم معلمون ومشرفو فنون وأكاديميون، من مذاهب إسلامية مختلفة.

علي الجابري، نحات على الرخام والخشب وخامات أخرى، يدير «بيت فن صحار»، وهي مؤسسة معنية بالفنون في صحار، يقول: «تلقيت دعوةً للمشاركة في ذكرى الإمام الحسين، وهذا شرفٌ لي أن أمثّل سلطنة عمان وأمثل عائلتي في هذه الفعالية. وزملائي من مذاهب أخرى، استحسنوا الفكرة وأبدوا رغبتهم بالمشاركة لأن الحسين ليس إماماً للشيعة فقط، وإنّما هو إمام لكل مسلم وإنسان».

وعن مسيرته الفنية يقول: «اشتغلت بخامات مختلفة، بدأت بالجبس والطين والحديد حتى وصلت للنحت على الرخام. والمزاوجة بين الرخام والخشب، والجمع بينهما صعبٌ لأن كلاً منهما لا يقبل مشاركة مادة أخرى، فالخشب مادةٌ لينةٌ لكنها تشقّ الصخر بينما الرخام مادة صلبة. وهما متناقضتان في اللون، بين فاتح وغامق، وكذلك في الملمس، بين ناعم وخشن، وبارد وحار، وبينهما تناقض وصراع».

وعن المنحوتة التي يعمل عليها النحاتون بشكل جماعي، قال الجابري: «المنحوتة تمثل الشراع، والسفينة تمثل الحسين كسفينة للنجاة، وهي تشق طريقها بين الماء والتيارات، والساري عبارة عن قطعة من الخشب، وهنا تمت المزاوجة بين الخشب والرخام».

وعن زيارته للبحرين قال: «زرت البحرين عدة مرات، لكنها أول مشاركة فنية لي، ويشرّفنا المشاركة هنا». وأضاف «الجميل في البحرين أن المجموعة التي تعمل في هذه الخدمة لديهم الطيبة والبشاشة والأخلاق، وهي مما علّمنا عليه الحسين. وأحب أن أشكر الجمعية ومبادرتها ودعوتها النبيلة لاستخدام الفن في خدمة هذه القضية، وأشكر القائمين عليها لدعوتهم دون أن يعرفوا من أنا ولا مذهبي، فهم دعوا الجميع من عمان».

الفنان يوسف الرواحي، يعمل بأكثر من مجال، من تشكيل ونحت وتركيب وغرافيكس، يقول: «تجربتي بالنحت متنوعة: جبس، حديد، خشب، رخام، وهي تمتد من العام 2000، وشاركت في معارض بالسلطنة بأعمال اغلبها نحت». وعن زيارته للبحرين قال: «لقد أضافت لي هذه التجربة الكثير، جو العمل الجماعي الذي يشجعّ على العمل وتبادل الخبرات، احتكاك الفنانين مباشرة مع جمهور متذوق يهتم بالتفاصيل. وقد تعرفت على العديد من الفنانين البحرينيين وزرتهم في مراسمهم، وتعرّفت على أساليب مختلفة، من الرسم الحر المباشر وأعمال البرونز، وإن شاء الله تكون هناك زيارات قادمة لنا في جمعيتنا، التي تضم 50 فناناً متنوعي الاهتمامات، بين رسم وخزف ونحت، ومن خريجي كلية الفنون التشكيلية».

ويضيف الرواحي «بالنسبة لى الفن لغة عالمية، والفن يذيب الفوارق بين المذاهب والأعراق والجنسيات، ويتبنى القضايا الإنسانية. ولو رجعت إلى رسوم الأطفال ستجد نفس الخصائص لدى كل أطفال العالم، فلماذا لا نعيش الإنسانية بعيداً عن هذه التقسيمات التي وضعها الإنسان، فالفن يتجاوز هذه الفوارق». وعمّا إذا كان قد واجه أي صعوبة في التعامل، قال: «لم أجد أي صعوبة على الإطلاق، ونحن أصدقاء وأخوان من كل المذاهب، نعمل ونصلي معاً، وأسال الله أن يديم هذه النعمة».

وعما إذا كان لديه أي اطلاع مسبق على أجواء عاشوراء، قال: «أخواننا الشيعة عندهم 10 أيام عزاء في ذكرى مقتل الحسين، أحترم عاداتهم وتقاليدهم، سبق أن زرت سورية وإيران والبحرين، وعندنا مواطنون شيعةٌ في عمان وأحترمهم وأحترم مذهبهم، ولم أشعر أني بين غرباء، ولم يسألني أحدٌ أصلاً عن مذهبي. لقد أحسست أني عند إخواني في عمان، وهذا شيء جميل، وهذه هي رسالة الفن». وعن الفعالية المشتركة قال: «أجواء جميلة متنوعة، الرسم داخل الجمعية، والنحت في مكان مفتوح في الشارع، ما يعطيك فرصةً للاحتكاك المباشر بالجمهور، وأتمنى أن أزور البحرين لمشاركتكم كل عام».

الفنان أحمد الشبيبي (خزاف ونحات)، شارك في معارض مشتركة للخزافين في عمان وأخرى خارجية في الرياض وتونس، وقدم ورشاً في الخزف والخط العربي، وهو خريج جامعة السلطان قابوس، ومشرف تربوي في الفنون التشكيلية. يقول: «حضرنا لعدة أهداف، أولاً تلبية لدعوة إخواننا البحرينيين، وثانياً لأننا متعطشون للاطلاع على تجاربهم، وقد سرّنا أن نجد هذا العدد الكبير من الفنانين في جو واحد، وهذا نادراً ما نجده في دول أخرى. وقد كنا نتوقع أن تكون مثل الورش الأخرى، من حيث محدودية المشاركين وفي جو منعزل، لكن فوجئنا بعدد كبير من الفنانين والجمهور البحريني، بما لديهم من ثقافة واهتمام واندماج. ولم يسألك أحدٌ عن مذهبك، وهم يحبون أن يجمعوا الناس، ويتعاطون معك دون حواجز، وقد أخبرت أحد الزملاء بأني استفدت خلال هذه الأيام الثلاثة بمقدار الاستفادة من عمل شهرين كاملين».

وأضاف الشبيبي «لقد أتاحت لنا الزيارة الاحتكاك بالفنانين ومعرفة التكنيكات التي يعملون بها في عدة مجالات، خط وخزف رسم، بالإضافة إلى زيارة مراسم الفنانين البحرينيين، الذين حظينا منهم بالتعامل الطيب والعفوية، حيث يستقبلك الفنان ويطلعك على ورشته وأعماله وأسراره».

عبدالكريم الرواحي، معلم وفنان تشكيلي، يميل للنحت على المعادن، وله مشاركات عدة، وحصل على بعض الجوائز المحلية والخارجية. يقول: «إنها تجربة فريدة بالنسبة لنا، لأنها تجمع نخبة من الفنانين الخليجيين، وقد شرعنا في العمل مباشرة بعد وصولنا، لضيق الوقت، وزرنا ورش عدد من الفنانين البحرينيين اليوم، واطلعنا على تجاربهم وأساليبهم وطرق عملهم الفنية».

وعن علاقته بالبحرين قال: «شعرت بالتآلف مع الفنانين، فأنا أحترمهم وأحترم معتقداتهم، والمذهبية ليست معنا، وأنا أعرف إخواننا الشيعة في البحرين منذ سنوات، وهم (يشيلوننا في عيونهم). ونتمنى أن تصلح الأوضاع في كل البلدان العربية، ومثل هذه التجمعات تثبت أن الفن يجمع الجميع».

الفنّان عبدالعزيز المعمري، معلّم فنون تشكيلية وخريج جامعة السلطان قابوس، يعمل على النحت على الخشب والرخام، ويقول عن هذه المشاركة: «هذه أول مشاركة في النحت على الخشب، وهي تجربة مفيدة لأنها عرّفتنا على مجموعة طيبة من الشباب النحاتين البحرينيين واستفدنا الكثير في مجال تبادل الخبرات بيننا. ولم يكن هناك أي هواجس أو تأثير مذهبي. لقد أحببنا المشاركة مع هؤلاء الشباب الطيبين، ولم أشعر بأية غربة بينهم، ونتمنى أن يزورونا في عمان».